رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لوزارة الداخلية فى يوم الوفاء


فى الأسبوع الماضى وبدعوةٍ كريمةٍ من اللواء خالد عبدالعال- مساعد وزير الداخلية لأمن القاهرة- شرُفتُ بحضور احتفال وزارة الداخلية بيوم الوفاء، وهو احتفالٌ سنوى درجت عليه الوزارة لتكريم قدامى الضباط ممن كانت لهم إسهاماتٌ بارزة فى أداء الرسالة الأمنية. ومما لاشك فيه أنه تقليدٌ محمود تمنيتُ لو انتهجته كلُ وزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة فهو لا يعود بالأثر النفسى الطيب على المكرمين فحسب، ولكنه يُرسّخ قيمةً نبيلةً فى المجتمع بأسره وهى قيمة الوفاء والاعتراف بالفضل لأهله، ويؤكد أن مصر لا تنسى أبداً أبناءها المخلصين، وبالتالى يكون المردود لدى العاملين بالدولة مزيداً من الجهد والتفانى والإخلاص، وبما ينعكس إيجابياً على ملحمة الإصلاح والبناء والتنمية التى تخوضها مصر الآن. وعلى الجانب المقابل لهذه الرؤية، يحزننى كثيراً اعتيادُ بعض المسئولين عند تحدثهم عن أعمالهم تعمدِ إغفالِ أى دورٍ لمن سبقوهم، وإظهارُ أنفسهم وكأنهم أول من اكتشف المشكلة وأول من تصدى لها، وتزداد الدهشة حينما يأتى حديثهم بصدد مشكلاتٍ يعلم الجميع أن الدولة بدأت فى رصدها والاهتمام بها منذ سنواتٍ طويلة، مثل تطوير العشوائيات وإصلاح منظومة التعليم والصحة وتحديث البنية الإعلامية وغيرها من الملفات التى وإن كانت تشهد الآن جهوداً جبارة وإنجازاتٍ هائلةً، إلا أن ذلك لا يبرر إطلاقاً نسيان أو نكران ما سبق من جهودٍ وإنجازات وكأن الدولة المصرية ذات الحضارة العريقة تبدأ حياتها من الصفر.

أعود إلى وزارة الداخلية التى أرى أن الوفاء لها من جانب أبنائها لا يكون بامتداح أدائها والإشادة بجهودها بقدر ما يكون برصد أوجه الخلل ومواطن الضعف بُغيةَ الإصلاح والارتقاء بمستوى الأداء، ومن هذا المنظور يحضرنى الآتى: «1» إذا كان الأداء الأمنى بصفةٍ عامة يشوبه بعض القصور المهنى نتيجة ضعف الإمكانيات المادية أو انحسار مساحة ونوعية التدريب أو اضمحلال قنوات التلقين بالخبرات المكتسبة، فإن ذلك القصور يأتى فى الإطار الطبيعى المألوف لأى عمل ولا ينتقص أبداً من التقدير الواجب لنجاحات وتضحيات أجهزة الأمن على مختلف المحاور، كما أن الجهود المبذولة للتصحيح والتحسين لا يمكن إنكارها، ولكن الشىء الأهم الذى أرى الانتباه إليه هو افتقار غالبية رجال الشرطة بمستوياتهم وفئاتهم المختلفة، للحس السياسى فى تعاملهم معالأحداث سواءً ميدانياً أو اعلامياً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عمل رجل الشرطة رغم كونه فى الأصل عملاً تنفيذياً، إلا أن القائم به - بخلاف نظيره فى أى عمل تنفيذى آخر - لابد أن يتمتع بالحرفية السياسية التى تُعدُ من العناصر الرئيسية الداعمة لعمله ونجاحه. ومما يساق كمثالٍ على ذلك واقعة مستشفى المطرية التى صار المخطئُ فيها بريئاً والمجنى عليه متهماً نتيجة افتقاد الاحترافية السياسية لدى رجال الأمن القائمين على ضبط الواقعة أو المتحدثين عنها إعلامياً، وكذلك كان الأمر فيما عُرف بأزمة نقابة الصحفيين، وأخيراً أحداث «قرية الكرم» بمركز أبى قرقاص بالمنيا، حيث تأخر البيان الأمنى عن حقيقتها فانطلقت المنابر الإعلامية لتقول ما تشاء، وتوارت القيادات الأمنية عن المشهد وتركت الساحة لغيرها من المؤسسات المعنية وغير المعنية، حتى باتت الواقعة لدى الرأى العام كعراكٍ طائفى فى حين أنها لا تعدو أن تكون شجاراً عادياً بسبب السمعة والشرف كان طبيعياً أن يحدث حتى ولو كان طرفاه من ديانةٍ واحدة. «2» مازالت أجهزة الأمن تعانى حتى الآن من افتقاد الهيبة المعنوية الواجبة لها كسائر أجهزة الأمن فى العالم، بحسبانها ركيزة مهمة لتحقيق رسالتها الأمنية، وأعتقد أن لذلك أسباباً عديدة أهمها اعتياد التنكيل المفرط - إعلامياً وإجرائياً - برجال الشرطة كوسيلةٍ سهلة فى كثيرٍ من الوقائع لإرضاء الرأى العام، وهنا أكرر ما سبق أن طرحته بضرورة تقنين منع الحبس الاحتياطى لرجال الشرطة فى الجرائم التى تقع أثناء أو بسبب أداء عملهم الرسمى، مع إنشاء دوائر جنائية خاصة لتلك الجرائم ويتم الإحالة إليها وفقاً لضوابط إجرائية تحقق العدالة وتحافظ على مكانة الهيئة. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.