رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطر فى المنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى «2-2»


أصبحت روسيا على يقين تام بأن الولايات المتحدة ستفضل البديل الذى يضمن عـدم المواجهة المباشرة معها، ولذلك ستعمل على نشأة حالة استقطاب جديدة وإدارة حرب باردة معها، وستسعى إلى إحياء حلف بغداد القديم ببناء تحالف يضم القـوى غـيـرالعـربية «إسرائيل تركيا إيران» إلى جانب دولة قطر العـربية، وأن قطر ستكون هى المرتكز والمقـر والمستودع لتحقيـق هدف الولايات المتحدة المرحلى فى منظورها الجيوبوليتيكى.

استكمالاً لمقالنا الأسبوع الماضى تحت نفس العنوان نشير إلى أن توازن الرعـب قـد يُؤدى إلى التعاون بينهما لإيجاد البدائل لحل إحدى الأزمات الطارئـة التى قد توتر العلاقات وتصعـيدها إلى حدودها القصوى، حتى لو كان هذا التعاون آنياً، والاعـتبار الثانى هو أن الولايات المتحدة تدرك أن روسيا لن تنسى هزيمة القوة السوفييتية العـظمى الساحقة من المعسكر الغـربى بقيادتها، وحولته الى أنقاض دول وبقايا شعـوب فى حرب باردة، وتمكنت بعـدها من بناء نظام عالمى جديـد تربعت على قـمته وانفردت فيه بالنفوذ على الساحة الدولية، ولذلك فإن روسيا لن تكرر أخطاء الاتحاد السوفييتى السابق، ويتعـيـن عـليها إيجاد أدوات جديدة لتحقيق الأهداف.

والاعتبار الثالث هو إدراك روسيا بأن الولايات المتحدة تتعامل معها على أنها ما زالت تُمثل قطبا عالمياً من الزاويتين الأمنية والعسكرية على الأقل، خاصة بعـد أن تنازلت أوكرانيا لروسيا عن ترسانتها النووية التى ورثتها عن القوة السوفييتية العـظمى والتى تُعـد ثالث أكبر قوة نووية فى العالم، كما تتحسب الولايات المتحدة للتناقض الكبير بينها وبين روسيا فى كتلتيها الحيوية «مساحة الإقليم وتعـداد السكان»، فبينما تبلغ مساحة روسيا ضعـف مساحة الولايات المتحدة تـقـريـبـا «17مليون كم2 مقابل 9.9 كم2».

وهو ما يسمح لها بتوزيع ونشر أهدافها الاستراتيجية والحيوية بما يضمن توفيـر الحماية الكافية، فإن تعـداد سكان الولايات المتحدة يُعـد أكثر من ضعـف تعـداد روسيا «317 مليون نسمة مقابل 146 مليون لروسيا» مما يجعل كثافة السكان/كم2 فى الولايات المتحدة أكثر من ضعف الكثافة السكانية /كم2 فى روسيا، وبالتالى ستتكبـد الولايات المتحدة ضعـف خسائر روسيا عـند استخدام أسلحة التدمير الشامل، الأمر الذى يُؤدى إلى عدم مغامرة الولايات المتحدة وحلفائها للدخول فى حرب لا تبقى ولا تذر مع وريثة القوة السوفييتية العـظمى حتى ولو كان ذلك من أجل أوكرانيا.

