رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمن المائى المصـرى والعـربى..قراءة تحليلية لزيارة نتنياهو الأفريقية «1»


يشير الواقع أيضا إلى أهـميـة القارة الإفريقية فى المعادلتين الدولية والإقليمية، إذ تُعـتبـر ثانى أكبـر قارات العالم، حيث تأتى تاليـة لآسيا من حيث المساحة وعدد السكان، فتبلغ مساحتها 3002 مليون كم2 تُشكل 2004% من مساحة يابسة الأرض، بينما يـقـدر حجم سكانها بحوالى مليار نسمة وفقا لتقـديـرات 2009، يشكلون 15% من إجمالى سكان العالم.

قام نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بزيارة لـ 7 دول أفـريـقـيـة منها 6 دول من حـوض النيـل «إثيوبيا ـ أوغـنـدا ـ تنزانيـا ـ كينيـا ـ روانـدا ـ جنـوب السودان»، والدولة السابعة من خارجه «زامبيا»، يرافقه أكثر من 80 مستثمراً إسرائيلياً، وقـد فرضت هذه الزيارة نفسها على الساحتين الإقـليمية والعـربية كأكثـر المتغـيرات أهمية، ذلك أن أهدافها ونتائجها المتوقعة قـد تؤثر تأثيراً بالغا على المعادلتين الإقليمية والعـربيـة، إذ وصفها نتنياهـو بانها الأهم والأعلى والأغلى بالنسبة لإسرائيل، حيث وصفهـا بأنها أعادت إسرائيل إلى أفريقيا، وأعادت أفريقيا إلى إسرائيل، ولكى يكون لدينا نقطة إنطلاق سليمة لتحليل موضوع الأمن المائى المصرى والعربى الذى يتسم بأهميته البالغة بعـد هذه الزيارة، فقد رأيت أنه من المناسب توضيح الوضع المائى العربى والمصرى أولا، وما تُمثله أفريقيا من أهمية لإسرائيل والقوى الأخرى ثانيا. إذ يُشيـر الواقع إلى أن أهمية المنطقة العـربية الجيوستراتيجية وكتـلـتها الحـيـويـة «المساحة والسكان» ما زالا يُؤثـران تأثيـراً كبيراً فى المعادلة الدولية، ويلعـبـان دوراً متعاظماً فى استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية، إذ يُشكل سكان المنطقة العـربية خامس تجمع سكانى فى العالم «حوالى 400 مليون نسمة»، بينما تُشكل مساحة المنطقة حوالى 9 % من يابسة العالم «حوالى 15 مليون كم2»، وبالرغـم من ذلك فإن مواردها المائية المـتـجـددة تـشـكل أقـل من 0,1 % من موارد العالـم، ذلك أن أكثـر من 90 % من هذه المـساحـة تـقـع إمـا فى منـاطـق قاحلـة جافـــة «صحراوية غالباً» أو مناطق شبـه جافـة، الأمر الذى يجعـل معـدل نصيب الإنسان العربى تحت خط الفقر المائى من موارد الميـاه المتجـددة، وهـو ما يُـشيـر أن إلى العالم العربى يتجه نحو حافـة أزمـة واقعـة لا محالة «محدودية الموارد المائيـة ـ الفـقـر المائى» ولذلك يُعـتـبـر الأمن المائى هـو التحدى الأعـظم أمام دول العالـم العـربى، حتى تلك الدول التى تجـرى فى أراضيها الأنهار الفيضيـة، ذلك أن مياه هـذه الأنهار تأتى جميعـها من خارج المنطقة العـربية، مع الوضع فى الاعـتبار تعاظم حـدة هذه الأزمة مع المتغـيـرات المناخية القادمة وتعاظم معدلات الزيادة السكانية غير المسيطر عـليها، فـإذا ما عـلمنا أن دول منابع هـذه الموارد لها مطالب لإحداث التنمية الشاملة بإنشاء العـديـد من المشروعات المائية، لأدركنا عـلى الفـور مدى الإنكشاف الأمنى الناتج من الـوضع الـمائى العـربى والمصرى الناتج من تأثـر الإيرادات المائية السنويـة بالسلب.

