رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استعادة الدولة لسيادتها الاقتصادية


أنا لستُ متخصصاً فى الاقتصاد ولا أدعى المعرفة فيه بالقدر الذى يؤهلنى للحديث عنه، ولكنى كأحد المهتمين بالشأن العام أحرص على متابعة كتابات وأحاديث المتخصصين فى كل المجالات لرصد وتحليل مشكلات وقضايا الوطن، ومحاولة الاجتهاد بقدر الإمكان للمساهمة فى ملحمة الإصلاح والبناء والتنمية وصولاً للأهداف الوطنية المأمولة بدايةً فلعل الملاحظ من الواقع التاريخى أن الاقتصاد فى الدول لا يخرج عن نمطين، فإما أن يكون نظاماً رأسمالياً بكل ما يحويه من آلياتٍ صماء متعارفٍ عليها ويُعبر عن مجملها سياسياً بعبارة «دعه يعمل دعه يمر»، وإما أن يكون نظاماً موجهاً وهو النظام الذى يتعاظم فيه دور الدولة ولكن ليس بالضرورة أن يكون بالشكل الاشتراكى أو الشيوعى الذى انتهجته بعض دول الكتلة الشرقية. كما أن الواقع العملى يثبت أن الظروف الخاصة بكل دولة وطبائع وسمات شعبها هى التى تفرض عليها الأخذ بهذا النظام أو ذاك، وأن المسألة ليست مجرد اختيار للتجربة والمفاضلة بين النظامين، وإنما هى رؤيةٌ وطنية متعمقة للنظام الاقتصادى المناسب للدولة استراتيجياً وليس لفترات أو مراحل مؤقتة،وفى هذاالمضمار فقد قيل بحق إن الدول التى تنحسر فيها عوامل الإنتاج وتضمحل فيها مصادر الدخل مع الزيادة المطردة لعدد سكانها وضعف مستوى الوعى الثقافى والانضباط السلوكى لدى شعوبها، فإن نظام الاقتصاد الموجه هو النظام الأمثل لتلك الدول، وذلك ما أخذت به مصر بعد ثورتها المجيدة فى 23 يوليو 1952 بعد أن أجمع الشعب على تحديد هويته السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ورسم لنفسه منهجاً استراتيجياً يتفق مع هذه الهوية، وكاد هذا المنهج أن يضع مصر فى عداد الدول المتقدمة لولا معاول الهدم التى انهالت على تلك الهوية بمحاورها الأربعة مع عقد السبعينيات من القرن الماضى وما تلاه. لقد كان من نتائج ذلك أن تحولت مصر بلمح البصر وفى غفلةٍ من الزمن إلى نظام الاقتصاد الرأسمالى بكل سوءاته ودون فهمٍ صحيح لمعطياته وأدواته وتبعاته، وراحت تفتح أحشاءها لكل من هب ودب للعبث بها واستلاب خيراتها تحت شعار الانفتاح الاقتصادى الذى أطلق عليه الراحل العظيم أحمد بهاء الدين تعبير انفتاح السداح مداح ثم استمر هذا المنهج الاقتصادى وتطور إلى درجة التفريط فى أصول الدولة الإنتاجية فيما عُرف بسياسة الخصخصة، وهى السياسة التى لا أستطيع حتى الآن الجزم بأنها كانت سياسةً خاطئةً أم كانت إرادةً خائنة، ولكنها فى النهاية أدت إلى هذا الوضع الاقتصادى المتردى الذى كان بالفعل أحد أسباب ثورة 30 يونيه 2013 بقيادة الفريق عبدالفتاح السيسى، وأعتقد أن الدولة بدأت تستعيد زمام الأمور وبدا فى الأفق رؤيةٌ واضحة مخلصة لتوجهات الدولة المصرية على جميع المحاور ومن بينها المحور الاقتصادى الذى يجب أن يعود للدولة دورها الإيجابى فيه وتأثيرها الأكبر فى إدارة وتوجيه حركته بما يحافظ على مقدرات الوطن ويحقق التنمية المنشودة ويراعى المسئولية الاجتماعية تجاه الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وأظن أن كثيراً منا بدأ يستشعر جدية وتمحور هذه الرؤية الصحيحة، ولكن المؤكد أن ثمارها الطيبة لا يمكن أن تظهربين عشيةٍ وضحاها لأن علاج الأمراض المزمنة واقتلاع الجذور التى أدت لاستشرائها يحتاج إلى سنوات طويلة، كما أن البناء برؤية جديدة يستلزم جهداً أكبر ولسنوات ممتدة، ولكن يبقى أن الشىء الأهم فى هذه الملحمة قد تحقق بالفعل وهو تلك الرؤية التى تحدثنا عنها وهى ما تستحق منا المؤازرة والتكاتف حولها.

وفى ظل جهود الدولة لجذب الاستثمار الأجنبى مع الحرص على توجيهه وفقاً للمصالح الوطنية، فإننى أتمنى آلياتٍ عملية لتلك الجهود، وعلى سبيل المثال يمكن تكليف كل محافظة بإعداد دراسة جدوى متكاملة لعشرين مشروعاً صناعياً محدداً يمكن إقامته فى الظهير الصحراوى للمحافظة، وتكون للدولة النسبة الأكبر فيه مقابل الأرض والخدمات اللوجيستية وبعض الإعفاءات الجمركية، ثم يتولى السادة المحافظون التسويق الخارجى والداخلى لكل مشروع على حدة مع منحهم الصلاحيات والضمانات القانونية اللازمة لذلك وهو ما يتيح للمسئول مخاطبة المستثمر مباشرةً بشأن مشروع محدد بذاته وأهدافه.حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.