رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجامعة العربية.. والتحرك الواجب المنتظر


فى الأسبوع الماضى وبعد عملٍ متواصل لمدة سبع سنوات، أعلنت لجنة التحقيق البريطانية برئاسة تشيلكوت عن تقريرها المكون من 2٫6 مليون كلمة وبلغت تكلفة إنجازه عشرة ملايين جنيه استرلينى، والذى انتهى إلى تورط الحكومة البريطانية فى الحرب الغاشمة على العراق سنة 2003 دون سندٍ مشروع ودون أى تهديدٍ للمصالح البريطانية ودونما خطرٍ كان للنظام العراقى علىالمجتمع الدولى هذا التقرير الخطير ورغم كونه نتاج عمل لجنة تحقيق محلية فلا يرتب بذاته أى عقوبات دولية على تلك الدولة المعتدية، وليست له آثارٌ قانونية مباشرة ضد متخذى قرار الغزو على العراق، إلا أنه وضع رئيس الحكومة البريطانية آنذاك تونى بلير كمجرم حرب فى دائرة الاتهام بانتهاك السيادة الوطنية لدولةٍ مستقلةٍ وقتل أبنائها دون وجه حق وتدمير بنيتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، بل وبخيانة دولته وتضليل شعبه انصياعاً للهيمنة والقرصنة الأمريكية، وهو ما يمكن أن يرتب آثاراً سياسيةً متباينة داخل المملكة المتحدة ولكن الأهم أنه يمكن اعتباره وثيقةً ذاتَ حجيةٍ دامغةٍ على تآمر الغرب ضد أمتنا العربية، فإذا ما تم تعضيده بالوثائق والمعلومات التى نُشرت وأُذيعت عن المؤامرة الكبرى التى اُطلق عليها ثورات الربيع العربى، فذلك يمكن أن يتيح لأمة العرب وسيلةً عمليةً للقصاص ممن تكالب عليها، وطريقاً ميسراً لاسترداد حقوقها المسلوبة، وسلاحاً قوياً لإجهاض المخطط الآثم الذى يستهدف أمنها وكيانها ومستقبلها.

فى هذا السياق كان لى مقالٌ نُشر فى 23/8/2015 بعنوان « الدور الوطنى المنتظر للمحامين العرب « وذكرنا فيه أن الولايات المتحدة الامريكية اسم أصبح يثير فى نفوسنا كل مشاعر البغض والعداء، فهى الدولة التى لم تترك فى الذاكرة العربية إلا صفحاتٍ حالكة السواد نتيجة مواقفها العنصرية وأفعالها العدوانية ضد الأمة العربية والإسلامية وإن استترت فى بعض الأحيان بشعاراتٍ زائفة ودعاوى باطلة، ورغم محاولات بعض أنظمة الحكم العميلة عبر عقودٍ سابقة تزييف الحقائق لاستمالة شعوبها لهذه الدولة الاستعمارية الباغية التى لا يُرادف اسمها إلا الشيطان الأحدب، فإن تلك الدولة العظمى ظلت على عدائها ليس من منطلق نوازعها الاستعمارية فحسب، وإنما من منطلق قناعاتٍ عقائديةٍ خاطئة ونوازع عنصرية قميئة.

وبالتالى فإنها وبكيانها الصهيونى المزروع فى قلب المنطقة العربية، ستظل هى العدو الحقيقى لأمتنا العربية إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً، وهذه هى الحقيقة المرة التى يجب ألا تغيب عن الذهن العربى وعن استراتيجية أنظمة الحكم العربية. ومن الغريب والمثير للشفقة والسخرية أيضاً أن الشعب الأمريكى يكاد يكون مغيباً عن السياسة الخارجية التى تنتهجها الإدارة الأمريكية والبلطجة العدوانية التى تمارسها فى كل ربوع العالم، فأصبح ذلك لا يعنيه طالما أنَّه يأكل ويشرب ويستمتع برغد الحياة ومفاتنها، ولذلك كان حديثى فى مقالاتٍ سابقة عن ضرورة اختراق المجتمع الأمريكى بشكلٍ علمى ممنهج وبآلياتٍ قويةٍ مناسبة، وذلك لاستنهاض الوعى القومى لدى الشعب الأمريكى وخلق الصورة الذهنية الصحيحة لديه عن توجهات وممارسات إدارات حكمه المتعاقبة، ليصير قوةً حقيقية فاعلةً فى تصحيح تلك التوجهات والممارسات التى تنتهجها دولته. وإذا كان واجباً على أنظمة الحكم العربية الاضطلاع بهذا الدور بعد أن توحد رؤيتها عليه وتُسهم فيه بكل إمكانياتها المادية والإعلامية والمخابراتية ومؤسساتها الثقافية، فإننى اليوم أناشد الجامعة العربية بعد تقاعس اتحاد المحامين العرب أن تبادر بإعداد وإقامة دعوى قضائية دولية ضد رباعى الشر بوش الأب وبوش الابن وأوباما وتونى بلير، لمحاكمتهم كمجرمى حرب عما حدث فى أفغانستان والعراق والسودان وليبيا وتونس ومصر وسوريا ولبنان واليمن، نتيجة مخططهم الآثم وتدخلهم العسكرى المباشر أو باستخدام الجماعات الإرهابية العميلة، فضلاً عما ارتكبوه من جرائم القتل والتعذيب بداخل معتقلاتهم مثل سجن أبو غريب ومعتقل غوانتنامو وكلها أحداث ووقائع موثقة. إن هذه المحاكمة قد تنتهى بإدانة هؤلاء المجرمين وذلك قصاصٌ واجب، ولكن الأهم أنها ستسهم فى صحوة الشعوب الأمريكية والأوروبية لتدرك ما جهلته عبر عقودٍ طويلةٍ ماضية، ويصير لها قيمةٌ حقيقية فى صنع قرارات حكوماتها.

حفظ الله مصرنا الغالية.. وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.