رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القوى الإقليمية غـير العربية فى المنظور الأمريكى «٢»


تناولت فى مقال سابق بالجريـدة يوم ١ يونيو 2016 بعنوان «قطر فى المنظور بعيون أمريكية» أوضحت فيه الاعتبارات الرئيسية التى تتحكم فى الموقف القطرى ودورها فى المنظور الجيوبوليتيكى للولايات المتحدة، وفى مقال اليوم أتناول موقف ودور القوى الإقليمية غـيرالعربية فى نفس المنظور، حتى يتبين لنا بنيان التحالف غـير المعـلن الذى تقوده الولايات ويضم القـوى غـيرالعربية «تركيا وإيران وإسرائيل» ودولة قطر العـربية حتى تضفى عليه صفة التحالف الإقليمى، وتوضيح التوجه الأمريكى لتعـظيم أدوار هذه القوى، إذ يُعـتبر هذا التوجه من أهم التحولات والقضايا المطروحة على الساحة العربية والساحة الإقليمية على حد سواء، حيث تهدف الولايات المتحدة من تعظيم أدوار هذه القوى تحقيق أحد أهم أهدافها «إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير» بما يتسق مع منظورها الجيوبوليتيكى.

فبالرغم من أن الواقع يشير إلى أن بريطانيا العـظمى هى التى خلقـت الوطن القومى لليهود فى قلب العـالم العـربى، إلا أن الولايات المتحـدة كانت أول دولة تعـترف بها، لتجعـل منها فاصلا أرضيا يمزق أوصال المنطقة العـربية يحول دون وحدتها، وفاصلا زمنيا يحول دون تقدمها، ونزيفا مزمنا لثرواتها لتحقيق هذا الهدف، فارتبطت بإسرائيل إستراتيجيا وتطور هذا الارتباط حتى أصبح ارتباطا عـضويا وعاطـفـيا، إلى الحد الذى تتبنى فيه الولايات المتحدة جميع المواقف الإستراتيجية لإسرائيل «سياسيا عـسكريا اقـتـصاديــا اجـتماعـيا» ليس فقـط عـلى مستوى النسق الإقليمى للمنطقة، بل أيضا على مستوى النسق الدولى بمنظماته الدولية، بالقدر الذى يتعـين معه تحقيق أهداف ومصالح إسرائيل، وإلى الحد الذى تتحدى فيه العالم بأسره مثلما هـو الحال عـندما لم تتوقـف عن حرب الإبادة التى تشنها من آن إلى آخر ضد الشعـب الفلسطينى فى قطاع غـزة، وهى الحرب التى تكاد تعـصف بإستقرار المنطقة وتنآى بها إلى حيث لا يأمل عاقـل.

ولعـل الموقف الإسرائيلى من مؤتمر السلام الذى استضافته باريس فى محاولة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية يتفق عليه المجتمع الدولى، يُعـد دليلا دامغا على ذلك، وقد وضع معـظم المحللين هذا المؤتمر بين التفاؤل الحذر، والتشاؤم الذى اعتادوا عليه من الممارسات الإسرائيلية، كانعكاس صريح للدعم غـيـر المحـدود الذى تقدمه الولايات المتحـدة لها حتى فى احرج المواقف، إلى حد استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو ضد أى قرار يدينها، حتى اصبح هذا الدعم أمرا مقضيا كحق لها، ولذلك مارست إسرائيل كل صنوف التجاهـل لحقـوق هذا الشعـب، ومارست أيضا كل أنواع الغـطرسة فى جميع مواقفها التفاوضية مع العـرب. وقـد تعاظم هذا الدعم فى فترتى إدارة بوش الابن خاصة بعـد أحداث11سبتمبـر، حيث أعـلن أنه سوف يشن حربا صلـيـبـيـة جديـدة ضد العـرب، ودول الأصولية الإسلامية لمحاربة الإرهاب الذى يكمن فيها وترعاه، صحيح أنه تراجع عن هذا التصريح، وبرر هذا التراجع بأنه «زلة لسان»، لكن تقرير لجنة التخطيط الاستراتيجى لوزارة الخارجية الأمريكية فى نوفمبر1988، قد كشف حقيقة هذا التصريح حيث تضمن النص التالى «أما وقـد إنتهت الحرب الباردة بيننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن مصادر التهديـد البـديلة ستكون دول الأصولية الإسلامية وأنظمتها السياسية غـيـر المستقرة».

