رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى مجلس النواب..من يتصدى منكم لملف الآثار؟


بالصدفة البحتة وقعت عينى على تحقيق فى جريدة يومية منذ أيام يؤكد أن مئات الآلاف من القطع الأثرية التى تم اُكتشاِفها توضع الآن فى عشرات المخازن المتحفية وأخرى خاصة بالبعثات..بالإضافة إلى مخازن فرعية منتشرة فى جميع المحافظات..والسؤال هنا: هل هذه المخازن مؤمنة بالفعل؟!..هل يُقدرِها مسئولو الآثار ويصونونها من النهب والاعتداء والتهريب إلى الخارج؟!..هل تم توثيقها بالوسائل الحديثة، أم بالطرق البدائية؟!..هل يتم جرد تلك المخازن دوريًا؟! تشير المعلومات إلى أن 65‏ ألف قطعة أثرية توضع الآن داخل صناديق لم يتم فتحها منذ ‏70‏ عامًا!!..حيث لا يوجد حصر عام لعدد القطع الأثرية الموجودة فى بدروم المتحف المصرى..نضف إلى ذلك عجز المسئولين عن تسجيل ما به من آثار طوال العقود الثلاثة الماضية..ورغم أهمية تلك الكنوز التى لا تقدر بثمن.. فإن إضاءة القبو عبارة عن مصابيح عارية.. وأسلاك كهربائيةمتهالكة، مع ازدحامه بمئات الصناديق الخشبية المكدسة بعضها فوق بعض لتصل إلى السقف، كما تغطى بيوت العنكبوت الفخار الأثرى واللوحات الأثرية - بحسب ما ذكره التحقيق-على لسان مصدر وطنى محترم من داخل وزارة الآثار نظراً لمنع أو اقتراب الصحافة من هذه المحرمات!!.

أما مخزن 91 و92 فهما أكبر مخازن المتحف الكبير، بينهما باب، يفتح هذا الباب بغرفة التحكم، ويحتوى مخزن 92 على الحلى والمجوهرات وقطع ذهبية كثيرة، بجانب التمائم والفخار والزجاج والأوشابتى، وفى المخزنين أكثر من 12 ألف قطعة..وتعتبر المخازن الفرعية أول مخازن تم إنشاؤها للآثار.. وهى من الطوب اللبِن، ومقابر يتم وضع الآثار فيها، فهناك أكثر من 200 مخزن فرعى فى أنحاء مصر، وتحتوى تلك المخازن على أثمن الكنوز وأندرها.. مع العلم أنه لم يتم جردها منذ عشرات السنين.

وتتميز مخازن منظقة «سقارة» بأهمية خاصة..نظراً لاحتوائها على 68 مخزنًا فرعيًا، وعندما تم إنشاء المخازن المتحفية نُقِلَت محتويات 45 مخزنًا إلى المخازن المتحفية، ولا تزال بقية المخازن الفرعية بلا تأمين حقيقى.. وهناك مخزن «تل الضبعة» و«قنتير»، وهما من أكثر المخازن المهمة فى الشرقية، وقد أدى إهمال وعدم تأمين تلك المخازن وقلة الحراسة عليها إلى سرقتها بطريقة غامضة، وفى عام 2011 صدر قرار بنقل جميع محتويات المخازن الفرعية إلى المخازن الرئيسية، ومنها مخازن تل الضبعة وقنتير، ولكن لم يُنفذ القرار، مثل بقية المخازن.

فيما نجد المخازن المتحفية عبارة عن كتلة خرسانية مزودة بأحدث أجهزة الرصد الإنذار والإطفاء والمراقبة.. تم إنشاؤها من أجل نقل الآثار الموجودة فى المخازن الفرعية إليها لتكون تلك الآثار أكثر أمنًا وأمانًا.. وهذا لم يحدث بالطبع.. فالواقع يؤكد أنه تم نقل ما بين 200 أو 300 ألف قطعة أثرية..أما الباقى فظل فى المخازن الفرعية لأساب لا يعلمها سوى معلمى وشيوخ وصبيان الوزارة.. والغريب أن معظم أجهزة مراقبة هذه المخازن معطلة!!..وليس هذا فحسب..بل لا توجد أى متابعة ولا صيانة..وبرغم صعوبة اقتحام هذه المبانى الخرسانية أو كسر أبوابه الحديدية.. إلا أن هناك سرقات حدثت فى تلك المخازن كما ذكرت مصادرنا.. ناهيك عزيزى القارئ عن أن المخازن المتحفية التى يصل عددها إلى حوالى 35 مخزنًا على الدولة..لم تسلم هى الأخرى من السرقة رغم تزويدها بأجهزة إنذار متطورة.. لكن من الواضح أنه تم تعطيلها جميعا لغرض فى نفس لصوص الحضارة أولاد.......«ستين فى سبعين».

ما سبق جعلنى استشهد بما قالته الدكتورة دوريس أبو سيف-أستاذ التاريخ بجامعات إنجلترا-عندما تحدثت عن سرقة آثارنا وتهريبها وعرضها فى متاحف فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا .. وتأكيدها على أن المتاحف الشهيرة فى العالم مكتظة بالآثار المصرية.. بداية من العصور الفرعونية.. مروراً بالرومانية والقبطية.. وختاماً بالعصور الإسلامية وما بعدها..وشددت على أن سـرقة الآثار المصـرية جريمة لا تغتفر وتصل إلى حد الخـيانة العظـمى ..كما تحسرت عند مشاهدتها لعرض إحدى النسخ القرآنية القديمة فى جامعة برمنجهام البريطانية..وتساءلت ونحن معها: كيف سُرق هذا الأثر العظيم من مصر ومن الذى أخرجه ؟!.. مؤكدة أن هناك مافيا عالمية لها أذرع فى الداخل يسرقون من بلادنا كنوزاً أثرية وتاريخية بعينها.. وهذا الكلام لا يخرج بأى حال عما سمى إعلامياً منذ فترة بـ«قضية الآثار الكبرى» الذى باشر التحقيق فيها النائب العام السابق المستشار هشام بركات -رحمه الله-وكان قد أصدر توجيهاته بوقف النشر لتورط شخصيات قيل إنها «مهمة» فيها حفاظًا على سير التحقيقات.

واتهمت هذه السيدة الوطنية مسئولى آثارنا بعدم الكفاءة والتواطؤ فى واقعة سرقة عدد من المشكاوات التى تم تهُريبها بمعرفة مافيا الآثار.. لافتة إلى أن هؤلاء المسئولين أنكروا الواقعة فى البداية ثم اعترفوا بها بعد ذلك.. وبدورى أضم صوتى لصوتها لنؤكد وجود تقصير متعمد من أجهزتنا المختصة فى الإبلاغ عن الآثار المصرية التى يتم سرقتها وعرضها للبيع فى أى مكان بالعالم ..لأنه لو تمت عملية الإبلاغ عن الأثر المفقود أو المسروق للهيئات العالمية المعنية بالأمر لامتنعت العديد من المتاحف والصالات والمزادات عن الاتجار فى تلك الآثار خشية وقوعها تحت طائلة القانون..لكن من الواضح –الواضح جداً- أن الأمور فى وزارة الآثار تسير بــ «البركة» .

ولم لا وقانون الآثار الأخير لا يسمح لأى جهة من الجهات الرقابية الست بأن تجرد الآثار لتتعرف على المفقود والمسروق والمزور والمُسجل وغير المُسجل منها ؟!..لكن من يطلع على المادة «49» من دستور 2013.. الباب الثالث تحت عنوان «المقومات الثقافية» فسيجد أنها تنص على: «تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وترميم واسترداد ما استولى عليها.. كما يحظر إهداء أو مبادلة أى شىء منها.. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم».. لكن قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 بتعديلاته الأخيرة-كما ذكرنا-نص على أن «يكون المجلس الأعلى للآثار «وزارة الآثار» حالياً المنوطة بحماية وصيانة الآثار المصرية دون غيرها من أجهزة الدولة الرقابية أو غير الرقابية»!!.

مصادر مؤكدة فى «الآثار» أوضحت أنه «منذ عام 1961 وحتى وقتنا الحالى لم تقم لجنة جرد حقيقية بالكشف عن جرائم السطو والتزييف والإهمال التى شهدها تراثنا الأثرى.. مؤكدة أن «اللجان الهلامية التى كُلفت بعمليات جرد هنا أو هناك ما هى إلا لذر الرماد فى العيون وليس لديها سوى جملة واحدة فقط وهى «لم يُستدل على القطع الأثرية المُبلغ عن ضياعها أو سرقتها أو تزييفها».. وهذا يعنى «تمييع» أى قضية فى الآثار أمام جهات التحقيق..وهنا نطرح السؤال التالى: هل تستطيع الدولة أن تسند مهمة الجرد – بحسب الدستور – إلى جهة رقابية محايدة مكونة من خبراء وأساتذة جامعة متخصصين ومشهود لهم بالنزاهة وطهارة اليد للكشف عن كنوز مصر الأثرية فى المخازن والمتاحف والتلال والمناطق والمعارض الخارجية.. ثم عرض هذه النتائج على صاحب القرار والبرلمان والرأى العام؟!.