رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تنـوع مصـادر الطاقـة.. نقطة الانطلاق للتنمية الشاملة لمصر «١ ــ ٢»


قد احتدم الجدل بين الفـريـقـيـن، فالفريق الأول يتبنى فكرة التوجه لامتلاك التقنية النووية، أما الفريق الثانى فإنه يرى ضرورة تكريس جهود الدولة لإحداث التنمية الشاملة أولا، ثم بعـد ذلك يتم دراسة فكرة التوجه لامتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية.

وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى أهمية توجه مصــر لامتلاك التقنية النووية من خلال الإسراع فى تنفيذ مشروع المحطة النووية فى منطقة الضبعة، حيث يعـتبر هذا التوجه من أهم القضايا المطروحة فى ساحة الفكر على مستوى الدولة المصرية، بل أصبح من أكثر الموضوعات جدلاً بين المفكرين والمثقفين سواء كانوا من داخل الإطار الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط أو من خارجه، أو بين المثقفيـن والمفكرين المصريين أنفسهم، كل يعـتلى منصة حججه يدافع عن وجهة نظره، إذ تدور الإشكالية الأساسية حول ما إذا كان التوجه لدخول مصر فى عـصر التقـنيـة النووية سيؤدى إلى التنمية الشاملة، أم أن إحداث التنمية الشاملة أولاً هى التى ستؤدى إلى امتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية، أيهما يـقـود الآخر، التقنية النووية أم التنمية الشاملة.

وقد احتدم الجدل بين الفـريـقـيـن، فالفريق الأول يتبنى فكرة التوجه لامتلاك التقنية النووية، أما الفريق الثانى فإنه يرى ضرورة تكريس جهود الدولة لإحداث التنمية الشاملة أولا، ثم بعـد ذلك يتم دراسة فكرة التوجه لامتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية، وكأن الفريق الأول قد أسقـط من اعـتباراته وحساباته إحداث هذه التنمية من خلال امتلاك التقنية النووية، ويتركز هذا الخلاف بين الفريقين عـلى منطقة الضبعـة، إذ إن الفريق الذى يسعى إلى إحداث التنمية أولاً يرى فى موقع منطقة الضبعة المخصص لإنشاء أول محطة نوويـة لتوليـد الطاقـة الكهربية موقعـاً سياًحياً فريـداً، يمكن من خلاله اسـتـكمـال محور التنمية السياحية كجزء رئيسى من عـملية التنمية الشاملة لمصر، وذلك بإنشاء المنتجعات والقرى السياحية التى تتكامل مع مثيلاتها شرق وغـرب الضبعة على ساحل البحر المتوسط، وبالتالى يُمكن التوسع فى إنشاء المحطات الحرارية والكهرومائية والشمسية لمزيـد من إنتاج الطاقة الكهربائية اللازمة لإحداث وتحقيق التنمية الشاملة للدولة، بينما يـرى الفريـق الآخر أن الحاجة الاستراتيجية الملحة تفرض ضرورة إقامة المحطة النووية لإنتاج الطاقة النووية فى هذا الموقع، بل إنشاء غـيرها من المحطات النوويـة لتوفير الطاقة اللازمة لإحداث وتحقيق التنمية الشاملة، باعـتبار أن الطاقة الكهربائية تعـتبـر عـصب التقدم.

