رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد سنتين من انتخابه.. هل تحققت مبادرة الرئيس «٢ - ٢»


صفوة القول فإن ما يدعـو إليه الرئيس فى مبادرته تُعتبر دعـوة خالصة لإحداث الاستقرار اللازم لتعـزيـز فرص السلام، وإتاحة الفرصة الحقيقية لإحداث التنمية الشاملة لجميع وحدات النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، فإذا أريـد لهذا النسق أن يعـيش فى سلام حقيقى داخل إطار تفاعـلى مميـز يهـنـأ فيه الجميع بالاستقرار والأمن المتكافئ، فعـليه بجميع وحداتـه التوصل إلى قـناعة كاملة بجدوى هذه المبادرة أنها ترعى المصالح المشتركة والمتبادلة.

استكمالاً لمقالنا الأسبوع الماضى تحت نفس العنوان نؤكد أن الحقيقة الثالثة تشير إلى أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت تحتل أسبقية متقدمة فى قائمة أولويات مصر، باعتبارها القضية المركزية والمحورية التى تتمحور حولها علاقات الفعل ورد الفعـل بين إسرائيل ومحيطها المباشر من دول العالم العربى الذى يُعـتبر المكون الرئيسى للنسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، وهى القضية التى إذا تم تسويتها على أساس عادل وشامل ودائم لأمكن تحقيق الأمن والسلام الأقليميين، وتغيـرت العلاقات الدولية من صيغتها التصارعية إلى علاقات ذات صيغة تعاونية، وأمكن تحقيق الاستقرار المفقود منذ ما يقرب من سبعين سنة مرت على دول المنطقة فى توتر كامل.

أما الحقيقة الرابعة فتـشيـر إلى أن مصر قـد استردت عافيتها، واستطاعت أن تستعـيـد كثيراً من توازن مكانتها التى فقدتها إبان عام الظلام الذى استولت فيه الجماعة الإرهابية على حكم مصـر، بينما جنت القوى الإقليمية غـيـر العربية خاصة تركيا وإيران مزيـداً من مكاسب تداعيات نظام حكم الجماعة الإرهابية لصالح تحقيق مشروعاتها القومية فى المنطقة، إذ تؤكد تصريحات الرئيس أثناء طرح مبادرته الدور الريادى المصرى فى نسقها الإقليمى والدولى بعـد ردود الأفعال الإيجابية ومن خلال التعاطى الفورى للمحتوى الفكرى للمبادرة والترحيب الكبيـر بها إقليمياً ودولياً.

