رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

همسة عتاب لفضيلة البابا تاوضروس


مُنذ أن شرُفتُ بالكتابة الصحفية المنتظمة منذ نحو ست سنوات، تحاشيت تماماً الكتابة فى موضوعاتٍ دينيةٍ لأن الرأى فيها على أى وجهٍ سيُعدُ من قبيل الفتوى وهى التى يجب أن تُترك لمن يستطيع تحمل عبئها فى الدنيا والآخرة. كما تحاشيتُ كثيراً التعقيب على مواقف أىٍ من رجال الدين خشيةَ أن يثير ذلك - دون قصدٍ منا - حفيظة القارئ البسيط ولكن استثناءً مما تقدم وفى إطار اهتمامى بقضايا الوطن، فقد تناولت فى كتاباتٍ سابقةٍ مواقفَ معينةً لبعض رجال الدين ورموزه لما كان لتلك المواقف من ارتباطٍ مباشر بالمشهد السياسى وظروف ومتطلبات المرحلة التاريخية الفارقة التى يجتازها الوطن، وكانت مقالاتى فى هذا الصدد إما بالرأى والتعقيب على مواقف بادروا بها بالفعل أو لحثهم على ما رأيته مطلوباً منهم لصالح الوطن وبناء مستقبله، وكان ضمن من خاطبتهم بتلك المقالات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبعض رموز جماعة الإخوان المتأسلمين. واليوم أجد لزاماً على نفسى أن أتوجه بالحديث إلى فضيلة البابا تاوضروس، الثانى بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذى نكن له ولمقامه الرفيع كلَ الأحترام والتقدير، وهو حديثٌ يحمل عتابَ المحبين الذين لا يتصورون ولا يرضون بأى خطاٍ أو زللٍ من أحبائهم، خاصةً إذا كانوا ممن أنعم الله عليهم بالحس المرهف والعقل الراجح والفكر المستنير. من هذا المنطلق فقد اندهشت وفزعت فى ذات الوقت مما طالعتنا به الصحف من تصريحاتٍ للبابا خلال استقباله اللجنة الدينية البرلمانية يوم 25/7/2016 حيث قال إنه لن يستطيع السيطرة على غضب الأقباط كثيراً، وأنه تم رصد 37 حادث اعتداء طائفى فى المنيا منذ عام 2013، وأن الكنيسة تسيطر حتى الآن على غضب الأقباط فى الداخل والخارج ولكنها لن تصمد كثيراً أمام هذا الغضب، وأنه أصدر أمراً لأقباط المهجر فى الولايات المتحدة الأمريكية بالتراجع عن التظاهر ضد هذه الأحداث!

كان هذا أهم ما استوقفنى فى الحديث المنشور، وفى الحقيقة أننى أشعرُ بالآلام التى تعتصر الرجل بل وتعتصر كل مصرى على الضحايا الذين سقطوا جراء الأحداث الإجرامية التى شهدتها المنيا مؤخراً، كما أتفهم الدوافع الحسنة لهذا القول، فهو يتحدث إلى لجنةٍ برلمانيةٍ ويحفزها لسرعة إصدار بعض القوانين التى يراها مطلوبةً للحفاظ على مصالح الأقباط وحقوقهم، ولكن ما يثير القلق هو المردود المحتمل لدى بسطاء الفهم من الأقباط والمسلمين على حدٍ سواء، فالأقباط يمكن أن يتولّد لديهم الاعتقاد بتقاعس الدولة عن مواجهة مثل تلك الجرائم أو عدم جدوى ما تتخذه من إجراءات، ومن ثَمَّ اعتبار تصريحات البابا بمثابة إجازةٍ لهم للتعبير عن غضبهم بطرقٍ أخرى قد تكون خارج نطاق الشرعية والقانون. وأما المسلمون فيمكن أن يتولّد لديهم الاعتقادُ بأن التصريحات بمثابة التهديد بالعنف وأنها تنتقص من هيبة الدولة وتشكك فى مصداقيتها، وأظن أن هذا الاعتقاد أو ذاك يمكن - لا قدّر الله - أن ينال من أمن الوطن ووحدته واستقراره، وهو ما يستوجب تصحيحاً عاجلاً من الكنيسة واحتواءً موضوعياً من الدولة.

وتحضرنى فى هذا السياق واقعتان، الأولى كانت فى خطابٍ للرئيس المعزول محمد مرسى يوم الأحد 24/3/2013، حيث عرض لأحداث التظاهر التى جرت وقتئذٍ أمام مقر جماعة الإخوان بالمقطم، وأورد فى خطابه عبارة «ماذا يمكن أن يحدث لو تسلّح الآخرون؟» ولقد تناولت هذه العبارة بالنقد الشديد فى مقالٍ نُشر فى حينها بمجلة الرأى الآخر تحت عنوان سيادة الرئيس لحظة من فضلك، وللأسف الشديد لم يعرالرئيس المعزول اهتماماً لما ذكرناه فى المقال من مخاوف ونصائح، فكان ما جرى بعد ذلك من أحداثٍ مأسوية. وأما الواقعة الثانية فكان بطلها البابا شنوده الثالث رحمه الله، الذى لا يختلف اثنان على وطنيته الجارفة وحكمته البالغة، فقد عانى محنةً قاسيةً حينما أقدم السادات على عزله من منصبه البابوى على خلفيةٍ سياسيةٍ لم يحسم التاريخ تقييمها حتىالآن، وقد آثر الرجل الصمتَ والصبرَ الجميل حتى استطاع بوطنيته وحكمته تجاوز الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها دون أى تداعيات.. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.