وحتى يمكن توفـيـر البترول والغاز الطبيعى الذى تستهلكه المحطات الحرارية ذات القدرات المحدودة، والتى تستهلك اكثر من 70% من إجمالى إنتاج مصر، والتى تكلف أكثر بكثير من إقامة محطات نووية ذات قدرات فائقـة، يإعـتبار أن الحرارة المتولدة من إنشطار رطـل واحـد من الـيـورانـيـوم تعـادل الحرارة المتـولـدة من إحتراق1250 طن فحم، أو ما يعادل إنتاج 11 مليونكيلووات ساعة من الكهرباء، وبالتالى فإن لم تسارع مصر فى دخول عـصـر الطاقة النوويـة ستعـتمـد الدولة المصرية على ما تستورده من البترول والغاز الطبيعى على المدى المتوسط، وهـو ما سيرهـق المقـدرة الاقتصاديـة المصريـة الساعـية لجذب الاستثمارات من الداخل والخارج لإنشاء مزيد من المصانـع التى تحتاج إلى طاقة كهربائية هائلة، كما أن بناء مثل هذه المحطات فائقة القدرة ستؤدى إلى دعـم المقدرة الاقتصادية من خلال تصدير فائض إنتاجها من البترول والغاز الطبيعى، أو من خلال تصنيعه بما يؤدى إلى تراكم القيمة المضافة، بالإضافة إلى ذلك فإنه يُمكن استخدام التقـنية النوويـة فى استخدامات سلمية عديدة كإنتاج النظائـر المشعة اللازمة للتشخيص والعلاج والتعـقـيـم، وكذا المعـالجات الغـذائية بالإشعاع، بل يمكن إستخدام مثل هذه الطاقة الفائقة المتولدة من المحطة النووية فى تحلية مياه البحر - وهـو الأهم - باعـتبار أن مصر دخلت فعلاً ضمن دول الفـقـر المائى. وقـد أبرزت الدراسات التى أجرتها وزارة الكهرباء وتحملت الدولة المصرية تكاليفها الباهـظة مدى جدوى هذا المشروع قياسا بالبدائل المتعـددة الأخرى المتاحة لإنتاج الكهرباء، حيث أبرزت هذه الدراسات أولا مدى إحتياج مصر لإنتاج ما لا يقل عن ثلاثـة آلاف ميجاوات من الكهرباء سنويا، وهـو ما لا يمكن توفيره بواسطة أى من البدائل المطروحة، كما لا يمكن نقل هذا المشروع الحيوى جداً لإحداث التنمية الشاملة لمصر وذلك لحجم الاستثمارات التى تم إنفاقها فى هذا الموقع، والجهد والوقت الذى تم استغـراقه فى تـنـفيـذ الأعـمال الابتدائية المؤهلة لتـنـفـيـذ هذا المشروع العملاق، خاصة تلك التى تختص بمواصفات الأمان التى تتسق مع المعايير العالمية والتى أصبحت متيسراً بما يضمن عنصر الأمان المطلوب توفيره فى مثل هذا المشروع.

وللتدليل عـلى مدى الأهمية المطلقة لإنشاء هذه المحطة النووية من وجهة نظر هذا الفريق فإنه يمكن وضع تجربة كوريا الجنوبية موضع التطبيق، فعـندما امتلكت كوريا محطة نووية واحدة استطاعـت أن تـنـتـقـل من تصنيف الدول متـدنـيـة الدخل إلى تصنيف الدول متوسطة الدخل، وعـندما امتلكت أربع محطات نوويـة استطاعـت كوريـا أن تحتـل المرتبـة الرابعة فى قارة آسيا والمرتبة الثالثة عـشرة فى العالم فى معـدل الإنماء، وتحـتـل المرتـبـة الخامسة عـالمياً فى تصديـر السيارت، وتأتى فى المرتبة الأولى عـالمياً فى مجال بناء السفن وتصنيع القطارات فائقة السرعـة «350 كم / ساعة»، وعـندما تستكمل كـوريـا بناء محطات تولـيـد الكهرباء نـوويـا ليصبح إجمالى عـددها 28محطة، فسوف تتمكن من استكمال مخططها الاستراتيجى للتنمية الشاملة، وتتمكن من تحقيق صعـودها المتسارع لتنتقل إلى مصاف الدول الكبرى، إن لم تنتقل إلى مصاف الدول العـظمى اقتصادياً وعـلمياً وتكنولوجياً واجتماعـياً، فهل يمكن أن تنهج مصر ذات النهج الذى اتبعـته كوريا الجنوبية التى استطاعت به أن تحتل هذه المكانة الإقـلـيمـية والدولـية الرفيعـة؟ وفى هـذا السياق يجدر الإشارة إلى أن مصر قـد تلقـت عـرضاً ممتازاً من ألمانـيـا لإنـشـاء مفاعـل الضبعـة، ولكن الأمر الغـريب هـو التدخل المريب للولايات المتحدة الذى حال دون إتمام هـذا العـرض !

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد