رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد سنتين من انتخابه.. هل تحققت مبادرة الرئيس «1-2»


أمن واستقرار الشرق الأوسط؟ «نظرة تحليلية» بعـد حوالى سنتين من انتخابـه رئيسا لمصر، وبهدوئه المعتاد، وثقته المعهودة، وأدبـه الجم الذى لا يختـلف عـليه أحد، طرح الرئيس مبادرته التى اتسمت برؤية واقعـية، وتميـزت بالدقة والتحديد والوضوح، وتهدف إلى تحقيق أمن وسلامة واستقرار النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، باعـتباره النسق الذى يشهـد متغيـرات وتحولات مُؤثرة على المعادلتيـن الدوليـة والإقليمية على حـد سواء حيث يُعـتبـر أكثـر الأنساق الإقليمية أهـميـة، بحكم موقعه الجيوستراتيجى الفريد، وبحكم احتوائـه على أهـم مسطحات ومضايق وممرات مائية، واحـتـوائـه على مصالح متشابكة متعارضة للقـوى العـظمى والكبـرى والكيانـات الاقتصادية العـملاقة، حتى غـدا وكانه بـؤرة تركيــز ومحـط أنظـار هـذه القـوى وتلك الكيانـات على مـر التـاريــخ، ومسرحا لنشاطها وتفاعـلاتــها، حتى أصبح ولا يـزال يُمثـل حجـر الزاوية فى بنيان استراتيجيات القوى العالمية والإقليمية التى نشأت على مر التاريخ.

وبالرغم من هذه الأهمية إلا أنه يضم دولا متـنـافـرة تموج بكثير من المشكلات والصراعات، فأصبح يعج بكثير من المتناقضات، فإفتقـرت دوله إلى عـوامل التقـدم إلا قليلا، وتتمثل قمة تناقضه عـندما تلتقى فيه مصالح الدول العـظمى والكبرى والكيانات العملاقة بينما تتفرق فيه مصالح دولـة، حيث تتعـدد فيه الأجناس والأعراق «سامى – حامى – آرى ...إلخ»، وتختلف فيه القوميات «القومية العـربية، الفارسية، التركية،الحبشية، الكردية، الدرزية...إلخ» وتتنوع فيه الحضارات واللغات والثقافات والأديان «يهودية – مسيحية – إسلام ـ أزيدية ـ بهائية ـ وأديان أخرى غـير سماوية»، بل وتعـدد الطوائف والملل والنحل داخل الدين الواحد، وقـد أدت كل هذه المتناقضات إلى نشأة علاقات تنافسية وتصارعـية بين كثيـر من دوله، الأمر الذى أدى إلى تخلفها إلا قليلا من دوله، إلى الحد الذى لم تشهد فيه مجتمعات دوله تقدما حقـيقيـا فى جميع المجالات، كما أصبحت هذه المتناقضات فى الوقت الراهـن سبـبـا فى التمهـيـد لتأجيـج صراعات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية «سنة، شيعة، أقباط، مسلمون، يهود،عرب، فرس، أتراك، أكراد،أحباش، أرمن، وأقليات عـديدة ... إلخ».

