رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قناة السويس .. بعد عـام


اللحظات الفارقة فى عُمر الشعوب، يقف لها التاريخ مسجلاً فى طيات سطوره ـ وبحروف من نور ـ ماأنجزته هذه الشعوب بالدم والعرق، وهذه المرَّة وفى هذه اللحظة الفارقة التى نعيشها، لن يقف التاريخ وحده ليسجِّل، ولكن ستقف معه الجغرافيا أيضًا، لتسجل كيف استطاع المصرى أن يلوى عنق الصحراء...

... ويقوم بتغيير ملامحها التى شابت على مر الأزمان، ليحيل اليابسة إلى إخضرار يمنح النماء لكل من على أرض مصر بإرادته الصلبة التى لا تقهر، وكأنه يثأر لدماء مئة وعشرين ألفًا من أبنائه الذين دُفنوا تحت الرمال فى هجير الصحراء أثناء الحفر ـ بالفأس والمقطف وكسرة القديد ـ فى عهد الخديوية التى قصدت بحفرها خدمة التطلعات الاستعمارية، إلى أن استردتها مصر على يد أبنائها الذين آمنوا بحق ملكيتها كشريان رئيس فى الجسد المصرى، يغذِّى القلب والروح والكرامة، ويفتح الطريق إلى آفاق الحرية لكل من على أرضها المقدسة.

وبالتأكيد.. فإن البون شاسع بين الأمس واليوم، وعلينا أن نقص على الأجيال الجديدة كيف بدأ التفكير فى تغيير ملامح الصحراء لتنبثق فى شرايينها العجفاء جداول الماء والقنوات التى توهب الإخضرار لكل ربوعها، فقد بدأ حلم المصرى منذ دبت الحياة على أرضه. وبإلقاء نظرة مختصرة على تاريخ نشأة هذا الحلم فى عقل المصرى القديم، نجد العديد من المحاولات التى نجح البعض منها ونال البعض إخفاقات الفشل، ولكن ظل الحلم يراود عقل المصرى القديم، وصولاً إلى حفرها من جديد بعد ردمها بأمر أبى جعفر المنصور مع تغير مجراها وتغير اسمها إلى قناة السويس، ثم كانت الإرهاصة للقناة التى نحتفل بتشغيلها، ففى يوليو عام 1956 قام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميمها، والتى تسببت لاحقاً فى إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على مصر وانتهى بانتصار الإرادة المصرية انتصارًا أبهر العالم، وكان هذا الانتصار بداية لانهيار الإمبراطورية البريطانية التى سيطرت على العالم بالاحتلال منذ فجر التاريخ.

ومازلنا بعد مرور عام «6 أغسطس 2015» على هذا الحدث التاريخى الذى تصنعه الإرادة المصرية بسواعد شعبها وجيشها وشعارهم «يدٌ تبنى ويدٌ تحمل السلاح»، لتضيف تفريعة لتحسين الأداء للخدمات البحرية، بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المُرَّة، ليكون فى هذا أبلغ الردعلى المتباكين الذين يحاولون تشويه جدِيِّة هذا المشروع والوقوف كحجرعثرة فى طريق الإنجازات التى تقوم بها القيادة لرفعة وتقدم الشعب المصرى لبلوغ المكانة التى يستحقها، بل دفع الثمن غاليًا فى سبيل نيله الحرية من دماء أبنائه الشرفاء. وإذا كان تاريخ قناة السويس مرتبطًا بأطماع استعمارية أوعز بها المهندس الفرنسى ديليسبس إلى الخديو سعيد، فى عصر كانت فيه مصر لا تملك إرادتها، ليقف على ضفتيها لحظة الافتتاح فى العام 1869 كل السفراء الأجانب وعلى رأسهم الإمبراطورة «أوجينى» ملكة فرنسا التى عبَرت على متن «ليجيل» كأول سفينة تعبر القناة فى الافتتاح، على النقيض نرى اليوم على ضفتيها كل القلوب المتحررة من السيطرة، فلم نلجأ إلى استدانة الأموال للإنفاق على المشروع كما حدث فى العهود القديمة، بل نـُفذ بما استثمره المصريون فى شراء أسهم القناة لتعود الفائدة المرجوَّة لكل مصرى آمن بحق بلاده فى مستقبل زاهر للأجيال القادمة.وقد شهد الرئيس السيسى، صباح السبت الماضى، الاحتفالات بمناسبة مرور عام على افتتاح القناة الجديدة ومتابعة مشروعات تنمية محورها، كما ألقى كلمة بحضور كبار رجالات الدولة، وشمل الاحتفال عرضًا للفيلم الوثائقى الذى أعدته الهيئة عن القناة الجديدة والمشروعات التى تمت فى محيطها خلال العام المنصرم، إلى جانب العروض الفنية وكورال الأطفال وعروض جوية وبحرية بالأسلحة المختلفة، واستمع لشرح مفصل عن المشروعات من مهندسى العمل وآخر المستجدات التى وصلت إليها معدلات التنفيذ، وقد كانت المفاجأة هى اشتراك عدد من القطع البحرية أهمها حاملة الطائرات جمال عبدالناصر طراز «ميسترال» والفرقاطة تحيا مصر من طراز «فريم» واللانش «إمباسادور».