رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"إنذار خطر".. عملاء الموساد الإسرائيلي يتوغلون فى الدول العربية لرصد توجهات الشباب لأهداف أمنية واستخباراتية.. ننشر محاور مخطط تل أبيب لتجنيد العقول العربية بأفكار صهيونية

جريدة الدستور

قبل حرب يونيو 1967، كشف وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك، موشيه ديّان، عن تفاصيل الضربة الجوية، التى من شأنها شل الدفاع الجوى المصرى، وحين وقعت الحرب تحقق ما قاله الرجل، الذى لم يكن مضطرًا لإخفاء تلك التفاصيل، لسبب بسيط من وجهة نظره وهو أن "العرب لا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يطبقون"، حسبما أورد الكاتب الهندى كارانجيا في كتابه الخطير بعنوان "خنجر إسرائيل".

اختراق العقلية العربية
لكن إسرائيل الآن لجأت إلى سلاح جديد للحرب، إذ سخّرت آلة إعلامية ضخمة، موجهة باللغة العربية، لاختراق العقلية العربية، وفق مخطط أعدّه خبراء إعلام صهاينة، حين صاغوا وثيقة حول أولويات الإعلام الإسرائيلي عام 2003، تتضمن الخطوط العريضة للمدافعين عن إسرائيل، والمتحدثين باسمها حول كيفية استغلال آخر المستجدات على الساحة الدولية.

وتعود المحاولات الأولى للاختراق إلى قيام الكيان الصهيوني وتأسيس الخدمة العربية في "راديو إسرائيل" حين عمدت المخابرات الإسرائيلية إلى توجيه برامج خاصة للعالم العربي، شارك في إعدادها وتقديمها عملاء للمخابرات الصهيونية من العرب يتكلمون اللهجات العربية المختلفة.

خطورة هذا المخطط تتجلّى فيما قاله مورجان فريمان، العالم المتخصص في علم الأعصاب الذي يقول "إن العقول البشرية أصبحت تشبه كثيرا أجهزة الكمبيوتر، حيث يمكن قرصنتها وأخذ أي معلومة منها، أو تزويدها بأفكار أخرى"، ومن ثم بدأ الاحتلال ينفذ مخططه المعتمد على مخاطبة الشعوب العربية بلغتهم، عبر عدة محاور أبرزها ترجمة الأدب العربي.

إجادة اللغة العربية
"إجادة العربية جزء لا مفر منه لمعرفة المنطقة" ، هذا ما قاله رئيس قسم الأدب واللغة العربية في كلية "بيت بيرل"، البروفيسور "عامي إلعاد بوسقيلة"، الذي اعتبر تعلّم العربية سببًا رئيسًا لإقدام الإسرائيليين على الترجمة من العربية، ويقول إنطوان شحلت، مدير وحدة "المشهد الإسرائيلي" في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، إن العناية بالترجمة من العربية إلى العبرية، تأتى من "البعد الاستشراقي"، أى من باب معرفة الآخر، لكن أغلب الروايات التي تترجمها إسرائيل هدفها خدمة غايات أمنية واستخباراتية.

ترجمة الأدب العربي
فى مقدمة الأعمال التى سعى الاحتلال لترجمتها هي أعمال الروائي العالمي المصري "نجيب محفوظ" الذي جسد المجتمع المصري بتفاصيله الدقيقة، بصورة لم يسبق لها مثيل، لذلك هرعت دولة الاحتلال لترجمة أعماله الأدبية على قدم وساق وكان في مقدمتها ترجمة رواية "أولاد حارتنا" التي حاز بها على جائزة نوبل ثم ترجمت "زقاق المدق"، التى صدرت في الفترة التي حكم فيها الرئيس "جمال عبد الناصر" مصر، وبعدها ترجمت "اللص والكلاب"، "حب تحت المطر"، "الشحاذ"، "بين القصرين"، "ثرثرة على النيل"، "ميرامار"، "قصر الشوق"، "السكرية".

ولم تتوقف الترجمة عند نجيب محفوظ، فترجمت إسرائيل روية "عزازيل" للكاتب والباحث والمفكر المصري المتخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه يوسف زيدان عام 2009، كما ترجمت عدد كبير من مؤلفات الداعية الإسلامي "يوسف القرضاوي"، إضافة إلى ترجمت روايات إحسان عبدالقدوس، ورواية "عمارة يعقوبيان"، للكاتب علاء الأسواني، كونها توثق عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وتكشف الفساد المستشري فى عهده، كما انها كشفت سيطرة الحزب الوطنى الحاكم في ذلك الوقت على كل شيء في مصر.

ولم تتوقف إسرائيل على ترجمة الروايات المصرية فقط فقد تمت ترجمة عدد من الراويات العربية، ومنها رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" و"عرس الزين" للروائي السوداني الطيب صالح، و"الأرواح المتمردة" للكاتب اللبناني جبران خليل جبران، و"حكاية زهرة" للكاتبة اللبنانية حنان الشيخ، و"باب الشمس"، للقاص اللبناني الكبير إلياس خورى، و"نمر من ورق"، للكاتب السوري زكريا تامر.

واهتمت تل أبيب أيضا بترجمة مؤلفات السياسي الفلسطيني "عزمي بشارة"، إضافة إلى ترجمة أعمال الشاعر الفلسطيني "محمود درويش"، و"طه محمد علي" التى لاقت إقبالًا كبيرًا من الجانب الإسرائيلي.

الأمثال الشعبية
الأمر لم يقتصر على الترجمة من الأدب، بل امتد ليشمل الأمثال العربية، حيث قام الكاتب الإسرائيلي شوكي شابير، بجمع أمثال وحكم عربية على مدار سنوات، وضمها في كتاب واحد تحت عنوان "الأمثال مصابيح الأقوال"، يشتمل على أكثر من ألف مثل وحكمة تم عرضها بصيغتها الأصلية العربية، بأحرف عبرية، مع ترجمة حرفية، بالإضافة إلى المعنى، وأحيانا حتى مع خلفية مثيرة تشرح المثل.

ليس هذا أول كتاب يقوم بجمع الأمثال والحكم من اللغة العربية، فقد سبقه إلى ذلك العديد من الكتب منها، كتاب موسى بن حاييم "ألف مثل ومثل"، وكتاب رحاميم رجوان "حكمة العرب – 1001 مثل"، أقوال وأمثال عربية".

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل خصصت صحيفة يديعوت أحرونوت بوابة عن حلول عيد الفطر وانتهاء شهر رمضان المبارك تحت عنوان "انتهى رمضان ليبدأ العيد"، وتوفر الصحيفة شرحا عن اهم عيدين في الإسلام هما عيد الاضحى وعيد الفطر مع ميزات كل عيد.

صفحات إسرائيلية بالعربية
لم تغفل إسرائيل أهمية وتأثير السوشيال الميديا، حيث أصدرت العديد من الصفحات بالعربية على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، "تويتر"، بهدف تجنيد الفكر العربي وتشبيعه بأفكار صهيونية مناقضة للواقع، منها "إسرائيل فى مصر" و"الاقتصاد الإسرائيلي بالمصري" و"إسرائيل فى الأردن"، و"إسرائيل تتكلم العربية"، وصفحة المتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال بالعربية "أفيخاى أدرعى"، وصفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي للإعلام العربي "أوفير جندلمان".

بل أنشئت صفحة جديدة ولكن باللغة الإنجليزية وهى صفحة "Muslims of Israel" المسلمين في إسرائيل، إضافة إلى صفحة "بنيامين نتنياهو"، وصفحة "إسرائيل بدون رقابة"، وصفحة "إسرائيل من الداخل"، وصفحة "سفارة إسرائيل فى مصر"، ومنها ما تجاوز متابعوها المليون عربي بمراحلهم العمرية المختلفة.

تهدف الرسائل التي تحملها هذه الصفحات، لعشرات الآلاف من الشباب العرب الذين يتابعونه إلى تحسين صورة إسرائيل بشكل كبير، وإظهار الوجه الآخر للساسة الإسرائيليين، فيبدون في صورة إنسانية، فتنشر صورة على سبيل المثال لـ"أفيخاي أدرعي" وهو يهنئ المسلمين بالعيد، إضافة إلى أنه يبث يوميًا آيات من القرآن الكريم ليربطها بعمليات الطعن التى تحدث فى إسرائيل، دون إشارة إلى أنهم الشعب المعتدى، ومن خلال هذه الصفحات تجند عملاء لها فى الدول العربية، لرصد توجهات الشباب فى المنطقة ومحاولة تحليل أفكارهم، ورسم صورة مغايرة عن إسرائيل بمرور الوقت لتظهر في صورة الدولة المهضوم حقها.

المواقع الإخبارية
هذا إضافة إلى المواقع الإخبارية التي تبثها إسرائيل بالعربية كموقع "المصدر" المتخصص فى الشأن الإسرائيلي وموقع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" باللغة العربية وموقع قناة "I24" الإخبارية التي تبث بالعربية أيضا للتواصل مع العرب والمصريين بلغتهم وثقافتهم، فإسرائيل لا تتوانى فى جذب الشباب العربي بشتى الطرق لترسيخ مفهوم أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط وأنها لا تمانع التحاور والنقاش مع أبناء دول الجوار المحيطة بها.

أذرع إعلامية
هناك أذرع إعلامية صهيونية تساهم فيها الأجهزة الأمنية ووزارة الخارجية الإسرائيلية، تستهدف أدمغة العرب تتويًجا لمخطط "الاختراق" الذي حققه الكيان الصهيوني للإعلام العربي والذي برز في السنوات الأخيرة في الفضائيات العربية٬ فضلا عن استحداث مكتب في وزارة الخارجية الصهيونية لشؤون الإعلام العربي يتولى العلاقات مع وسائل الإعلام العربية وترويج المواقف الصهيونية عبرها إلى العالم العربي.