وفى يقينى أن تصريحات الرئيس فى لقائه الذى طرح فيه المبادرة، تحمل فى طياتها رسائل غاية فى الأهمية والصراحة والوضوح لجميع القوى العربية وغيـر العربية فى النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط التى تمر بلحظات فارقة عبر تاريخها لإعادة رسم خريطته السياسية، وإن الحاجة الاستراتيجية الملحة تفرض على الجميع التكاتف والتلاحم لتحقيق الأمن الإقليمى المتكافئ بما يكفل تحقـيـق الاستقرار اللازم للبناء والتعمير والتنمية والتقدم، أما الرسالة التى أراد الرئيس أن يُوجهها إلى الفلسطينيين فهى ضرورة نبـذ الخلافات بين الفصائل الفلسطينـيـة خاصـة الفـصيليـن الرئيسييـن (منظمة التحريـر الفلسطينيـة «فتح»، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»)، إذ يؤدى الاستمرار فى هذا الخلاف إلى مزيـد من الإنقسام، وإلى مزيـد من عـدم إكثراث الآخرين بالقضية الفلسطينية، بل ربما تؤدى إلى مزيـد من التراجع والجمود، وربما أيضاً إلى تهيئة أنسب الظروف لضم مزيـد من الأراضى العـربية لإسرائيل، خاصة بعـد قيام الكنيست الإسرائيلى بالموافقة على قانون فرض الطابع اليهودى على الدولة العبرية، وقانون قسم الولاء للدولة اليهودية ولرموزها، ثم قيام نتنياهو بعـقـد اجتماع مجلس وزراء إسرائيل على هضبة الجولان وتصريحه بضمها لإسرائيل إلى الأبـد وعـدم عودتها لسوريا مرة أخرى. أما الرسالة التى أراد الرئيس توجيهها إلى إسرائيل ضمنا فهى أن التوجه الجيوبوليتيكى الجائـر، وممارسة سياسة التوسع بالاستيلاء على أراضى الغـيـر فى سيناء، والجولان، والضفـــة الغـربية، للوصول إلى أقـصى حدود آمنة، فلن تحقق لها الأمن والسلام والاستقرار، ذلك لأن قدراتها الشاملة لن تمكنها من تحقيق ذلك حتى لو كان ذلك على المدى البعيـد، لأنها ستظل تحمل فى جسدها ضعـفاً شديـداً يتمثل فى كتلتها الحيوية «مساحة الإقليم وعدد السكان»، حيث يشكل طول حدودها بالنسبة لضيق مساحتها وصغـر عمقها وضآلة حجم سكانها خللاً فى معادلتها الاستراتيجية، كما يتعـيـن عليها أن تدرك أنه لا جدوى من الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها لضمان أمنها وضمان بقائها فى قلب المنطقة، وأن مسيـرة التسوية تحت المظلة الأمريكية وحدها تعـتبـر ضمانة غير كافية ولا جدوى منها، خاصة عـنـد أفول نجمها وصعود قوى عالمية أخرى، فإن أرادت إسرائيل أمناً وسلاماً حقيقيين فعليها إدراك أن للسلام أطرافاً، ينبغى الإتفاق معها أولاً على أسس متوازنة ومتكافئة تضمن أمن وسلامة الجميع، وتصلح لأن تكون إعلان مبادئ لصيانة السلام حسبما تقتضيه المصلحة الإقليمية دون تـغـليب مصلحة قـطرية على أخرى.ولإنجاح هذه المبادرة فعلى جميع الأطراف أن تدرك الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقتهم، خاصة بعـد أن تعاظمت أدوار التكتلات السياسية والاقتصادية فى العالم «الاتحاد الأوروبى ـ النافـتـا ـ الأسيان ـ النمور الآسيوية السبع ـ البركس» فضلاً عـن الولايات المتحدة، والصين، واليابان تعـتبر تكتلات قائمة بذاتها، وأن هذه التكتلات تطل جميعـها على المحيطات الهندى والهادى، وأن جميع هذه التكتلات ترتكز على منطقة الشرق الأوسط لتحقيق مصالح استراتيجية «أمنية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعـية»، فالتكتلات الآسيوية تعـتبـر المنطقة امتداداً طبـيعـيـاً لها، وأن أمنها يـبـدأ من عـنـدها، وتعـتبرها أيضا أسواقاً مفتوحة متاخمة لها، وأن هذه الأسواق يُمكنها استيعاب منتجاتها المطلوب تصريفها كانعكاس صريح للفجوةالتكنولوجية الواسعة بينهما، كما أن الاتحاد الأوروبى يرتكـز على المنطقة العـربية المكون الرئيسى للشرق الأوسط، إذ يستند الأمن الجماعى الأوروبى عـلى دول شمال أفريقيا التى تُشكل عـمقاً استراتيجياً للاتحاد، وعليها ثانياً إدراك أن منطقة الشرق الأوسط تصلح لأن تكون تكتلاً سياسياً واقتصادياً قائماً بذاته، وتكون نموذجاً لإطار إقليمى تفاعلى مميـز، يمكن أن يحـقـق قـدراً كبـيـراً من الاعـتماد المتبادل بين وحداتـه، بما يضمن إحداث نمو حـقـيـقـى وازدهار كبير لجمـيع دوله ما إذا خلصت النوايا وأحسن استغلال موارده وثرواته، بالتعـاون الوثـيق بين جميع دوله، ولذلك فإنه يلزم الاتفاق على مفهوم موحد للأمن الإقليمى، وفى تصورى أن هذا المفهوم لابـد وأن يستنـد إلى قـناعة جميع الأطراف دون استثناء، كى يتم التوصل إلى حلول متكافئة بحيث تضمن حقوق ومصالح الجميع فى تكافؤ تام وتوازن دقيق.

وصفوة القول فإن ما يدعـو إليه الرئيس فى مبادرته تُعتبر دعـوة خالصة لإحداث الاستقرار اللازم لتعـزيـز فرص السلام، وإتاحة الفرصة الحقيقية لإحداث التنمية الشاملة لجميع وحدات النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، فإذا أريـد لهذا النسق أن يعـيش فى سلام حقيقى داخل إطار تفاعـلى مميـز يهـنـأ فيه الجميع بالاستقرار والأمن المتكافئ، فعـليه بجميع وحداتـه التوصل إلى قـناعة كاملة بجدوى هذه المبادرة أنها ترعى المصالح المشتركة والمتبادلة، وأن يسعى الجميع إلى تحقيق التعاون والتكامل على نحو متكافئ بدلاً من التنافر واللاتعاون، التعاون الحقيقى القائم على تحقيق المصالح المشتركة بشكل يضمن ويصون الحقوق، ولعـل تغـييراً من هذا القبيل يتطلب استعـداداً فكرياً مختلفاً ومنظوراً جديـداً لتناول الأمور، وإدراكاً واعـياً لتحليل الواقع والتنبؤ بإحتمالات المستقبل، إذ سيظل النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط عـرضة للاضطراب وعـدم الاستقرار، وربما سيظل كذلك دوماً مرهوناً بإحداث مثل هذا التغـيير وتحقيق هدف هذه المبادرة..والله من وراء القصد، وهو يهدى السبيل.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد