رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قضية فلسطينية أم قضية مصرية؟!


جاءت تصريحات السيد رئيس الجمهورية فى أسيوط حول العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية ربما امتداداً للسياسة المصرية منذ عقد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ولكنها تختلف فى أنها لا تكتفى بالمعاهدة، وتعتبر العلاقات بين مصر وإسرائيل علاقة طبيعية وجيدة، وهى هنا تأتى صريحة بحيث تحاول أن تبعث الدفئ فى العلاقة بينهما، ثم إنها تعتبر إن إسرائيل من خلال هذه السنوات قد أثبتت أنها يمكن الوثوق بها، أو أنها يمكن أن تقيم سلاماً حقيقياً فى المنطقة، ولم يقدم رئيس الجمهورية ما يدل على ذلك، بل إنه قال إنه يرى فرصة لحل ما يسميه بالقضية الفلسطينية، ولا أدرى ما الذى اعتمد عليه فى ذلك، وهنا ربما لفت نظرى قول رئيس الجمهورية «لو» وهى أداة شرط تعنى استحالة جواب الشرط لاستحالة الشرط نفسه، وكلنا نلاحظ تصرفات إسرائيل سواء مع الفلسطينيين أو مع سوريا باحتلالها الجولان ورفض إنهاء احتلالها لهضبة الجولان، وانتهاكاتها المستمرة للبنان، قد يقول أحدهم ولكن إسرائيل ملتزمة أمامنا، وهو ينسى أنها تلتزم أمامنا، حتى لا تنضم مصر إلى باقى الدول العربية، وأنها إذا شعرت بأن العرب لن يكون لهم رد فعل فإنها ستعود إلى ما كانت تفعله سابقاً، لأن تصرفاتها هناك هى التى كانوا يتبعونها معنا قبل السلام المنفرد معها، وستعود إليها بمجرد زوال السبب. وأنها ترفض لذلك أى تغيير فى نص المعاهدة.

كذلك يختلف حديث الرئيس عما آمنا به، والذى لم يتغير حتى بعد معاهدة السلام من أن أمن مصر جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربي، وأن ما يسمى بالقضية الفلسطينية والتى ربما ورد فى حديث الرئيس أنها «الأزمة الفلسطينية» وربما فى حديث آخرين «المشكلة الفلسطينية» هى فى النهاية ومنذ البداية قضية أمن قومى مصرى، أى أنها ليست قضية أشقاء عرب، بما يعنى أنها ليست مجرد تعاطف مع الأشقاء الفلسطينيين أو نصرة لهم، بل هى قضية من حيث الأمن قضية مصرية قبل أن تكون فلسطينية، وأن وجود دولة عنصرية على الحدود الشمالية الشرقية لمصر هو تهديد لأمنها ولمن حولها، وأننا حينما كنا نحارب إسرائيل لم نكن نقاتل بالوكالة عن الفلسطينيين أو عن غيرهم، ولكننا كنا ندافع عن أمننا وعن وجودنا وعن مصالحنا العليا، وهو ما أعتقد أنه كان نفس شعور الفلسطينيين وهم يشاركون فى الدفاع عن مصر.

لا بد من أن نعرج على سؤال عن علاقة ما سبق بما فعلته وربما تفعله حماس، وهو ما يجب أن نكون واضحين بالنسبة له، فعلينا دائماً أن نفرق بين الفلسطينيين وحماس وقيادات حماس، فالفلسطينيون هم الشعب العربى الذى يعيش شرق حدودنا الشرقية وكانت علاقاتنا بهم قوية، وهم الذين تمسكوا بالإدارة المصرية بعد الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة عام 1957، وهم الذين شاركوا فى الدفاع عنا بعد الحرب عام 1967، ولقد كانت العلاقة بين الفلسطينيين والإدارة المصرية لقطاع غزة ممتازة، ولا أنسى علاقة الحب بين الفلسطينيين والشهيد البكباشى مصطفى حافظ الذى استشهد عام 1956 قبل العدوان الثلاثى، وهنا أقول إن بعض الفلسطينيين ينتمون إلى حركة حماس والتى سبق أن أيدناها باعتبار أنها حركة مقاومة، إلا أنهم أساءوا التعامل مع هذا التأييد ليستغلوا ما قدمته مصر من مساعدات، لكن ليس كل عضو فى حماس هو متورط فى العمل ضد دول عربية أخرى، أما قيادات حماس سواء فى الدوحة أو فى غزة فهم يتحملون المسؤولية عما قاموا ويقومون به ضد سيادة دول عربية. وهنا يجب أن نتذكر تجارب الرئيس والزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى علاقته مع باقى العرب شعوباً ودولاً وحكومات ولم تكن كل هذه التجاربإيجابية وربما اضطر فى أعقاب قبول مبادرة روجرز أن يغلق إذاعة فلسطين من القاهرة، ولكنه ظل يدافع عن المقاومة الفلسطينية حتى وفاته، وسبق له أن عمل على توحيد العمل العربى رغم خلافات عميقة مع بعض الدول العربية. هكذا كان وضوح الرؤية يفرق بين العلاقة الاستراتيجية مع باقى الأمة العربية والعلاقات التكتيكية واليومية مع الشعوب والحكومات والقادة العرب.

تطرق الرئيس إلى الاستعداد لتقديم جميع الضمانات لإيجاد فرصة حقيقية لحل القضية الفلسطينية، وهنا أنا أدعو الرئيس إلى مراجعة مبادرة مصر فى العدوان الإسرائيلى الأخير ضد غزة، وهل التزمت إسرائيل بنصوص المبادرة؟ وهل استطعنا أن نضمن الالتزام بالمبادرة حتى يمكن أن نقدم ضماناً لحل القضية الفلسطينية؟! أرجو أن يعيد الرئيس حساباته وألا يتصور أن إسرائيل تستطيع أن تكون عامل سلام!