رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسباب انزعاج تركيا من قرار البرلمان الألماني باعتبار الأرمن «إبادة جماعية».. ما سر توقيت تصويت «البوندستاج» رغم العلاقات القوية؟ هل قررت برلين الانضمام إلى قائمة «معاقبي أردوغان»

صوره
صوره

ما الذي جعل البرلمان الألماني "البوندستاج"، يصدّق على قرار اعتبار مذبحة الأرمن التي ارتكبتها القوات العثمانية عام 1915، "إبادة جماعية"، خاصة وأن البلدين يرتبطان بعلاقات وثيقة، وما مدلول القرار فى هذا الوقت الحالي بالتحديد؟.

أولا، البلدان بينهما علاقات استراتيجية منذ الدولة العثمانية وحتى الحرب العالمية الأولى، التي دخلا فيها كحلفاء، قبل أن تتوتر بعد الحرب العالمية الثانية، ثم تبدأ في العودة تدريجيًا مع الدولة التركية الحديثة، وخاصةً خلال الفترة الحالية.

فمن جانب تحتاج ألمانيا لتركيا لإيواء أكبر عدد من اللاجئين إليها بعد الاتفاق التركي الأوروبي بأن تقوم تركيا باستقبال كافة اللاجئين إلى أوروبا، وشعور المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بالإحراج بعد أن تجاوز عدد اللاجئين إمكانيات بلادها.

وعلى الجانب الآخر احتياج تركيا لألمانيا للدخول إلى الاتحاد الأوروبي باعتبارها دولة ذات ثقل كبير داخل أوروبا، وهو ما جعل ميركل تتصرف بشكل يبدو صديقًا لتركيا حيث قامت بزيارة "اسطنبول" قبل نحو أسبوعين من الانتخابات التركية بشكلٍ يخالف الأعراف الدبلوماسية والتي تقول بأنه لا ينبغي إجراء زيارات رسمية لأي بلد قبيل انتخابات رئاسية أو برلمانية؛ لعدم الظهور بمظهر الداعم للطرف الموجود في السلطة كما أنها لم تحضر أيضًا التصويت الذي أيده بالإجماع حزبها "المسيحي الديموقراطي، والحزب الديموقراطي الاجتماعي وحزب الخضر على هذا الوصف

ألمانيا تنضم للقافلة
تأتي إدانة ألمانيا لتركيا لتنضم إلي 27 دولة، اعتبرت الجرائم التي اُرتكبت في حق الأرمن بمثابة إبادة جماعية، وعلي رأسهم "الأرجنتين، بلجيكا، كندا، ايطاليا، روسيا، لبنان، ألمانيا، فرنسا، اليونان وقبرص.

كما تدينها أيضًا، بعض المنظمات في العالم مثل البرلمان الأوروبي، المجلس الأوروبي، مجلس الكنائس العالمي، الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، 43 ولاية من أصل 50 في الولايات المتحدة، إضافة إلي عدد من الاقاليم.

وعلى الرغم من تعدد الدول والمنظمات التي أدانت تلك المذبحة إلا أن تركيا قابلت إدانة البرلمان الألماني بشكلٍ هجومي كبير حيث استدعت سفيرها في "برلين" للتشاور كما وصفت أعضاء البرلمان الألمان من أصل تركي بأنهم ذوو دماء خبيثة وكاذبون كما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أن اعتراف البرلمان الألماني بـ"إبادة الأرمن" على يد العثمانيين سيؤثر بشكل خطير على العلاقات مع ألمانيا، وأنه سيتخذ قرارا بشأن الخطوات التي سترد بها بلاده على القرار.

سر توقيت القرار
وعن سبب إصدار هذا القرار في ذلك التوقيت قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية، إن صدور تلك الإدانة في هذا التوقيت من قبل البرلمان الألماني يرجع إلى سببين أولهما الخلافات الآخيرة بين ألمانيا وتركيا حول اتفاق إيواء اللاجئين واحتمالية تجميد هذا الاتفاق وهو ما يفقد ألمانيا احتياجها لتركيا أما السبب الثاني فهو رغبة ألمانيا في ممارسة ضغوط على تركيا خاصةً مع خوفها من تزايد النفوذ التركي وارتفاع لهجة تركيا تجاه أوروبا وانحسار أسباب رفض انضمامها للاتحاد الأوروبي بما يحرج دول أوروبا إذا عارضت الانضمام.


قرار غير ملزم
وأضاف صادق في تصريح لـ"الدستور"، أنه على الرغم من تلك الرغبة في الضغط إلا أن القرار يبدو صوريًا فقد نأت ميركل بنفسها عن حضور جلسات إقرار الإدانة لتقول إن القرار صادر من قبل البرلمان وليس الحكومة باعتبار أن هناك فصل للسطات داخل بلادها.

وتابع صادق قائلًا، إن هذا القرار لن يكون له أي تأثير على العلاقات بين البلدين فهو مجرد إدانة أخلاقية لجريمة تاريخية ارتكبتها الدولة العثمانية وليس للجمهورية التركية التي قامت منذ عام 1923 أي مسؤولية عنها وأن أكثر من دولة أصدرت تلك الإدانة ولم يؤثر ذلك على علاقتها مع تركيا كما أن ميركل صرحت بأن تركيا وألمانيا يجمعهما حلف "الناتو" العسكري ولا يمكن أن يؤثر عليهما هذا القرار.


سر انزعاج تركيا
وأشار صادق إلى أن تركيا ترفض الاعتراف بتلك المذبحة لأن ذلك سيكون له تداعيات اقتصادية عليها حيث ستضطر لتقديم تعويضات لتلك الجاليات كما أنهم من الممكن أن يطالبوا بحقوقهم في الأراضي التركية، وأيضًا لن تقف تداعيات القرار عند حدود الاعتراف بمجازر الأرمن بل بما جرى أيضا للآشوريين والسريان والكلدان واليونانيين، بل وربما فتح الباب أمام مطالبات تاريخية بأراض وأماكن ورموز دينية بما يمس وحدتها وسيادتها، وهو ما لن تقبل به مهما كلفها الأمر، خاصة أنها ترى أن قوة موقعها الجيوسياسي في الإستراتيجيات والمصالح الدولية كفيلة بإبقاء القضية على هذا النحو ولو لقرن آخر.

وتوقع صادق أن يكون هناك حل لمشكلة اللاجئين بعيدًا عن تركيا خلال الفترة القادمة، كما أكد أن الاقتصاد الألماني أكبر من أن توثر فيه دولة واحدة؛ لأنه له علاقات مع دول العالم إذا كان هناك تأثير يمكن تجاوزه والتغلب عليه وتركيا قد تكون هي الخاسرة بخسارة مستثمريها لأعمالهم في ألمانيا.

أما حسن سلامة، الخبير السياسي فرأى أن ألمانيا اختارت هذا التوقيت لخوفها من تزايد التقارب التركي مع منظمات الإخوان والمنظمات الداعمة للإرهاب فترد ألمانيا بضغوط تحول دون تخفيف حلم الأتراك بإعادة الإمبراطورية العثمانية وتعرقل آلية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

وأضاف سلامة، أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي شئ مستحيل وأن ما يجري منذ سنوات هو مجرد مناورات بينهما تحقق فيها أوروبا مصالحها ولن تعطي تركيا أكثر مما تراه مناسبًا لمصالحها كما أنها لن تفقد ورقة ضغطها على تركيا بضمها إلى الاتحاد.