رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخروج الكبير.. والمعاشات خارج الدستور والعدالة


كل الدساتير المصرية كانت تحتوى على كلمة «العدالة الاجتماعية».. الدستور الحالى احتوت نصوصه على الكثير من هذه الكلمة.. بل نص الدستور المعمول به الآن على المادة 17 والمادة 27، حيث تمت الصياغة لأول مرة لصالح أصحاب المعاشات وحماية أموالهم لقد كافح الشعب المصرى كله فى أن يحافظ على العدالة الاجتماعية وأن تصبح دستورية حتى لا يعتدى عليها أحد.. الآن... أصبحنا نعيش فى حياة نزعت منها العدالة الاجتماعية نفسها رغم دستوريتها.. ووضعوا «العدالة الاقتصادية» بدلاً منها وهى تسمية مستوردة أتت لنا عبر مصطلحات صندوق النقد الدولى ومنظمة العمل الدولية الأجنبية.

وأصبحت المادة 17 والتى تحمى أموالنا وحقوقنا.. كذلك المادة 27 التى نصت على حد أدنى مثل الحد الأدنى للأجور حتى نستمر فى حياة كريمة.. أصبحنا خارج نصوص وصياغات المادتين.. لقد طمعت كل الحكومات بما فى ذلك الحكومة الحالية فى أموالنا واشتركوا جميعاً فى تحويلها من أموال ملك أصحابها.. إلى صكوك وسندات وأموال بلا فوائد.. نحن الآن.. خارج العدالة الاجتماعية والحماية الدستورية لأموالنا.. لكن من نحن؟؟ 9 ملايين أسرة تقترب من 40% من المجتمع.. كذلك 18 مليوناً يعملون الآن فى كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة.. أى الأغلبية العظمى من الشعب.. كل هؤلاء أموال التأمينات هى ملك لهم وحدهم لا علاقة لأى جهة أو مؤسسة فى ملكية هذه الأموال.. تقول وزيرة التضامن رسمياً.. إننا نملك 620 ملياراً أصبحوا الآن 640 ملياراً.. نصف هذه الأموال بلا فوائد منذ عشر سنوات.. بإضافة الفوائد البنكية أو أذون الخزانة.. «دون ما تم نهبه منها» تصل أموالنا الحقيقية إلى تريليون جنيه!!

أصبح من يملكون هذه الأموال يعيشون الآن تحت خط الفقر.. بل نصف الملايين الـ9 أصبحت تعيش تحت خط الموت.. بعد أن أصبحت معاشاتهم لا تكفى الطعام.. أو حتى شراء الدواء والعلاج.. أى أن الملايين منا أصبحت تتعرض للقتل الاجتماعى دون رصاص أو اغتيال.. لكن بأبشع الأسلحة من التجويع الممنهج والفقر المدقع والعجز عن العلاج.. هذا هو حالنا الآن.. وبقى الدستور بمواده ونصوصه.. وأصبحت العدالة الاجتماعية فى ذمة التاريخ وتصريحات المسئولين.

لقد اتخذت وزيرة التضامن موقفاً معادياً من حقوقنا الدستورية.. فقد استولت على أموالنا وبعثت بها إلى الخزانة العامة.. وما بقى منها قامت الوزيرة بتوزيعه على أعداد كبيرة من المستشارين وأنصارها والمؤيدين لسياستها.

رفضت وزيرة التضامن منح أصحاب المعاشات الحد الأدنى كما هو وارد فى المادة 27 من الدستور مما جعلنا نقف الآن أمام المحكمة الدستورية العليا بعد أن رفضت وزيرة التضامن أن يكون لنا حد أدنى دستورى بحجة مستمرة لا توجد لديها أموال؟؟

حتى العلاوات الاجتماعية رفضت الوزيرة إعادتها رغم صدور أحكام فى كل المحاكم وكل المحاكم تؤكد أحقية كل أصحاب المعاشات فى استعادة 80% من العلاوات الاجتماعية.. رغم أن هذه الأحكام صدرت بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى 2005 بإعادة هذه الحقوق إلى أصحاب المعاشات.. الغريب أن العلاوات الخمس صدرت بها قوانين وقرارات جمهورية ولا يمكن منعها إلا بذات القرارات والقوانين.. الوزيرة تعتمد على خطابات مكتبية وقرارات إدارية فى عدم تنفيذ حكم المحكمة الدستورية وتعتمد فى ذلك على عدم وجود أموال !!

حتى الأثر الرجعى لعلاوات 2005 /2007 ترفض الوزيرة مناقشة هذا الموضوع أصلاً.. إننا اتجهنا للمحكمة الإدارية كى تحكم لنا بأحقيتنا فى 80% من العلاوات الاجتماعية الخمس كل هذه الإجراءات.. واستعمال القوة ضدنا.. والتضليل المستمر على أموالنا وحقوقنا واستغلال الأوضاع السياسية فى البلاد وغياب أى رقابة للمحاسبة أو حتى السؤال.. كل هذا من أجل إخفاء الحقيقة.. حقيقة جريمة العصر وهى أموالنا.

إن الدستور هو أبو القوانين.. وقانون القوانين.. عندما تصبح مواده الخاصة بحياتنا الاجتماعية موقوفة ومجمدة.. ما فائدة الدستور لنا؟؟

عندما تتحول العدالة الاجتماعية إلى كلمة نسمعها تتردد فى تصريحات المسئولين وما يطبق علينا هو القهر الاجتماعى.. ماذا نقول عن هذه العدالة الاجتماعية؟؟

إن الذين يديرون شئوننا الآن فى المالية والتأمينات.. هم أنفسهم الذين اعتدوا عليها وبددوها وجعلونا نعيش هكذا..

كنا نعتقد أن بعد ثورتين سنعيش فى أمن وأمان اجتماعى.. لكن الحقيقة أن الاعتداء الذى تم علينا خلال الثورتين من الذين اعتدوا على أموالنا وتحويشة عمرنا كان الأخطر والأبشع.. لم نكن نتوقع ذلك ولكن فرضت علينا هذه الوحشية الاجتماعية.. لقد خسرنا كل شىء ثورتين وعدالة اجتماعية ومواد دستورية.. لم نعد نملك شيئاً سوى أن لدينا مخزوناً وطنياً لن يستطيع أحد نزعه من صدورنا.. بهذا ولهذا سوف ندافع عن أنفسنا حتى نعيد الدستور لنا.. وسوف ندفع أى ثمن كى نستعيد العدالة الاجتماعية لنا.

لا يليق بعد كل ما بذلنا أن يكون الثمن الخروج من الدستور ونزع العدالة الاجتماعية عنا.. لكن الأكيد أن هذا الشعب بكل فئاته وطبقاته ومثقفيه وأقلامه الحرة لن يرضى ولن يقف مكتوف الأيدى فى جريمة خروجنا من الدستور والعدالة الاجتماعية بعد أن طمعوا فى أموالنا.. كل أموالنا!!