رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاستنساخ.. مؤامرة «ماسونية» تهدد آثارنا وحضارتنا


استنساخ آثارنا.. معركة جديدة ذات جذور قديمة بدأت رحاها تدور ونيرانها تستعر بيننا وبين الصهيونية-العالمية.. أو إن شئت عزيزى القارئ فقُل «الماسونية العالمية» بشكل لم نعهده من قبل.. مصيبة سوداء تلك التى ابتليت بها الحضارة المصرية ضمن مخطط جهنمى لتدميرها واندثارها من الذاكرة رويداً- رويداً بأساليب مختلفة هذه المرة.. تبدو فى ظاهرها أمور عادية.. أما فى باطنها فهى كالخنجر المسموم فى الخاصرة فمثلاً تخرج علينا الصين باستنساخ مجسم طبق الأصل من تمثال أبو الهول «60 متراً طولاً.. و20 متراً ارتفاعاً».. وهى الأبعاد الحقيقية لأبو الهول المصرى فى متنزه بشمال البلاد.. وتسمح الشركة المالكة للمتنزه الصينى للسائحين بدخوله وزيارته مقابل دولار واحد فقط لكل فرد.

وخيراً فعلت مصر حينما تقدمت بشكوى إلى «اليونسكو» ضد هذا التزييف المتعمد لحماية الملكية الفكرية لآثارنا بعد أن تأثرت حركة السياحة المصرية طوال عامين كاملين هما عمر هذا المستنسخ وغيره من المستنسخات فى أمريكا وألمانيا.. الأمر الذى أرغم الشركة الصينية المسئولة عن المتنزه بإزالة النسخة.. ولمنع هذا «العبث» مستقبلاً نطالب حكومتنا بالتحرك السريع لمعرفة تفاصيل أخرى عن التقارير المصورة التى رصدها الرحالة المصرى حجاجوفيتش.. والتى تؤكد إنشاء منطقة متكاملة للمستنسخات المصرية «الأهرامات الثلاثة وأبو الهول وآثار أبو رواش» فى مدينة تشينزين الصينية ذات الطبيعة السياحية الخلابة.

حيث تؤكد معلومات هذا الشاب الوطنى-المخلص بأن الصينيين تمكنوا من جذب 15 مليون سائح سنويًا لزيارة منطقة الأهرامات الصينية.. موضحاً أن العاملين الصينيين فيها ارتدوا الزى الفرعونى الكامل.. وفتحوا مطاعم للأكلات الشرقية- المصرية.. واستخدموا الجمال والخيل لإمتاع زائريهم.. بالإضافة إلى تزويد هذه المنطقة السياحية المقلدة بعناصر الصوت والضوء حتى يشعر السائح فعلاً بأنه فى مصر!!.. وقد جاءت هذه الأخبار كالصاعقة على رءوسنا وعلى آثارنا وسياحتنا واقتصادنا.. خصوصاً وأن هناك دولاً أخرى كما سبق وذكرنا- مثل أمريكا قد استنسخت من قبل مدينة الأقصر.. ونفس الشىء فعلته ألمانيا التى استنسخت تماثيل للملكة المصرية نفرتيتى!!.

خبراء الآثار والسياحة أكدوا أن «حمى» الاستنساخ التى تجتاح بلدان العالم الكبرى لآثارنا.. ما هى إلا كابوس مزعج يهدد حضارتنا وآثارنا وتاريخنا وثقافتنا.. وأيضاً يضرب اقتصادنا فى مقتل بعد أن أصبحت بوادر الكساد الاقتصادى تنخر فى عرش صناعة السياحة المصرية طبقاً لمخطط الأعداء أثناء وبعد ما سمى بـ «ثورات الربيع العربى» التى أذاقت مصر وعدداً لا بأس به من دول المنطقة ويلات الدمار والتفجير والفوضى وسفك الدماء بإيعاز من رعاة البقر وبيد عناصر تكفيرية- إرهابية تدعى الانتماء للإسلام لكن الإسلام منها برىء.. وتساءلوا: كيف سمح مسئولونا لدول الشرق والغرب باستنساخ تلك الآثار واستثمارها فى دعم وانعاش اقتصادهم فى الوقت الذى نرى فيه اقتصادنا ينتحر دون أن نحرك ساكناً ؟!.. وكيف تتجاهل حكومتنا الموقرة حق الشعب فى الملكية الفكرية- حسب الاتفاقية الموقعة لدول العالم فى بداية العقد الماضى والمنبثق عنها القانون رقم 82 لسنة 2002 دون الاستفادة من «ريع» هذه المستنسخات ؟!.

يا سادة.. إن المادة 34 من قانون الآثار لعام 2010 والتى تمنع أى جهة من محاكاة الأثر المصرى بأبعاد مطابقة للأصل إلا بموافقة وزارة الآثار المصرية ما هى الإرادة خبيثة لأن بها ثغرات مشينة ويجب أن تُعدل على الفور بما يمنع أى مستنسخات لآثارنا.. لا بالأبعاد الحقيقية ولا بغيرها.. ليه؟؟!!.. تعالوا نضرب مثلاً بالسائح الذى سيشاهد تمثال أبو الهول المستنسخ لأول مرة فى الصين.. ترى ما رد فعله حينما يرى أبو الهول المصرى بعد ذلك؟!.. بالتاكيد سيقول إن هذا الأثر يشبه الذى سبق ورآه فى الصين.. ومن ثم تتحول حضارتنا الفريدة - النادرة- بفعل فاعل- إلى «مسخ» موجود فى كل مكان بالعالم إذا ظلت قوانينا العرجاء كما هى ولم تعدل !!.. الكلام ده معناه أن الأعداء مستمرون فى مؤامرتهم بأساليب متطورة تتماشى مع أهدافهم ومصلحة عملائهم منالخونة. المنتمين لنا اسماً.. وهم بالمناسبة كُثر.. وذلك بعدما فشلوا فى اغتيالنا بالدم والرصاص مرة.. وباسم الدين مرة ثانية.. وبتغيير المناهج وسرقة وحرق أمهات الكتب لعلمائنا ومفكرينا مرة ثالثة !!.

وحتى يعرف القارئ الكريم حقيقة الأمر وما تتعرض له آثارنا.. أقول إننى صُدمت من تصريح أحد مسئولينا الكبار فى الآثار عندما ادعى بأن نسخ أبو الهول فى الصين دعاية كبيرة لآثارنا ولا تؤثر على حصيلة مصر من السياحة الأثرية !!.. ولم يكتف بذلك بل انتقد اعتراض الأثريين المصريين على المستنسخات الأثرية بالخارج.. مكرراً ادعاءه بأن موقفهم ناتج عن عدم فهم كامل لهذا الأمر.. وأضاف أن نسخة أبو الهول الصينية كانت مكسبًا لمصر من خلال زيادة أعداد السائحين الصينيين القادمين لمصر.. كما نصح هذا المسئول بعدم اللجوء لأى جهة دولية لأنه طبقًا للقانون-الأعور طبعاً-هذا حقهم.. ويختتم كلامه قائلاً: أما لو تمثال أبى الهول هذا مطابق للأصل.. فمن حق مصر مقاضاة الصين وغيرها دولياً!!.. ولاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم.

أصحاب الرأى الآخر من المهتمين بهذا الملف ونحن معهم بكل تأكيد.. يؤكدون أن مستنسخ أبو الهول حقق عائداً مادياً للصين يصل إلى سبعة أضعاف ما حققه أبو الهول عندنا فى نفس الفترة !!.. وأن دخل مدينة الأقصر فى مدينة لاس فيجاس قد وصل إلى80 مليار يورو سنويًا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية دون أن نستفيد من هذا المبلغ أو العائد المادى من مستنسخات الصين وألمانيا بمليم واحد.. رغم أن هذا حقنا من هذه المستنسخات حسب القانون الذى ذكرناهً.. وتساءلوا: من الذى أعطى الأمريكان أو سمح لهم ولغيرهم بالحصول على الملكية الفكرية لهذه المستنسخات؟؟!!.. ولماذا تجاهلت وزارة الآثار قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 الذى أصدره مجلس الشعب للمطالبة بحقوقنا من عائد المستنسخات الأثرية بالخارج ؟؟!!.. ثم ما المانع حالياً من قيام الوزارة باستغلال إقبال زوار المستنسخات الأثرية المصرية بالخارج لصالح مصر عن طريق إقامة معارض خارجية للمستنسخات الفرعونية بدلاً من الدول الأجنبية.. خصوصاً وأن لدينا تجربة سابقة بمعرض الآثار المستنسخة فى مدينة ألمانية صغيرة تسمى «نورمبرج» زاره أربعة ملايين ونصف المليون زائر ألمانى.. وقد وصل سعر تذكرة الدخول للمعرض 17 يورو.. أى حوالى 80 مليون يورو.. بما يعادل 800 مليون جنيه مصرى فى هذا التوقيت!!.. ومعرض آخر مستنسخ لعالم آثار مشهور يدعى أريك هورننج لنسخة طبق الأصل لمقبرة توت عنخ آمون ومعها ألف قطعة أخرى مستنسخة أيضاً فى بعض العواصم الأوروبية.. وحقق المعرض ما يزيد على الـ 600 مليون دولار !!.. وكالعادة.. لم تتقاض مصر مليماً واحداً.. واسألوا وزراءنا الأفاضل عن السبب.. ومن الذى سمح لهذا اللص باستنساخ آثارنا حتى يعرضها فى الخارج؟؟!.

لكل ما ذكرناه نتمنى – مجرد أمنية ليس إلا- من مسئولينا فى الآثار وصناع القرار بالدولة.. أن يعجلوا بسد الثغرات الحالية فى قانون حماية الملكية الفكرية.. ومن ثم يبدأوا فى التحرك لطرحه على الجهات القانونية الدوليًة المعنية بالأمر مثل «اليونسكو» وغيرها حتى نستطيع الزام أى دولة بعدم استنساخ أى أثر مصرى تحت أى ذرائع.