رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الناتو" على أعتاب "دمشق".. "درع الفرات" تعقد الحسابات.. وثلاثة سيناريوهات خطيرة تعمق "الأزمة السورية"

جريدة الدستور

جولة جديدة في حراك الأزمة السورية تجدد دماء الحرب، وتطرق أبواب الصراع بين أطرافها في الداخل والخارج، وذلك عقب إعلان تدخل القوات العسكرية التركية في شمال سوريا صباح اليوم الأربعاء، وبدء عملية "درع الفرات" بهدف قصف عناصر لتنظيم داعش الإرهابي في جرابلس السورية، وهو ما اعتبره الجيش السوري تدخلًا سافرًا على أراضيها.

وشنت القوات الخاصة التركية هجومًا على عدد من عناصر تنظيم داعش الإرهابي بالتعاون مع التحالف الدولي، إذ أعلنت مصادر عسكرية في تركيا أن الدبابات التركية عبرت الحدود مع سوريا باتجاه مدينة جرابلس في إطار عملية "درع الفرات" لمحاربة تنظيم "داعش"، والتي بدأت فجر اليوم الأربعاء.

وذكرت وكالة الأناضول، أن القوات التركية وجهت بالمدافع وراجمات الصواريخ، 294 ضربة ضد 81 هدفًا، ضمن عملية "درع الفرات" شمالي سوريا، ولا يزال القصف مستمرًا حتى الآن، باستخدام طائرتين من طراز "إف 16" تقصفان الأهداف الإرهابية التي يتم تحديدها أولا بأول.

وقال وزير الداخلية التركي "أفكان آلا"، إن عملية تطهير المنطقة من تنظيم "داعش" الإرهابي، ستستمر حتى القضاء على التهديدات لحدود بلاده.

وأكد وزير الداخلية، أن تركيا لن تسمح بأن يكون أمنها مهددًا، وستتخذ كل التدابير الضرورية لذلك، وأضاف: "لن نسمح بأن تهاجم منظمات إرهابية تركيا أمام أنظارنا".

وتعد هذه العملية الأوسع نطاقًا التي تنفذها تركيا منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل 5 سنوات ونصف، وكانت أنقرة أعلنت نهاية الأسبوع الماضي عزمها على لعب دور أكثر نشاطاً في سوريا.

ووفقًا لوكالة الأناضول، تهدف الحملة العسكرية، إلى تطهير الحدود من المنظمات الإرهابية، والمساهمة
في زيادة أمن الحدود، وفي ذات الوقت إيلاء الأولوية لوحدة الأراضي السورية ودعمها.

كما تهدف العملية إلى منع حدوث موجة نزوح جديدة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في المنطقة، وتطهير المنطقة من العناصر الإرهابية، بالإضافة إلى مكافحة فعّالة ضد المنظمات الإرهابية التي تستهدف الدولة التركية ومواطنيها الأبرياء وذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي وقوات التحالف.

من جانبها، أدانت وزارة الخارجية السورية التوغل العسكري التركي في جرابلس السورية التي تعتبر آخر المعابر الواقعة تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي في المنطقة الحدودية مع تركيا، واعتبرته الوزارة خرقًا سافرًا لسيادة سوريا على أراضيها.

وأضافت الوزارة، أن محاربة الإرهاب على الأراضي السورية من أي طرف، يجب أن يتم من خلال التنسيق مع الحكومة السورية والجيش العربي السوري الذي يخوض هذه المعارك منذ أكثر من خمس سنوات، مؤكدة أن محاربة الإرهاب ليست في طرد داعش وإحلال تنظيمات إرهابية مكانها مدعومة مباشرة من تركيا .

وفي فبراير الماضي، أشارت صحيفة "ذي صانداي تلغراف" البريطانية إلى تهديدات التدخل التركي المحتمل في سوريا، بجر حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي تنتمي إليه أنقرة، إلى القتال هناك، لافتة إلى إمكانية حدوث هذا السيناريو في حال مضي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قدمًا بتهديداته بإرسال قوات برية إلى سوريا.

وأضافت الصحيفة، أنه على إثرها قد تجر تركيا حلف شمال الأطلسي إلى صراع مباشر مع روسيا عبر دعوة الحلف للتدخل بناء على البند السابع الذي يجبر الناتو على التدخل إذا تعرضت إحدى دولها لاعتداء.

وتباينت آراء خبراء الشأن السياسي، حول أهداف التدخل التركي في سوريا وتداعياته، إذ رأى البعض أنه لن يستمر طويلًا وأن الهدف منه ردع التنظيم الإرهابي، والتأكيد على وحدة الجيش التركي وقوته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، بينما اعتبر آخرون أن عملية "درع الفرات" التركية عملية شاملة لن تنتهي في ساعات وسوف تتلقى الدعم من سوريا وإيران.

الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أكد أن العملية التركية "درع الفرات" في شمال سوريا بمثابة عملية عسكرية شاملة وليست لعدة ساعات، خاصة عقب استخدام تركيا للطائرات "إف 16"، مشيرًا إلى أن السيناريو المتوقع للأزمة السورية فيما بعد، يتمثل في إمكانية تدخل قوات التحالف الدولي لدعم القوات التركية، وذلك من خلال تقديم المعلومات الأمنية الاستراتيجية لتركيا.

وأضاف، أنه من الوارد انضمام قوات أخرى لتركيا وبناءًا عليه سوف تمتد العملية العسكرية التركية إلى مدن أخرى خاصة في المنطقة الحدودية بجرابلس، مؤكدًا أن التدخل التركي سوف يحدث تغيرًا كبيرًا على أرض الواقع، لا سيما تنسيق القوات الخاصة التركية مع الأطراف الدولية بالمنطقة وتقديم الدعم من جانب كل من؛ روسيا وإيران.

وأوضح فهمي، أن الجانب الروسي سبق واستخدم قاعدته العسكرية "همدان" الموجودة بإيران للتدخل في سوريا، إلا أنه توقف عن استخدامها، وبالتالي فإن الدعم الروسي لتركيا قد يتمثل في تقديم المعلومات الاستخباراتية واللوجستية للقوات التركية.

وأشار إلى أن أحد أهداف العملية التركية العسكرية في شمال سوريا، هو وقف النزوح السوري للخارج وبناء حائط مانع لذلك، لافتًا إلى أن العملية العسكرية ستخوض وقتًا طويلًا لتحقيق أهدافها.

وعن إمكانية التدخل العسكري لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" في سوريا، شدد فهمي على أنه من المبكر التنبؤ بذلك، نظرًا لأن القوات التركية مهنية وقادرة على تنفيذ مهامها، وبالتالي فإنه من الممكن أن يقدم حلف الناتو الدعم الاستراتيجي لتركيا، لكنه لن يتدخل بنفسه داخل سوريا.

من جانبه قال مصطفي زهران الباحث في شئون الحركات الإسلامية والتركية، أن الهدف الأسمى والرمزية الأقوى تجاه التطورات السريعة المتلاحقة على المشهد التركي السوري، والتي رافقت العمليات العسكرية النوعية في مدينة جرابلس السورية، تكمن بالأساس في إيصال رسالة إلى الداخل التركي بشكل عام، والدول الغربية بشكل خاص، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف، أن هذه الرسالة مفادها أن الجيش التركي خرج من مشهد الانقلاب الفاشل الأخير أكثر قوة، وبدا متعافيًا بدرجة كبيرة، من خلال تعزيز دوره الحقيقي المنوط به بعد خروجه تدريجيًا من المشهد السياسي للقيام بدور حاسم وجاد أمام موجات الإرهاب المتلاطمة على الضفاف التركية ابتداء من الحدود التركية السورية.

وأوضح زهران، أن ما يدعم هذه الفكرة هو قيادة رئيس الأركان "خلوصي آكار" العملية العسكرية بنفسه في رمزية أخرى إلى وحدة الجيش التركي بعد حديث بعض وسائل الإعلام الغربية عن ثمة انقاسامات تضرب وحدة الجيش التركي أحد اهم الجيوش النظامية في الإقليم والعالم.

ولفت إلى أن العملية العسكرية التركية الأخيرة، تسعى للتشديد على أن تركيا الجديدة بعد الانقلاب تتختلف عن سابقتها، وأنها سنتهي الكثير من الملفات العالقة من قبل وعلى رأسها الملف الكردي، مؤكدًا أنه يأتي ذلك بعد سلسة من التوائمات والتوافقات التي تبنيها السلطة السياسية مؤخرًا مع روسيا وعدد من الدول الأخرى لدعم الجيش التركي في مرحلته القادمة التي تتعددى الحدود التركية حفاظًا على الأمن القومي التركي.

وأكد زهران، أن التدخل التركي لن يكون طويل، بل هو مجرد ردع وتأمين للحدود، ومن ثم تسليم مقاليد الإدارة للجيش السوري الحر، ما يعني أن تركيا ليست لديها أطماع في الداخل السوري، مشيرًا إلى أن القوات التركية لن تبقى طويلًا وبالتالي ستفوت الفرصة على حلف الناتو للتدخل في سوريا.

ونوه، إلى وجود تنسيق من تركيا مع الجانب الروسي قبل قيامها بالعملية العسكرية الأخيرة، ولولا هذا التنسيق ما تدخلت تركيا منفردة، إلا أن هذا لا يعني أن تركيا تراهن على علاقاتها في إبداء مواقف حاسمة مع الآخرين، ولكنها أصبحت تبحث عن الحل الحاسم في كثير من الملفات العالقة حتى وقت قريب وأهمها ملف الأكراد.