كما يُشيـر الواقع أيضا إلى أهـميـة القارة الإفريقية فى المعادلتين الدولية والإقليمية، إذ تُعـتبـر ثانى أكبـر قارات العالم، حيث تأتى تاليـة لآسيا من حيث المساحة وعدد السكان، فتبلغ مساحتها 30,2 مليون كم2 تُشكل 20,4 % من مساحة يابسة الأرض، بينما يُـقـدر حجم سكانها بحوالى مليار نسمة وفقا لتقـديـرات 2009، يشكلون 15% من إجمالى سكان العالم، كما يبلغ عـدد دولها 54 دولة يمثلون ربع مقاعـد الجمعية العامة للأمم المتحدة، قامت الدول الاستعماريـة باحتلالها جميعا فى أواخر القرن التاسع عـشـر إلى ما بعـد الحرب العالمية الثانية عـدا دولتيـن هما «ليـبـيـريــا والحـبـشـة «إثيوبيا حاليا»، حيث حصلت هذه الدول تدريجيًا على إستقلالها، وقـد تعـمـدت الدول الإستعماريـة ترك الدول الأفريقية على حالها دون إحداث التنمية البشريـة الضرورية للتقدم، فانتشر الجهل وعمت الأمية وانتشرت الأمراض، حتى أن الدول الخمس والعشرين التى تحتل المرتبة من الواحد وخمسين بعـد المائة حتى المرتبة الخامسة والسبعـيـن بعـد المائـة عـن السنوات العشر الأخيرة فى تقريـر التنمية البشرية لمنظمة الأمم المتحدة جميعها دول أفريقية، وقد تركت الدول الاستعمارية الدول الأفريقية بهذا الحال حتى تزيد حاجتها للدول الاستعمارية مستقبلا إما لاستعباد أهلها أو استنزاف ثرواتها، فإذ ما علمنا مدى غنى أفريقيا فى مجال المعادن الإستراتيجية فقط على سبيل المثال خاصة الكوبـالت، والبلاتـينيـوم، والنـيـكل كـروم، والمنجنيـز وجميعها معادن ضرورية لإدارة قاعـدة التصنيع الحربى والمدنى، لأدركنا على الفور مدى الحاجة الاستراتيجية الملحة للدول الاستعمارية للقارة السمراء، إذ يمكن ملاحظة أن الكونغو وحدها تنتج 56% وزامبيا 16% من الإنتاج العالمى من هذه المعادن، كما تُعـتبر زامبيا أكبر دولة منتجة للنحاس فى العالم.

بينما تعـتبر بوتسوانا أكبر دولة فى العالم منتجة لخام الماس، وتأتى أنجولا كثانى أكبر دولة منتجة للبترول فى أفريقيا، وأن الإحتياطى البترولى المؤكد فى القارة الأفريقية أكثـر من 80 مليار برميل حسب تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكيتاد» فلو عـلمنا أيضا أن الهطول المطرى على المساحة الضخمة للقارة الأفريقية وأنهارها الفيضية الكثيرة والممتدة فى جنوبها، تسمح بسد الفجوة الغذائية فى العالم بأسره بل وتفيض إلى حد تحقيق الرفاهية الغذائية للبشرية، لأدركنا على الفور لماذا هذا التزاحم الأجنبى على القارة السمراء، وعودة الاستعمار إلى دولها فى ثوب جديـد، وأدركنا أيضا أن أزمة انكشاف الأمن المائى العـربى والمصرى إنما هى أزمة مفتعلة.

وقـد بدأت هذه ما الأزمة المفتعلة لتهديـد الأمن المائى العـربى والمصرى بعـد الحرب العالمية الثانية، وإزدادت حدتها مع تأجج الصراع العـربى الإسرائيلى، خاصة بعـد قيام إسرائيل باحتـلال بعـض الأراضى العـربية، فقامت بتحويل مجارى بعـض الأنهار إلى أراضيها، هنالك أعـلنت تركيا عـن مشروعاتها المائية التى تمثـلت فى مشروعاتها المائية وإقامة السدود على هـضبـة الأناضول «منبع نهـر الفرات»، وقـد أثـرت هذه المشروعات تأثيـرا مباشرا على الإيراد السنوى من مياه النهر لكل من سوريا والعراق حيث فـقـدت الأولى 32 %، بينما فـقـدت الثانية 37 % من إيرادهما السنوى، ثم كشفت تركيا عن نواياها الحقيقية عـندما أعـلنت عن استعـدادها لمد خط أنابيب السلام لنقل المياه من تركيا إلى كل من السعـوديـة والإمارات، ليصل إلى الكويت عـبـر العراق لينتهى فى الشارقة بطول 240 كم، وخط آخر إلى إسرائيل، وبيع المياه لهذه الدول بسعـر يصل إلى ثلث تكلفة تحلية مياه البحـر.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد