رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان بعد التعديل


الآن.. ركع أردوغان باعتذار خطى لبوتين بعد أن منعه من حضور قمة شنغهاى- أكبر تكتل اقتصادى عالمى يواجه أمريكا ضمن سيناريو تشكيل موازين القوى برعاية الصين وروسيا ودول شمال ووسط آسيا شر البلية-حقاً-ما يضحك..أتذكر حينما فتح بهلول اسطنبول بلاده لقيادات الإخوان الهاربين من مصر بعد ثورة 30 يونيو العظيمة..وقف مدافعاً-بالباطل-عنهم ضد شعب عانى منهم الأمرين..كنت أجد فى هذا الوقت مثل هؤلاء ومن يسير فى ركبهم يصفقون له ويصبغون عليه صفات ما أنزل الله بها من سلطان مثل أنه «خليفة المسلمين فى الأرض» بحسب وصف الشيخ «القرضاوى» !!..وعندما أسقط الطائرة الروسية وقف بكل كبرياء وعنجهية يتحدى الروس ويهددهم بردود رادعة إن هم تجرأوا على اختراق مجاله الجوى مرة أخرى رغم أن كل الدلائل أثبتت عدم صحة موقفه..وكالعادة هلل الإخوان وأحبابهم وأنصارهم ومشتاقيهم لهذا «الأبله» وأشادوا بموقفه البطولى..ولم نكن نعرف حينها لماذا صمت الروس على هذه الإهانة إلا الآن.

الآن.. ركع أردوغان باعتذار خطى لبوتين بعد أن منعه من حضور قمة شنغهاى-أكبر تكتل اقتصادى عالمى يواجه أمريكا ضمن سيناريو تشكيل موازين القوى برعاية الصين وروسيا ودول شمال ووسط آسيا.. وقد دخلت مصر فيها كعضو مراقب-كما رضخ «الأبله» أيضاً لإسرائيل بعد أن تدهورت حالة بلاده السياسية والاقتصادية.. وأخذت سلة الاعداء من رصيد الاصدقاء..وهرول فى إعلان التطبيع مع الكيان الغاصب فى علاقة تاريخية بين البلدين منذ 1948..أى على نفس خطى سلفه الصهيونى كمال الدين أتاتورك..ولا ننسى أن النظام التركى كان أول من اعترف بالكيان اللقيط فى المنطقة..وهذا يكشف لنا خطة تنازل «الأبله» عن شرط رفع الحصار على غزة قبل عودة علاقته الحميمية بهذا الكيان..وبناء عليه يمكننا الآن فهم واستيعاب المشهد الهزلى الذى ظهر فيه أردوغان وهو يعنف شيمون بيريز فى دافوس على خلفية اعتداء المحتل اللعين على السفينة التركية «مرمرة» لكسب ود العرب قبل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد..ولعل جميعنا عايش تلك اللحظة وخُيل إلينا أن هذا العميل بطل فى الوقت الذى صمت فيه حكام العرب على انتهاكات جيش الاحتلال ضد شعبنا الفلسطينى صمتاً مريباً.

وحتى نسقط عن أردوغان آخر ورقة توت يستر بها عورته..فلابد أن نلقى الضوء على رهاناته الخاسرة مع أعداء العرب والمسلمين على نجاح «الربيع العبري» الذى أجهضته ثورة 30 يونيو وقلبت موازين القوى العالمية رأساً على عقب..بعد ذلك راهن على حلمه المزعوم فى إقامة «الخلافة الإسلامية» ففوجئ بعدة لطمات متتالية على وجهه..أهمها تهديد بلاده بمخطط التقسيم الذى ساهم فى تنفيذه مع عصابته المجرمة وبتعليمات من رعاة البقر بعدد من دول المنطقة مثل:العراق وليبيا والسودان وسوريا..وقد حذرنا كثيراً من غدر الأمريكان وأكدنا أن مخطط الصهيونى برنارد لويس لتقسيم المنطقة لا يستثنى كلا من ايران أو تركيا..وهذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة فى حسم مصير الشقيقة سوريا بعدما غير «الأبله» جلده القديم الذى تطاول به على مصر واعتدى به على العراق وتدخل به فى الشأن السوري..فبات من الواضح أنه استوعب الدرس وتذكر كيف استخدمه الأمريكان مثلما استخدموا أسامة بن لادن فى أفغانستان ضد روسيا ثم قتلوه بعد إنتهاء مهمته..وكيف استخدموا الرئيس العراقى الراحل صدام حسين ثم تخلصوا منه بعد أن نفذ لهم مخططهم اللعين ضد إيران مرة فى حرب الخليج الأولى..وضد الكويت مرة ثانية فى حرب الخليج الثانية !!.

ونتيجة سياسته الخرقاء التى أكسبته عداء واحتكار الأصدقاء قبل الأعداء..وجد أردوغان نفسه صريعاً بين عدو لايرحم وهو «حزب العمل الكردستانى»..وبين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم وهم «الدواعش» الذين تبنوا عملية تفجير مطار أتاتورك مؤخراً..والذى راح ضحيته أكثر من أربعين قتيلاً و230 جريحاً بحسب آخر إحصاية تداولها الإعلام التركى نفسه..باختصار شديد جدا نستطيع القول بأن الأمريكان عرضوه كسلعة رخيصة وفاسدة للروس حتى لايواجهوهم مباشرة فى سوريا..لكن الروس انتبهوا لشيطنة أردوغان بعدما حصلوا على تطمينات من القيادة العسكرية التركية التى طالبتهم بالتريث فى عقاب أردوغان لأنه –بحسب رؤيتهم-يمثل عصابة تضر بمصالح تركيا.. بدليل إعلان رئيس الوزراء على يلدريم مؤخراً عن سياسة تركيا القادمة لاسترجاع أصدقائها وعلى رأسهم مصر..وهذا التحول له بالتأكيد تداعياته على تغيير معادلة الحرب الدئرة منذ أربع سنوات فى دمشق..وهو الأمر الذى أوقف بوتين عن الانزلاق فى المستنقع الذى خطط له الأمريكان لتوريط بلاده فى حرب جديدة مع تركيا.

وقد ذكرنى هذا الموقف بالرسالة التى بعث بها بوتين الى وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسى بعد زيارة محمد مرسى لروسيا مباشرة..يقول بوتين فى رسالته إن مرسى طلب منه شراء أسلحة بخمسة مليارات دولار تُدفع كاش ومرة واحدة وفورى..فسأله بوتين: وهل هذه الأسلحه للجيش المصرى؟..فقال مرسى لا..إنها لنا نحن..سأله بوتين: من أنتم؟..أجاب مرسى بأنها تخص الجيش الاسلامى الذى يعدونه لإقامة الخلافة الاسلامية..فضحك بوتين استخفافاً بالضيف وعرضه.. ولم يفهم مرسى مغزى هذه الضحكة وتلك الاستهانة..واستمر فى حديثه عارضاً عليه تعاون روسيا مع اسلاميى مصر وتونس والعراق و«تركيااااااااا»..واخدين بالكم أعزائى القراء من «تركيا»؟؟!!..وتدريب المقاتلين من «حماااااااااااس»..وواخدين بالكم من «حماس»؟؟!!.. وأنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس فى ثكنات الجيش الروسى وتحت إشراف الروس والمقابل المادى مفتوح بدون سقف..ولم يكتف مرسى بذلك بل عرض على بوتين أيضا شراء الغاز الروسى بأى ثمن يُحدده..وفى ختام الزيارة قال مرسى لبوتين: هذه أيدينا ممدودة لكم ونحن ننتظر الرد منكم..فأنت أيها الرئيس صديق عزيز لدينا..كرر بوتين ضحكته كنوع من عدم الثقة والارتياح هذه المرة فى شخص الضيف..بعدها أرسل بوتين برسالة إلى وزير الدفاع بما ذكرناه بالإضافة إلى الآتى: «الأخ العزيز مرفق مع رسالتى عرض رئيس الإخوان لديكم..وأنا لا أحبهم ولا أثق فيهم.. أحذركم منهم إنهم خونة..ويتعاملون مع كل أعداء مصر وبالأخص الجماعات التى تدعى الاسلام».

مما سبق نستطيع القول بأن بوتين أعاد علاقة بلاده بتركيا لأنه يثق فى المؤسسة العسكرية التركية ولا يثق فى شخص أردوغان ومن يقف خلفه بعدما تأكد من أنه ومرسى وجهان لعصابة واحدة كانت ومازالت تخطط للسيطرة على المنطقة بالدعم الصهيو-أمريكى..مع الأخذ فى الاعتبار حجم الخسارة التى لحقت بـ«الأبله» لفشل التيار السياسى المتأسلم فى مصر وليبيا..وفشله كذلك فى استخدام كارت اللاجئين الذى حاول اللعب به طوال الفترة الماضية لابتزاز أوروبا-بحسب كلام المحللون السياسيين-فكانت النتيجة أنه خسر أيضاً-وإلى الأبد-تعاطف الأوربيين معه..وليس هذا فحسب..بل وإلغاء فكرة انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبى..وهو الحلم الذى ظل يراود الاتراك لعقود طويلة..وهذا ما أدركه «الأبله» بسبب دعمه للارهابيين الذين نالوا من بلاده مؤخراً بعدما روعوا العالم أجمع بأفعالهم المشينة من ذبح وحرق واغتصاب وسرقة.