وترتيباً على ماسبق من اعتبارات يأتى الاعـتبار الأخيـر وهو الأهم، إذ أصبحت روسيا على يقين تام بأن الولايات المتحدة ستفضل البديل الذى يضمن عـدم المواجهة المباشرة معها، ولذلك ستعمل على نشأة حالة استقطاب جديدة وإدارة حرب باردة معها، وستسعى إلى إحياء حلف بغداد القديم ببناء تحالف يضم القـوى غـيـرالعـربية «إسرائيل تركيا إيران» إلى جانب دولة قطر العـربية، وأن قطر ستكون هى المرتكز والمقـر والمستودع لتحقيـق هدف الولايات المتحدة المرحلى فى منظورها الجيوبوليتيكى، والذى يُعـتبـر هدفها النهائى فى منطقة الشرق الأوسط، وهو تفكيك وتقسيم وتفتيت الدول العربية المركزية إلى كنتونات ضعيفة، وتوطيـن شعـوبها على أساس عـرقى أو دينى أو طائفى أو مذهبى، وترسيم الحدود النهائية بينها بما يتمشى مع تركيبة الشعـوب، وتصحيح حدود سايكس بيكو، وهو ما يُعـرف بمشروع « إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبيـر» الذى يضيق ويتسع وفقاً لمنظورها، فجعـلت حدوده تنطبق على حدود العالم الإسلامى، ثم يتم تقسيم المنطقة إلى منطقتى نفوذ، وإيداعهما لدى تركيا وإيران مؤقتاً، حتى تتمكن من تركيز جهودها الرئيسية للتفرغ للقوى العالمية الصاعـدة «روسيا وريثة القوة السوفييتية العـظمى والتنين الصينى» الذى يرتقى سلم التنمية الشاملة بمعدلات تنمية عالية وسريعة غير مسبوقة، وصعـود عـسكرى وبحرى ملحوظ.

فهل يُمكن ربط ما أعلنته قطر باستعدادها للتعاون العسكرى مع إيران، مع إمكانية إقامة قاعـدة إيرانية على أراضيها بالمحتوى الفكرى للمنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى لبناء التحالف الإقليمى، وما هو تأثيـر القاعدة العسكرية الإيرانية عـندما تكون إلى جوار قاعدة العديد والسيلية الأمريكيتين والقاعدة التركية التى تم إقامتها بالأمس القريب، هل ستكون هذه القواعد أساساً للتعاون الاستراتيجى بين دول التحالف الإقليمى، وتأكيداً على تعـظيم الدور الإيرانى، وبرهانا على انضمام قطر لهذا التحالف، ودليلاً على أن قطر تسعى إلى تحويل الارتباط الاستراتيجى مع الولايات المتحدة إلى ارتباط عـضوى كارتباطها بـإسرائيل، كى يبقى نظامها بمنآى عن التهديدات المحتملة، وتبقى قطر بمأمن من العـمليات الإرهابية.

والآن هناك سؤال يطرح نفسه وهو، ألم يُدرك العالم العـربى حتى الآن مدى انحطاط السلوك السياسى للولايات المتحدة الذى تحكمه القوة والمصالح غالباً، ويحكمه القانون الدولى نادراً؟!، ففى الوقت الذى تقوم فيه الولايات المتحدة بتعـظيم أدوار القوى الإقليمية غير العربية خاصة إيران، تُلقى باتهاماتها على الدول العـربية وجعلتهم رعاة للإرهاب عـندما وافق مجلس الشيوخ الأمريكى على مشروع قانون «العدالة ضـد رعاة الإرهاب» يتيح للقضاء الأمريكى بمحاكمة الحكومة السعوديـة التى تُعـتبر أكثـر الوحدات السياسية فى المنطقة قرباً لها، وهو ما يُمثـل قـمـة الانحطاط السياسى، ليحصل أهالى ضحايا 11 سبتمبـر بمقتضى الأحكام على تعـويضات، ومن الطبيعى أن يوافق مجلس النواب الأمريكى على المشروع بالتبعية ويُحيله للرئيس الأمريكى ليتخذ قراره من بين البدائل المتاحة، وهى إما أن يصدق عـليه، وإما أن يستخدم حق الاعتراض «الفيتو»، وإما أن يتركه للرئيس القادم ليتخذ ما يراه مناسباً لسياساته فى إدارة شئون بلاده فى فترة رئاسته التى تبدأ فى يناير 2017.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد