رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أجل الحفاظ على آثارنا..أتكلم


وليعلم أهل الاختصاص قبل القارئ العادى أن وزارة الآثار الآن على المحك لأسباب واضحة للعيان.. فالعديد من الأثريين كانوا يأملون خيراً كثيراً بعد أن تولى الوزير الجديد منصبه.. لكن سرعان ما فقدوا هذا الأمل بسبب السياسات المتخبطة التى يتبعها بمنح مسئولياته لغيره من ناحية.

بعد أن نشرت مقال الأسبوع الماضى.. تحت عنوان «أثريون يتساءلون عن مهام وزيرهم الجديد وأهم قراراته».. جاءنى رد طريف جداً من شاب أثرى يكشف لى فيه عن وجود حملة منظمة فى وزارة الآثار ستظهر خلال الشهر الجارى للمطالبة برجوع وزير الآثار الأسبق د. زاهى حواس إلى منصبه مجدداً بعد أن تركه لأربعة وزراء بعده.. الكلام ده جميل جداً ويعجبنى أنا شخصياً بصفة خاصة لأسباب عديدة منها أن «د. حواس» شخصية مشهورة وذات ثقل دولى.. ولأننى أعرف قدرات الرجل جيداً مقارنة بمن أتى بعده أو حتى من كان قبله من المسئولين والوزراء فى الترويج للسياحة المصرية بشكل عام والأثرية منها بشكل خاص.. فإننى –كما قلت- أرحب بعودته لتولى مهامه فى هذه الوزارة المنكوبة والتى شهدت انتكاسات وسرقات وإهداراً للمال العام بشكل فاق كل تصور منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.. واعتقد أن «د.حواس» يعرف ذلك جديداً.. لأن الجزء الأكبر من هذه الانتكاسات حدث فى عهده.. بل وقد ناله اتهامات عديدة لم تزل قيد الحديث على ألسنة الأثريين والمتابعين لملف الآثار وإن كان القضاء قد برأه منها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر سنذكر بعض المعلومات عن تكليف «د. حواس» فى فترة «ما» للجنة تسمى «استرجاع آثارنا المهربة للخارج» بطريقة غير شرعية برئاسة صديقه الشخصى السفير السابق عبدالرءوف الريدى.. وقد بدأت هذه اللجنة أعمالها بملفين مهمين هما: «حجر رشيد» من المتحف البريطانى بإنجلترا.. و«رأس نفرتيتى» من متحف برلين فى ألمانيا.. طبعاً ده شىء كويس جداً.. لكن إللى مش كويس بقى خاااالص أن تلك اللجنة تقاضت مبالغ مالية فاق ما هو متوقع منها دون حسيب أو رقيب بشهادة خبراء وعلماء الآثار الذين يتابعون هذا الملف منذ فترة زمنية طويلة جداً وللآن.. وأكدوا أن اللجنة عملت على إعداد بعض السيناريوهات لاسترداد هذه الآثار من الناحية القانونية بداية من عام 2005.. مروراً بالعصر الذهبى لـ«حواس» قبل ثورة 25 يناير عام 2011.. وختاماً بكل ما شهدته الثورة بعد ذلك من تقلبات أدمت قلوبنا جميعاً قبل عيوننا بسبب عبث مافيا الداخل والخارج بآثارنا وتراثنا الحضارى.. وخير شاهد على ذلك سرقة المتحف المصرى بالتحرير وحرق المجمع العلمى وبداخله أهم الوثائق والخرائط الخاصة بالأسرة العلوية.. وكذلك أمهات الكتب ومنها كتاب «شخصية مصر» لعالمنا الفذ د. جمال حمدان.

المهم أنه خلال هذه الفترة تابعنا جميعاً ما نشر فى عدد من الصحف المصرية عن تصريحات «د.حواس» التى يؤكد فيها قرب استرجاع آثارنا بالخارج ومن ضمنهما: «حجر رشيد» «ورأس نفرتيتى».. لكن كما تقول حكمة أبولطيب المتنبى «ليس دائماً تأتى الرياح بما تشتهى السفن».. بمعنى أننا فوجئنا حينئذ أن بريطانيا وألمانيا أعلنتا أنهما لم تصلهما ولو محرر واحد يطالب باسترداد الأثرين المذكورين .. لا من «حواس» ولا أى جهة مصرية أخرى !!.. حتى أن أحد الأثريين الكبار أبدى دهشته من هذا الأمر.. متسائلاً: إذا كان ما قاله «حواس» صحيح.. فلماذا لم يكذب ما أعلنته الدولتان!!.. لذا فإن هذا الموقف المخزى جعل المتابعين للملف يطلقون نقداً لاذعاً للوزير الأسبق.. بل واعتقد بعضهم أن «حواس» تعمد الإدلاء بهذه التصريحات الإعلامية لنيل المزيد من الشهرة و«التلميع» داخل مصر من ناحية.. ومن الناحية الأخرى لحث السلطات البريطانية والألمانية على الاستعانة به فى إلقاء محاضرت بمقابل مادى يتناسب وشهرته العالمية التى وصل إليها وأشياء أخرى سنتحدث عنها فيما بعد.. ولأن الشىء بالشىء يذكر فإن الخمسة آلاف قطعة التى سبق وصرح «د. حواس» باسترجاعها من الخارج.. هى عبارة عن حوالى أربعة آلاف «زلطة» وألف قطعة أخرى متهالكة «مسطردة».. وقد استغنت عنها بريطانيا لعدم جدواها العلمية والتاريخية.. أو عملاً بالمثل القائل «لو كان فيها الخير ما كنش رماها الطير».. وجميعها موجود الآن فى مخزن الخارجة بـالوادى الجديد لمن يريد معرفة الحقيقة.

