رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى أحداث الطائرة المنكوبة


لا شك أن واقعة سقوط طائرة مصر للطيران فى البحر المتوسط فجر الخميس 19/5/2016 بعد إقلاعها من مطار شارل ديجول بباريس فى طريقها للقاهرة وعلى متنها 66 راكباً، هى كارثةٌ بكل معانى الكلمة، وهى ما جعلها محلاً لاهتمام كل المصريين مع ما اعتراهم من مشاعر الحزن والقلق والترقب...

... وهو الأمر الذى يجيز للمهتمين بالشأن العام تناولها من زواياهم المختلفة ولكن بشرط الهدوء والإخلاص والموضوعية. فى البداية ودون مبالغةٍ أو مجاملة، تجب الإشادةُ بكفاءة وبراعة الدولة المصرية فى إدارة الأزمة والإجراءات التى اتخذتها منذ بدايتها حتى الآن وهذا ما شهد به الجميع.كما تجب الاشادةُ بالإعلام المصرى الذى كان على مستوى الحدث واضطلع بمسئوليته بقدرٍ غيرِ مسبوقٍ من الاتزان والدقة والمهنية والحس الوطنى، ولا يقدح فى ذلك حالة اللغو والتكرار الممل التى اتسمت بها أسئلة السادة الحاضرين للمؤتمر الصحفى للسيد وزير الطيران ظهر يوم الحادثة، فأظن أن تلك الحالة كانت من هول المفاجأة والتنافس على السبق والظهور الصحفى، وهى حالةٌ كانت عابرةً ولم تنل من تميز الإعلام المصرى فى تناول الأزمة.

أنتقل إلى لب الموضوع الذى تغير عنوانه من الطائرة المفقودة إلى الطائرة المنكوبة بعد العثور على أجزاءٍ من حطامها على بعد 290 كيلو متراً من ساحل الإسكندرية، وهذا آخر مستجدات الأزمة حتى كتابة هذه السطور. وحيث اتفق المتخصصون والمعنيون بالتحقيق على عدم إمكانية الجزم بأسباب الحادث إلا بعد العثور على الصندوقين الأسودين وتحليلهما وانتهاء التحقيق على كل المسارات، كما أن السبب فى سقوط الطائرة عقب اختفائها بهذا الشكل المفاجئ من شاشة الرادار، لا يخرج عن أربعة احتمالات وهى العمل الإرهابى أو الخلل الفنى فى الطائرة أو خطأ الطيار أو العوامل الجوية الطارئة، فإننى أعتقد أن أسوأ الاحتمالات بالنسبة لمصر هو الاحتمال الثانى، فى حين أن أسوأ الاحتمالات بالنسبة لفرنسا هو الاحتمال الأول، وبطبيعة الحال فإن كل دولةٍ ستحرص على استبعاد الأسوأ بالنسبة لها، مع حرصهما الشديد فى الوقت نفسه على علاقتهما الوطيدة التى تشهد الآن نمواً وحيويةً لم تشهدهما من قبل. من ناحيةٍ أخرى وفى ظل الصعوبات البالغة التى تعيق جهود البحث والتحقيق فى مثل تلك الحوادث والتى قد تستغرق عدة سنوات، فإن عدم العثور على الصندوقين الأسودين- وهو أمرٌ واردٌ لأسبابٍ عديدة - يمكن أن يختزل القضية فى مجرد ادعاءاتٍ على أُسسٍ من الأقوال المرسلة وليس على أسسٍ من الأدلة الفنية القاطعة، ولذلك أظن أن المزاعم التى أطلقتها بعض المنظمات والأبواق الغربية، مثل ما قِيل عن انبعاث دخان داخل الطائرة قبل اختفائها أو الحديث الطائش عن انتحار الطيار، كلها تأتى من قبيل تلك الأقوال المرسلة التى يُرادُ لها أن ترسخ فى الأذهان ليسهُلَ الارتكانُ إليها فيما بعد حينما تغيبُ الحقيقة الدامغة عن أسباب الحادث.

من هذا المنظور السابق وباستقراء مستجدات الموضوع الماثلة، نستطيع استشراف الآتى : «1» إن إجراءات البحث والتحقيق قد تستمر لسنواتٍ طويلةٍ دون أن تسفرَ عن حقيقةٍ كاملة. «2» استبعاد الاحتمالين الثالث والرابع المتعلقين بالطيار والعوامل الجوية، حيث إنهما من الظواهر المادية التى يسهل الاستدلالُ عليها بطرقٍ عديدة من بينها تسجيلات مراكز المراقبة الجوية. «3» ربما يتم إنهاء مسألة التعويضات المستحقة لذوى الضحايا بالاتفاق والمشاركة بين الدولتين المعنيتين بالواقعة. «4» يبقى بعد ذلك الاحتمالان الأول والثانى للحادث، واللذان لا أتصور حدوثهما إلا بفعل أجهزةِ استخباراتٍ دوليةٍ قويةٍ وقادرةٍ على الاختراق بما لديها من إمكانياتٍ ماديةٍ وتكنولوجيةٍ متطورة، ومع افتراض عدم وصول جهود البحث والتحقيق وفقاً للمعاييرالفنية المعتمدة إلى نتائج محددة فى هذا المضمار، فإننى أعتقد أن أجهزة الأمن الفرنسية والمصرية يمكن أن تتوافر لها المعلومات المطلوبة فى هذا المجال مع عدم إمكانية الإعلان عنها لدواعٍ سياسيةٍ، وحينئذٍ هل يجوز لنا أن نتوقع رداً استخباراتياً من كلتا الدولتين؟ حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.