رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب المخلص.. الكتابة قدره


اعتدتُ عند قراءة هذه الصفحة أسبوعياً أن أبدأ بقراءةٍ عابرةٍ لمقالى المنشور فيها لأطمأن على خلوه من أى أخطاءٍ مطبعية، ثم أنتقل سريعاً لقراءة المقالات التى تحظى بها الصفحة لنخبةٍ من كبار الأساتذة الذين يسهمون فى نشر الثقافة والمعرفة ومناقشة قضايا الوطن الحيوية فى شتى المجالات بموضوعيةٍ وإخلاص، والذين لا يمكن إنكار فضلهم وأننى شخصياً تعلمت منهم الكثير ومازلت وفى عدد الخميس الماضى من جريدة الدستور الغراء، فؤجئت بمقالٍ للكاتب المرموق الدكتور أحمد الخميسى بعنوان «لن أكتب هذا المقال»، وكان أول ما استوقفنى هو عنوانه الصادم ثم حالة الحزن والألم والحسرة التى استشعرت أنها تعتصر هذا الأديب الصحفى المتميز، وهو يظن أن كتاباته على مدى تاريخه الصحفى الطويل لم تحدث أثراً فى المجتمع، وأن لا شىء يتغير كما أن الحصاد الأدبى للكتابة إذا كان قبض ريحٍ فإن حصادها المادى أقل من ذلك بكثير إذ لا قبض فيه على الإطلاق، وفى الحقيقة اننى لا أنكر عليه ما يقول وألتمس له العذر فيما يعانيه من ضيقٍ وحسرةٍ فى هذه المرحلة المضطربة الطارئة التى تجتازها أمتنا منذ أكثر من خمس سنوات، والتى صار فيها الكل يتكلم ولا أحد يستمع، وكثيرٌ يكتبون ولا أحد يقرأ وإذا وُجد من يقرأ فقليلٌ منهم من يفهم وأقل منهم من يتدبر، فهذا حالنا الذى لا يمكن غض الطرف عنه، ولكنه حالٌ مؤقت وطبيعى نتيجة تداعيات مراحل التحول التاريخى التى تشهدها الأمم، فنسأل الله العفو والعافية.

لقد أثار حديث الدكتور أحمد الخميسى لدىَّ مفارقةً غريبة، فرغم ضآلة ثقافتى الأدبية وقلة خبرتى فى الكتابة الصحفية بالنسبة له، فإننى منذ شهرين عقدت العزم على أن أتوقف عن الكتابة لنفس الأسباب التى تحدث عنها، وأقسم بالله أننى أعددت مقالاً بنفس المعنى بل وتضمن كثيراً من الكلمات والعبارات ذاتها التى استخدمها فى مقاله المذكور، ولكن سرعان ما تراجعتُ عن قرارى ليس لسبب مادى فمثلى لا يتقاضى أجراً عما يكتب، وليس لمنفعةٍ شخصيةٍ فقطار العمر مضى ولم يعد لمثلى شئٌ ينتظره أو يتمناه فى دنياه، ولكنى ذكّرتُ نفسى بأن ما أكتبه وأتحدث به للكافة هو الحق بحسب ما أعتقد ولا أبغى من ورائه إلّا الخير لوطنى وهو بمثابة الشهادة التى إن كتمها المرءُ فسيكون قلبه آثماً بحسب شرع الله فى كتابه الكريم، وبالتالى فإن ما نعانيه ونتكبده جراء ما نكتبه أو نتحدث به فى هذه الحالة لا نحتسبه إلّا عند الله سبحانه وتعالى، دون نظرٍ أو انتظارٍ لجزاءٍ أو شكرٍ من البشر. كما ذكّرتُ نفسى بأن كل عملٍ باتقان واجتهادٍ بإخلاص يتم صياغته بأمانة فى كلمةٍ مكتوبةٍ أو مسموعةٍ يُراد من ورائها خيراً لابد أن تؤتى ثمارها ولو بعد حين، وليس أدل على ذلك من قول المولى عز وجل فى سورة إبراهيم: «ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعها فى السمآء، تؤتى أُكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون».

أعود فأذكر كاتبنا الكبير بأن الوطن فى هذه المرحلة الفارقة فى أمس الحاجة لعطائه وعطاء أمثاله المخلصين، وأن ما يكتبه نتاجاً لما أنعم الله به عليه من علم، وقصداً لخير البلاد والعباد لا يمكن أن يذهب هباءً منثوراً، وأن المعرفة والتبصير من أهم الحاجات الإنسانية التى تنهض بالمجتمع حكاماً ومحكومين، وأنها رسالةٌ قيّض الله لها أوناساً بعينهم تصديقاً لحديث رسولنا الكريم: «ألاإن لله رجالاً اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم فى الخير وحبب الخير إليهم، ألا إنهم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة»، فالكتابة ومخاطبة الناس لتنوير عقولهم وتصحيح سلوكهم وإصلاح حالهم هى قدر المؤهلين لها، بل ومسئوليتهم أمام الله والوطن.

بقى أن نهنئ أمتنا العربية والإسلامية بعيد الفطر المبارك سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يعيده علينا باليمن والبركات.. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.