أما المحتوى الفكرى للمبادرة فيتضمن حل القضية الفلسطينية التى كانت سببا رئيسيا فى تأجيج الصراع العـربى الإسرائيلى على أساس حل الدولتين، التى نادى بها الرئيس الأمريكى أوباما الذى وعـد العالم بولايات متحدة جديـدة، ووعـد العالم الإسلامى بفجر وشيك، ووعـد العالم العـربى بعلاقات يسودها الإحترام المتبادل، ووعد الفلسطينيين بحل الدولتين، وعـد الجميع بكل شىء، لكنهلم يعـط أحدا أى شىء، وأخـذ يدعـم دولة الشتات، ويقف حائلا دون تحـقـيـق دولة الـفـتـات حلم الفلسطينيين الدائم، فأصبح القائـد السياسى الأكثـر فشلا فى قيادة أقوى دولة فى العالم، كما أن فرنسا قـد طرحت مبادرة أخرى ودعت الأطراف إلى الاجتماع فى باريس فى 3 يونيو القادم، رفضها رئيس الوزراء إسرائيـل تحت زعم أن المبادرة الفرنسية تتهم إسرائيل بعـدم الحيادية، وأنهيُـفـضل لقاء الرئيس الفلسطينى بباريس، هكذا لاقت مبادرة الرئيس المصرى ترحيبا كبيرا من جميع الأطراف، فهى تدعو الفلسطينيين والإسرائيلييـن على حد سواء إلى بذل الجهود المخلصة والجادة لإيجاد حل للقضية التى تسببت فى إحداث التوتـر وإتسمت بالحساسية والتعـقيـد، ليسود الاستقرار والأمن المتكافىء المنطقة يأسرها، لتهيئة أنسب الظروف لإحداث التنمية الشاملة للجميع، وأن حل الدولتين هو الحل العادل والشامل والأكثـر رشدا وحكمة لتحقيـق الاستقرار والأمن المفقودين فى المنطقة، حتى ولو كان هذا الحل بضمانات محددة، وأن مصر يمكنها أن تلعب دورا محوريا لمساعـدة أطراف القضية لتحقيق هذا الحل، وفى هذا السياق فـقـد صرح بنيامين نتنياهو- رئيس وزراء إسرائيل- بأنه يسعى إلى تشكيل حكومة موسعة، تكون قادرة على مواصلة السعى لإجراء مسيرة سياسية مع الفلسطينيين بمساعدة أطراف إقـليميـة.

وبالدراسة المتأنية والتحليل الدقـيـق لمبادرة القائد السياسى المصـرى يمكن أن نخلص إلى كثير من الحقائق أبرزها الحقائق التالية:

فالحقيقة الأولى تشير إلى أن هذه المبادرة تُعـتبـر هى الأولى من نوعها التى يطرحها رئيس مصرى بهـذا الوضوح والدقة والتحديـد، وأنها تهدف إلى تحريـك القضية الفلسطينية، وإنتشالها من حالة الجمود والنسيان، ووضع نهاية للصراع العـربى الإسرائيلى المزمن، وتحقيـق سلام عادل وشامل ودائم، يضمن الأمن المتكافى والاستقرار الكامل فى المنطقة، وأن مصر مؤهلة لمساعـدة الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى بحكم مكانتها ومسئوليتها التاريخية والقيمية والقومية.

أما الحقيقة الثانية فتشيـر إلى أن بنيان هذه المبادرة ومحتواها الفكرى يتسقان إتساقا كاملا مع مفهوم مبادرات الفعـل فى أدبيات العلوم السياسية، فهى تُعـبـر عن رؤية مـصــــر للحل المتوازن والمتكافىء الذى يراعى مصالح جميع الأطراف فى تكافـؤ تام، من خلال إحداث التفاهم الكامل بين جميع الأطراف على إتفاقات إجرائية تؤسس وتضمن تحقيق الهدف النهائى منها، والاتفاق على تشكيل مجموعـة عـمل على أعلى مستوى تضم داخلها ممثلى جميع الأطراف، للتخطيط الدقيق لأفضل أسلوب لتحقيق الأهداف المنشودة من هذه المبادرة، وتحديـد آليات وأدوات تنفيذها، على أن تكون هذه التفاهمات والاتفاقات المؤسسية والإجرائية ملـزمة لجميع الأطراف للتوصل للحل المتوازن الذى يراعى مصالح الجميع فى تكافـؤ تـام، مع ربطها بجداول زمنية محددة، وتشير الحقيقة الثالثة إلى أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت تحتل أسبقية متقدمة فى قائمة أولويات مصر، باعتبارها القضية المركزية والمحورية التى تتمحور حولها علاقات الفعل ورد الفعـل بين إسرائيل ومحيطها المباشر من دول العالم العربى الذى يُعـتبر المكون الرئيسى للنسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، وهى القضية التى إذا تم تسويتها على أساس عادل وشامل ودائم لأمكن تحقيق الأمن والسلام الإقليميين، وتغيـرت العلاقات الدولية من صيغتها التصارعية إلى علاقات ذات صيغة تعاونية، وأمكن تحقيق الإستقرار المفقود منذ ما يقرب من سبعين سنة مرت على دول المنطقة فى توتر كامل.