رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدين مقدس لا يسيس


الدين أقدس من أن يدنس بخدع السياسة وألاعيبها المختلفة، وقد ثبت أن تدخل رجال الدين فى العمل السياسى، لا يفيد الدين ولا السياسة، بل قد يكون سبباً فى قيام الثورات، ولم يتأكد تاريخياً أن رجال الدين قد نجحوا فى إدارة دولة تولوا قيادتها، فالدين له صدقه وسموه وقدسيته، وهو أسمى من أن يمزج بالسياسة، وما أدراك ما السياسة وخدعها ومكرها، والأمثلة على فشل هذا المزج كثيرة فى تاريخ البشرية، ففى إنجلترا عام 1642- 1660 عندما تدخل رجال الدين فى السياسة وابتدعوا ما عرف بالحق الإلهى للحكم قامت الثورة ضدهم.

وعرفت إنجلترا خلال القرن السادس عشر الميلادى تطورات كبيرة فى الناحية السياسية والدينية، ففى عهد ملكها «هنرى الثامن» بلغت إنجلترا مرحلة من القوة والعظمة، وانفصلت عن الكنيسة فى روما، واعتنقت الكنيسة الإنجليزية مذهب «مارتن لوثر» القائل بأن العلاقة مباشرة بين الإنسان وخالقه دون وساطة رجال الدين، وتم تبسيط الطقوس الدينية، وقامت الثورة الصناعية فى إنجلترا عام 1760 م، واحتلت الميكنة بدلاً من العمل اليدوى، واخترعت كثير من المخترعات، ومن أهمها القطارات البخارية، وماكينات غزل ونسج القطن وصناعة الحديد والصلب واستخدم الفحم بإنجلترا بدلاً من الخشب، وانتقلت النهضة الصناعية من إنجلترا إلى بقية دول أوروبا ثم لمعظم دول العالم. وفى عام 1917 عندما قامت الثورة الروسية.واعتنقت النظام الاشتراكى، وكان من أهم أسبابها انحراف رجال الدين عن المبادئ الدينية السامية، وانحدارهم فى العمل السياسى، كما كانت سيطرة رجال الدين على السياسة العامة ومؤسسات الدولة من أسباب عرقلة الثورة الفرنسية 1789 التى أجبرت الملك «لويس السادس عشر» على عقد مجلس طبقات الأمة، ونجحت هذه الثورة بعد ابعاد رجال الدين عن العمل بالسياسة، وإذا كانت الثورة الصناعية بأوروبا قد نجحت بعد استبعاد غيبيات رجال الدين وإتباع الأسلوب العلمى فى قيام النهضة العلمية، واعتبرت هذه الثورة الصناعية من أهم الثورات فى تاريخ البشرية. فقد أخرجت أوروبا من ظلام العصور الوسطى، إلى مشارق عصر النهضة، ولا أبالغ إذا قلت إن الثورات تتشابه عند قيامها، كما أن نجاح الثورات يتوقف على قدرتها على مواجهة أعدائها من مدعى التدين، ودائماً ما يكون هؤلاء هم أول أعداء الثورة، لأنهم يعتقدون اعتقاداً خاطئاً أن الدين يصلح للممارسة السياسية، فالتدين الحقيقى هو علاقة خالصة بين الإنسان وخالقه، ومن أوائل الأحاديث النبوية التركيز على ضمير الإنسان ونيته «فمن كانت هجرته لله ورسوله، فهجرته إلى ما هاجر إليها ....». وأخيراً فالمواجهة مع مدعى الأديان هى السمة الغالبة عند قيام الثورات وكما انتصرت معظم الثورات سوف تنتصر الثورة المصرية.

 عضو اتحاد المؤرخين العرب