والغريب أننا منذ أيام تابعنا ظهور «د. حواس» من جديد بجوار د. خالد العنانى فى العديد من المناسبات .. وهو الأمر الذى فسره المتابعون بخشية الوزير الجديد من رجال «د. حواس» داخل الوزارة وهم بالمناسبة كُثر.. ويستطيعون عرقلة وتشويه أى مجهود يقوم به الوزير الجديد.. خاصة أن هؤلاء يسيطرون على الآثار بشهادة الوزير الأسبق نفسه غير مرة عندما أكد أنه «صنع عشرات.. بل مئات من زاهى حواس داخل وزارة الآثار» !!.. والكلام ده معناه ببساطة شديدة جداً أن سيناريو الحملة التى تجهز الآن للمطالبة برجوعه أمر مكشوف ومتوقع من أنصاره. وحتى يكون كلامنا مجرد نصيحة لصناع القرار من أجل الصالح العام وبصرف النظر من غضب فلان أو علان مما نكتبه.. فإن إعادة سيناريو اشتراك «د. حواس» فى لجنة استرداد آثار مصرالمهربة أمر معروف نتائجه مسبقاً للأسباب التى ذكرنا منها جزءاً يسيراً أعلى المقال.. فضلاً عن أن من يتابع التجارب السابقة لهذه اللجنة ومن عمل فيها سواءً من رجال «د. حواس» المقربين داخل مصر وخارجها أو غيرهم.. سوف يتأكد من إهدار ملايين الدولارات خلال عقدين من الزمن صال وجال فيهما رجل الآثار الأشهر منذ توليه منصب أمين عام مجلس الآثار ثم مديراً عاماً لآثار الجيزة ثم وزيراً للآثار.. ومن لم يصدق هذا الكلام فليرجع إلى سجل نشاط مثل هذه اللجنة وغيرها حتى نستطيع من الآن تحديد البوصلة التى نريد السير باتجاهها حتى نتخذ القرار الذى يحفظ للشعب تراثه وأمواله التى كانت ومازالت مستباحة.

وليعلم أهل الاختصاص قبل القارئ العادى أن وزارة الآثار الآن على المحك لأسباب واضحة للعيان.. فالعديد من الآثريين كانوا يأملون خيراً كثيراً بعد أن تولى الوزير الجديد منصبه.. لكن سرعان ما فقدوا هذا الأمل بسبب السياسات المتخبطة التى يتبعها بمنح مسئولياته لغيره من ناحية.. ومن الناحية الثانية فقدانه لبرنامج واضح يستطيع تطبيقه لإنقاذ الوزارة مما ابتليت به على مدار العقود السابقة.. أما الناحية الأخيرة والأهم فقد وجد نفسه يقفز بالباراشوت على منصب وزير الآثار.. وعلى ما يبدو أنه لم يتوقع هذه القفزة الكبيرة التى أدخلته فى حيص بيص»..!!.. وإلا فليقل لى معاليه على أى أساس عين «د. حواس» رئيساً للجنة العلمية للكشف الرادارى فى الأهرامات رغم أنه ليس خبيراً بعلم الميون والكشف الرادارى والجيوفيزيا حتى وإن كان من أشهر علماء الآثار.. ثم لماذا يتم استبعاد د. محمد عباس-المتخصص فى علم الجيوفيزيا بمعهد البحوث الفلكية والجيوفيزيائية بحلوان- خاصة أن دراساته فى مجال الآثار أثبتت كفاءة عالية من خلال عمله لأكثر من عشر سنوات فى حقل الآثار؟؟!!

للأسباب السابقة كان لابد وأن أنقل هنا ما يدور على ألسنة عدد من كبار المسئولين فى الآثار عندما يقولون إن «حواس» ليس خبيراً قانونياً أيضاً حتى يتم الاستعانة به فى لجنة استرداد آثار مصر المهربة بطرق غير شرعية.. مؤكدين أن هذا الأمر برمته قانونى بالدرجة الأولى.. كما أبدوا اعتراضهم على عودته كوزير أو ليمارس أى منصب آخر بالآثار من باب أنه أدى ما عليه.. والمفترض أن يعطى فرصة لغيره لإدارة شئون الآثار بدلاً من أن ينصب نفسه رئيساً أبدياً وصاحب حق امتياز لأى عمل فى الأثار.