رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللغةُ الفصحى وبادرةُ خير للجامعة العربية


عقب توليه مهام منصبه كأمين عام للجامعة العربية، وبعد أول اجتماع لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين يوم 16/7/2016، أعلن السيد أحمد أبوالغيط أن الوضع العربى بالغ الصعوبة وأن كثيراً من الدول العربية الآن أصبحت فى مفترق الطرق بينأن تبقى أو لا تبقى، وأضاف فى كلمته المرتجلة أن مهمته هى رفع كفاءة وأداء الأمانة العامة للجامعة العربية وأن يكون لها صوتٌ وقدرةٌ لتعكس الموقف العربى خارجياً ودولياً فى كل الظروف والأوقات هذه الكلمات المقتضبة التى جاءت على لسان هذا الدبلوماسى المصرى الكبير فى أول محطاته الرسمية الجديدة،تنمُ عن فهم عميق للحالة العربية الراهنة التى وصلت من السوء إلى درجة باتت تشكل خطراً داهماً على أمن واستقرار الدول العربية بأسرها، بل وعلى ذات وجودها ومستقبلها. كما أن كلماته التى اختتم بها تصريحاته وقتئذ وأعرب من خلالها عن شعوره بجسامة مهمته كأمين للجامعة العربية وأنه سيقوم خلال الشهور التالية بزيارة كل العواصم العربية لمقابلة القادة العرب وتمنى نجاح مهمته خلال السنوات المقبلة، جعلتنى أستبشر خيراً فى الدور المأمول للجامعة العربية لتوحيد الصف العربى فى مواجهة كل تحديات الحاضر والمستقبل على المستويين الإقليمى والعالمى، بما يحافظ على كيان واستقلال الوطن العربى وأمنه واستقراره. وإذا كان من المعلوم واقعياً أن أداء الجامعة كمنظمة إقليمية وقدرتها على الفعل والحسم مرهونٌ بإرادة الدول الأعضاء ومدى توافقها فى الرؤى والمصالح، فإن شخص الأمين العام للجامعة يمكن أن يلعب دوراً محورياً فى هذا الإطار بقدر ما يتمتع به من وطنية مخلصة وعقيدة صحيحة وبصيرة واعية وإيمان صادق بالهوية العربية ومرجعياتها الأصيلة فضلاً عن الذكاء والفطنة والحكمة وقوة الشخصية، وأظن أن السيد أحمد أبوالغيط مؤهلٌ بهذه السمات أكثر من غيره للاضطلاع بدور حيوى يعيد للجامعة العربية مكانتها وقدرتها المفقودة منذ عدة عقود.

أنتقل إلى المحطة الثانية للسيد الأمين العام والتى دعتنى للتفاؤل، وهى مؤتمر القمة العربية السابعة والعشرين التى عُقدت نهاية الشهر الماضى بالعاصمة الموريتانية نواكشوط بعد أن اعتذرت المغرب عن استضافتها فى اللحظات الأخيرة لأسباب غيرِ واضحة المعالم. هذه القمة رغم الظروف الصعبة التى أحاطت بها ومن بينها مكان الانعقاد وحالة التشرذم بين الدول الأعضاء والأحداث التى تشهدها أراضيها وغياب الوعى القومى لتلك الأحداث وعدم طرح قضية بعينها لتكون محل بحث واهتمام القمة مما حدا بكثير من المراقبين للحكم بفشلها قبل أن تبدأ، فإننى أرى رغم ذلك أن توصيات القمة وإن كانت فى مجملها بنوداً بعبارات إنشائية فضفاضة لا تسمن ولا تغنى من جوع واعتدنا على إصدارها تجاه كثير من القضايا العربية، فإن هناك بندين فقط يستوجبان الانتباه والتقدير لما لهما من أهمية استراتيجية بالغة ومباشرة لصالح الأمن القومى العربى مع إمكانية تنفيذهما واقعياً، وهما بندان شعرت ببصمة السيد أحمد أبوالغيط فى إدراجهما ضمن توصيات هذه القمة. أما البند الأول فهو ما نص على إيمان القادة العرب بضرورة توثيق أواصر الأخوة انطلاقاً من وحدة الهدف والمصير والتأسيس لعمل عربى لحل الأزمات وتحقيق المصالحة الوطنية العربية بالطرق الودية لنبذ أى ذريعة للتدخل الأجنبى والمساس بالشئون الداخلية العربية. وأما البند الثانى فهو ما نص على تصميم القادة على صيانة وحدتنا الثقافية والتشبث باللغة العربية الفصحى رمز الهوية ووعاء الفكر والثقافة العربية، والعمل على ترقيتها وسن التشريعات الوطنية الكفيلة بحمايتها وصيانة تراثها وتمكينها من استيعاب العلم الحديث.

كان هذان النصان فيما أعتقد أهم ما انتهت إليه تلك القمة العربية، وأهميتهما تكمن فى أنهما ركيزتان أساسيتان للحفاظ على كيان وسلامة وهوية الوطن العربى بكل أقطاره على المدى القريب والبعيد، وهو ما سبق أن تناولناه فى مقالات عديدة، كما أن ظروف وإمكانيات تنفيذهما الآن مهيأةٌ ولكن يلزمها جهود حثيثة واعية ننتظرها من الأمين العام للجامعة العربية، تبدأ بترسيخ وتوحيد ثوابت العقيدة القومية الصحيحة لدى كل القادة العرب، وتعضيد اللغة العربية فى بلادهم والتصدى بقوة وحزم لكل ما قد ينال منها.حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.

■ كاتب