وتطور هذا الدعـم ليكون أحد ثوابت سياسات الولايات المتحدة، ويُعـد التنافس بين مرشحى الرئاسة الأمريكية للحزبين الديمقراطى والجمهورى دليلا على ذلك، فقد شهدت حملتا أوباما مرش الديمقراطى، وميت رومنى مرشح الجمهورى تنافسا محموما، فقـد أعـلن أوباما فى حملته الإنتخابية للفترة الثانية أن العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية unbreakable أى غـيـر قابلة للكسر، أما رومنى فقد صرح بأنه سيبـدأ حملته الانتخابية من إسرائيل، فسارع أوباما بتوقيع قانون يُعـزز القدرات العـسكرية لإسرائيل قبل وصوله إليها بساعات، ويقضى هذا القانون بتزويـد إسرائيل بمعـدات إلكترونية متقـدمة بـ450 مليون دولار، كما يقـضى أيضا توريـد عدد 19 طائرة إف 35 من أصل صفقة يبلغ عددها 75 طائرة وتبلغ قيمتها 7,2 مليار دولار، وبذلك تكون إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تمتلك أحدث الطائرات الأمريكية بالتزامن مع الولايات المتحدة «ستدخل هذه الطائرات الخدمة بها فى2017»، وتمتلك هذه الطائرات قدرات هائلة عـنـد الإقلاع والهبوط، وإجراء المناورة الواسعة أثناء الطيران، ويصعـب اكتشافها ومتابعـتها راداريا، وتتميز بمدى عـمل إستراتيجى كبير، ثم لعـبت الولايات المتحدة دورا فاعلا لإمداد إسرائيل بأربع غواصات ألمانية من طراز دولفين، وهى غـواصات ذات تقنيات فنية متقدمة وقدرات قتالية عالية، ولها القدرة على حمل صواريخ برؤوس نووية، والغريب أن ألمانيا سلمت أول غـواصتين دون مقابل مع تخفيض ثمن الآخرتين30%، وبذلك تضمن الولايات المتحدة أن يكون منحنى التفوق العسكرى صاعـدا باستمرار لصالح إسرائيل، وتضمن إسرائيل الاحتفاظ بتفوقها فى جميع المعـطيات التى ترتبط بعـلاقات توازن القوى مع الدول العربية مجتمعة.

وتسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخ وتطوير العلاقة بيـن إسرائيل وبين كل من تركيا وإيران «بعـد تسوية قضيتها النووية» وتعمل على تحويله ليكون ارتباطا استراتيجيا بمفهومه الشامل «سياسيا وأمنيا واقتصاديا وعـسكريا»، لكى تصبح كل منها قوة إقليمية عـظمى ترتكز عليها لتحقيق هدفها وهو إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير بمفردات أمريكية وصياغة صهيونية، بعـدأن تكون قد قامت بتقسيم الدول العـربية المركزية إلى كنتونات صغيرة، وتوطين شعـوبها على أساس العرق أو الدين أو المذهب أو الطائفة، وترسيم الحدود النهائية بينها وتصحيح حدود سايكس بيكو، ثم تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ بين القوى الثلاث للهيمنة عليها بالوكالة عن الولايات المتحدة، ولتحقيق ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى تعـظيم قدرات تركيا العـسكرية والأمنية، باعتبارها القوة العسكرية الثانية بحلف الناتو، وتعـزيز التعاون بين تركيا وإسرائيل، وهو التعاون الذى لم ينقطع يوما، حتى فى فترات التوتـر المفتعل بينهما «أزمة مقتل الأتراك الذين كانوا على السفـيـنــة مرمرة، وأزمة انسحاب أردوغان من منتدى دافـوس»، وهما الأزمتان اللتان استطاع أردوغان توظيفهما لصالحه، حيث استُـقـبـل استقـبال الفاتحين فى الأولى وأدت إلى نجاح حزبه فى انتخابات 2009، وجعلته الثانية بطلا قوميا غازيـا وأدت إلى فوزه كرئيس لتركيا فى 2014.

 أستاذ العلوم السياسية جامعة بورسعيد