رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصـادر الطاقـة.. والتنمية الشاملة لمصر «٢-٢»


تحت نفس العنوان من مقالنا فى الأسبوع الماضى نشير إلى أنه عـندما تستكمل كـوريـا بناء محطات تولـيـد الكهرباء نـوويـا ليصبح إجمالى عـددها 28محطة، فسوف تتمكن من استكمال مخططها الاستراتيجى للتنمية الشاملة، وتتمكن من تحقيق صعـودها المتسارع لتنتقل إلى مصاف الدول الكبرى إن لم تنتقل إلى مصاف الدول العـظمى اقتصاديا وعـلميا وتكنولوجيا واجتماعـيا، فهل يمكن أن تنهج مصر ذات النهج الذى اتبعـته كوريا الجنوبية التى استطاعت به أن تحتل هذه المكانة الإقـلـيمـية والدولـية الرفيعـة؟ وفى هـذا السياق تجدر الإشارة إلى أن مصر قـد تلقـت عـرضا ممتازا من ألمانـيـا لإنـشـاء مفاعـل الضبعـة، ولكن الأمر الغـريب هـو التدخل المريب للولايات المتحدة الذى حال دون إتمام هـذا العـرض!

أما الفريق الثانى فيستند فى تحليله لموضوع التوجه النووى لتوليد الطاقة أولا إلى أنه قـد تم الإتفاق فعلا مع روسيا لإنشاء المفاعـل النووى فى منطقة الضبعة، وأن تكلفته المادية والزمنية ثانيا لا تتسق مع قدرته الإنتاجية، إذ تقدر تكلفة إنشائه بنحو 25 مليار دولار، وأن تمويله سيكون قـرضا من روسيا، وأن قدرته على إنتاج الطاقة النووية 4800 ميجا «1200 ميجا للمفاعل الواحد»، وأن الإنتهاء من إنشائه سيستغرق زمنا طويلا «8 ـ 12 سنة»، فلماذا الإقدام على مشروع قد ينتهى فى نهاية الرؤية الاستراتيجية لتنمية الدولة «2030» فى حين أنه يمكن إنشاء محطة حرارية فى أقل من 4 سنوات وبتكلفة تقل 10 مرات عن تكلفة إنشاء المفاعل النووى، ولماذا نبدأ فى استخدام الطاقة النووية المحفوفة بالمخاطر، فى الوقت الذى تعتزم فيه بعض الدول المتقدمة جدا فىهذا المجال التخلص منه «ألمانيا وآخرين»، وهل يُمكن لمصر إنتاج الوقود النووى اللازم لتشغيل هذه المحطة النووية، أم سيتم إستيراده من روسيا كمصدر وحيد بإعتبارها دولة المنشأ لهذه المحطة، الأمر الذى قد يؤدى إلى مبدأ الاحتكار وبالتالى التبعية لروسيا، وما الوضع إذا ما تعـرضت العلاقات المصرية الروسية للخلاف والتوتر، فالمتابع للموقف الروسى يمكنه ملاحظة أن هناك تحولا ولو بالنذر القليل فى الموقف الروسى بعـد حادثة الطائرة الروسية، كما يمكن ملاحظة تحول الموقف الروسى تجاه سوريا التى كان لها الفضل فى تواجدها فى المياه الدافئة للبحر المتوسط، الحلم الدائم لروسيا القيصرية، وروسيا السوفييتية، وروسيا الاتحادية.

ويرد الفريق الأول على وجهة نظر أصحاب الفريق الثانى بأن محطة الضبعة النووية تتكون من مفاعلين نوويين، كل مفاعل يتكون من أربع وحدات، كل وحدة يمكنها إنتاج 1200 ميجاوات ليكون إجمالى إنتاج المحطة هو 9600 ميجاوات، وقد تعهدت روسيا فى مذكرة التفاهم «بين القاهرة وموسكو» أن روسيا ستكون مسئولة مسئولية مباشرة عن تدريب أطقم التشغيل والصيانة، وتزويد المفاعلات بالوقود النووى، وأنها ستكون مسئولة عن ضمان سلامة المحطة وتوفير الأمان وفقا للمقاييس والمعايير العالمية، على أن تكون مصرملتـزمة بسداد تكلفة الإنشاء بأقساط مريحة على مدى زمنى طوبل، وعلى أن يبدأ سداد القسط الأول بعـد تشغـيـل المحطة.

وفى رأيى أنه ينبغى أن تتعدد مصادر الطاقة خاصة فى مجال الطاقـة الكهربية النظـيـفـة والمتجددة، التى يمكن إنتاجها من المياه والرياح والشمس ومحاصيل الوقود الحيوى، إذ يمكن لمصرأن تصبح أكبر منتج ومصدَر لها فى منطقة الشرق الأوسط ووسط أفريقيا وأوروبا، ما إذا أحسنت إستغلال واستخدام المنطقة غـرب المنطقة المخصصة لإنشاء المفاعـل الـنـووى بالضبعة أفضل استخدام فى إنتاج الطاقات الكهربائية النظيفة المتنوعة، والتى بإنتاجها وإستهلاك حاجتها منها فى مشروعات التنمية المختلفة وفقا للتخطيط الاستراتيجى لأقاليمها الاقتصادية المختلفة، تستطيع مصر أن تنتقل من قائمة أفقر 35 دولة فى العالم إلى مصاف الدول متوسطة الدخل، ثم إلى مصاف الدول عالية الدخل، وتحتل المكانة اللائقة بها إقليميا وعـالميا، حيث يمكنها تصديـر فائض هـذهالطاقات الكهربائية إلى دول جنوب الصحراء خاصة دول منابع النيل القريبة التى تفتقر إلى الطاقة لإحداث التنمية المنشودة والتى تأملها «السودان – جنوب السودان – أوغـندة – الكونغـو – كينيا – رواندا- بوروندى» بما يمكنها من تعـزيز العلاقات التعاونية معها، وكذا إلى دول جنوب القارة الأوروبية الساعـية إلى استخدام الطاقة النظيفة، حيث تعـتبر مصر حلقة الوصل بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغـرب.

إذ يشير الواقع إلى أن هذه المنطقة تأتى على قمة المناطق التى تسطع فيها الشمس وتهب عليها الرياح المعـتدلة طول العام تقريبا فى العالم، الأمر الذى يؤهلها إلى أن تكون من أكثر المناطق كفاءة لتوليد الكهرباء من الشمس ومن الرياح وفقا لدراسات بعـض الشركات الألمانية والفرنسية التى تسعى إلى تنفيذ هذه المشروعات كشريك. فإذا ما عـلمنا أن إحياء مشروع منخفض القطارة العـملاق لتوليد الكهرباء من تساقط وتدفق المياه إلى هذا المنخفض ذى المساحة الكبيرة، والمنسوب الذى يصل إلى 145 مترا تحت سطح البحر، سيضيف قدرة متعاظمة من الكهرباء، لأدركنا على الفور أن مصر يمكن لها أن تصبح مركزا لإنتاج وتوزيع وتصدير الطاقة النظيفة، إذ يمكن تحقيق هذا المشروع بشق قناة من شمال منطقة الضبعـة إلى المنخفض مباشرة «حوالى 70 كم»، كما يمكن إضافة كميات هائلة من الطاقة الكهرومائية، خاصة عـندما يتم إنشاء محطات تحلية المياه التى تستطيع تلبية مطالب رى وزراعة محاصيل الوقود الحيوى على المساحات الشاسعة فى الصحراء الغـربية، وبذلك تستطيع مصر أن تحقق توازن المكانة عـندما تتمكن من تعـظيم قدرتها الاقتصادية لتتسق مع مقدرتها السياسية والعسكرية، حيث إنها القدرة التى ما زالت متأثرة بالسلب.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد