رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطر فى المنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى «1-2»


، إذ يهدف هذا التغـيير الحاد إلى تحقيق أحد المسارات الرئيسية للمنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى، حيث سيؤدى إلى بناء تحالف يضم القـوى الشرق أوسطية غـيرالعربية «إيران وتركيا وإسرائيل» بالإضافة إلى قطرالعـربية لإضفاء صفة التحالف الإقليمى عليه، وتضمن ميـل ميزان التوازن الاستراتيجى فى المنطقة لصالحها، وتتمكن من إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبيـر وتجعـل حدوده تنطبق على حدود العالم الإسلامى، فهل يتمكن هذا التحالف الإقليمى من تحقيق هذا المسار؟

ولكى نؤسس للإجابـة عن هذا السؤال، فإنه ينبغى توضيح واقع الموقف الاستراتيجى الراهن لأطراف هذه المعادلة أولاً، وتوضيح الاعتبارات الرئيسية التى تتحكم فى موقف كل طرف ثانيا، فقد أدركت قطر أنها تحمل فى كتلتها الحيـوية «مساحة الإقليم وعـدد السكان» ضعـفـًا شديـدًا، لكنها تحتل موقعًا استراتيجيًا مميزًا عـلى الشاطىء الجنوبى للخليج العـربى، إذ تبلغ مساحتها الكلية11 ألف كم مربع فقط وتشكل المياه 1٫1 % من هذه المساحة، ويبلغ تعدادها حوالى 1٫8 مليون نسمة منهم حوالى360 ألفًا بالتجنيس، تواجهها إيران وتظاهـرها السعـودية «القوتيـن الأكبر والأقوى فى منطقة الخليج بعد انهيار العراق»، ويبلغ ناتجها الإجمالى150 مليار دولار، يحقق 100 ألف دولار/ فرد / سنة «أعلى معـدل فى العالم»، تنتقل فيها السلطة تلقائيًا نادرًا وعن طريق التآمر غالبا، حيث انقلب الأمير السابق على أبيه، بينما انقلب الأمير الحالى عـلى أبيه وأخيه، ويبدو أن الأميـر القادم سينقلب على أمه وأبيه وفصيلته التى تأويه، وإتساقًا مع هذه المعـطيات فإن التهديد الوحيد الذى يهدد هذا النظام هو إسقاطه من الداخل، ولذلك اندفع بكل قواه إلى الولايات المتحدة ليُقدم لها وطنه عـربونًا لحمايته وبقائه ويكون تحت وصايتها وحمايتها، فرحبت الولايات المتحدة بعـد أن أدركت عمق التحولات التى بدأت تطرأ عـلى بنيان النظام الدولى الراهن لتحوَله إلى نظام تتعـدد فيه الأقطاب وإن لم تتبلور ملامحه بعـد، الأمر الذى قـد ينشأ معه حالة استقطاب تقود إلى بناء تحالفات وتحالفات مضادة، وهدم توازنات قائمة وبناء توازنات جديدة، فسارعت وعـقدت اتفاقًا للتعاون والدفاع المشترك مع هذا النظام !.

ولكى تضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ اتخذت قرارًا بالتواجد الدائم واحتلال هذه البقعة ذات الأهمية الإستراتيجية البالغة، وجعـلت منها أكبر حاملة طائرات ثابتة، فأقامت قاعـدة جوية ضخمة فى منطقة العُديـِد جنوب غـرب الدوحة، وجهزتها بمدرج للطائرات يُعـد من أطول الممرات فى العالم، يمكنه استقبال أكثر من 100 طائرة بما فى ذلك القاذفات الثقيلة، وتتمركز بها المجموعة 319 استطلاع جوى ومجموعة القتال الجوى  379 Air Expeditionary Wing الأمريكيتين، وتعـتبر القاعدة الوحيدة فى المنطقة التى تتمركز بها طائرات التزود بالوقود، وتتمركز بها أيضًا مجموعة القتال الجوى NO.38 البريطانية والتى تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاع جوى، ونقلت الولايات المتحدة مركز القيادة والسيطرة من قاعـدة الأميـر سلطان الجوية بالسعـودية إلى هذه القاعـدة، كما أنشأت قاعـدة السيلية لتكون مركزا للدعم الفنى واللوجيستى والإمداد والتموين، وصيانة وإصلاح الأجهزة والمعـدات العسكرية، ويتم فيها تصنيع الدبابات والصواريخ والطائرات التى تذهب بشكل مباشر الى اسرائيل، وجهـزتها بمخازن طوارىء للأسلحة والمعـدات والأجهزة والذخائر والدبابات بما يكفى إعداد وتشكيل فرقة مدرعة، ويعسكر بها حوالى 12 ألف جندى أمريكى، ويمكن لهذا المركز إمداد قواتها المسلحة بجميع احتياجاتها فى العـراق وأفغانستان.

أما الاعـتبارات الرئيسية التى تتحكم فى حسابات تحقيق التوازن الاستراتيجى فى هذه المنطقة التى تُعتبـر من أهم المناطق الإقليمية فى العالم وأكثرها حساسية، فتكاد تكون متشابهة إلى حد كبير لطرفى المعادلة، فالاعـتبار الأول هو إدراك الطرفين أن هذا التوازن لا يـمكن قياسه بمقارنـة القوات وعـدد ونوعـية المعـدات والأسلحة، خاصة أنـهما يمتلكان من وسائل الردع النووى ما يكفى لتدميـر الآخر عـدة مرات، بينما يمكن أن يتحقق توازن الرعـب بامتلاك كل طرف ما يكفى لتدميـرالآخر مرة واحدة فقط «حد الكفاية»، والاعـتبار الثانى هو أن الطرفين يدركان جيدًا أن امتلاكهما لحد الكفاية يؤدى إلى تحييـد بل تجنيب الرادع النووى خشيةً من التدميـر المتبادل ويصبح كالعـدم أى «العـدم النووى»، بل إن توازن الرعـب قـد يُؤدى إلى التعاون بينهما لإيجاد البدائل لحل إحدى الأزمات الطارئـة التى قد توتر العلاقات وتصعـيدها إلى حدودها القصوى، حتى لو كان هذا التعاون آنيًا، والاعـتبار الثانى هو أن الولايات المتحدة تدرك أن روسيا لن تنسى هزيمة القوة السوفييتية العـظمى الساحقة من المعسكر الغـربى بقيادتها، وحولته الى أنقاض دول وبقايا شعـوب فى حرب باردة، وتمكنت بعـدها من بناء نظام عالمى جديـد تربعت على قـمته وانفردت فيهبالنفوذ على الساحة الدولية، ولذلك فإن روسيا لن تكرر أخطاء الاتحاد السوفييتى السابق، ويتعـيـن عـليها إيجاد أدوات جديدة لتحقيق الأهداف.

والاعتبار الثالث هو إدراك روسيا أن الولايات المتحدة تتعامل معها على أنها ما زالت تُمثل قطبًا عالميًا من الزاويتين الأمنية والعسكرية على الأقل، خاصة بعـد أن تنازلت أوكرانيا لروسيا عن ترسانتها النووية التى ورثتها عن القوة السوفييتية العـظمى والتى تُعـد ثالث أكبر قوة نووية فى العالم، كما تتحسب الولايات المتحدة للتناقض الكبير بينها وبين روسيا فى كتلتيها الحيوية «مساحة الإقليم وتعـداد السكان»، فبينما تبلغ مساحة روسيا ضعـف مساحة الولايات المتحدة تـقـريـبـا «17مليون كم2 مقابل 9.9 كم2»، وللحديث بقية.