رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر باقية إلى يوم الدين ولو كره المرجفون والمجحفون


كرٌم الله سبحانه وتعالى مصـر فذكرها فى جميع رسالاته السماوية، وكتبه المقـدسـة وقـد ذكـرها فى قرآنه الكريـم خمس مرات صراحة، وأكثر من خمس وعـشريـن مرة كناية، واللافت للنظر أن الله ذكرها فى قرآنه الكريم بعناصرها القـومية الثلاثـة «الأرض، الشعب، نظام الحكم»، حيث ذكر أرض مصر فى آيات، وذكر شعـب مصر فى آيـات أخـرى ثم ذكرها كنظام حكم فى مواقع أخرى من الآيـات، وهـى العناصر التى تتكون منها الدولة الـقـومـيـة الحديثة وفقا لأدبـيـات العـلـوم السياسية، إذ يتم تعـريف الدولة القومية بأنها «مساحة من الأرض، يقـطـنها مجموعـة من البشر بينهم قـدر من الاعـتماد المتبادل والعلاقات، ونخبة تقوم بتنظيم وإدارة شئون الدولة وتنسيق العلاقات بين أفراد الشعـب»، وبالتالى تعـتبر مصر أول دولة قـوميـة عـرفتها الـبـشـريـة، فقد شهد عام 5500 قبل الميلاد أول حكومة مركزيـة فى التاريخ لتنظيم شئون البلاد، وضبط تصرفات مياه النيل، وفى عام 4242 قبل الميلاد اتخذت الحكومة المركزية من مدينة اون عاصمة لها، وإتبعـت التقويم الشمسى لتنظيم شئون الزراعة الذى يعـتبر النشاط الرئيسى للإنسان المصرى آنذاك، واستطاعـت الحكومات المتعاقبة بناء حضارة ما زال العالم يشهد على رقيها وعـظمتها حتى الآن، وكان من الطبيعى أن تقوم الحكومة ببناء جيش يتولى الدفاع عن الدولة ويحمى مكتسبات حضارتها، فتـم توحيـد البلاد عام 3200 قبل الميلاد، وتأسيس الأسرة الفرعـونية الأولى التى أدركت أن الاتحاد بين أبناء مصـر هو الطريق الوحيـد للحفاظ على هذه الحضارة، ومنـذ ذلك التاريخ السحـيـق سطر الجيش المصرى تاريخ مصر فى جميع عصورها بأحرف من نور، وأصبح من العـسيـر إن لم يكن من المستحـيـل تناول تاريخ مصـر القديم والوسيط والحديث والمعاصر عن تاريخها العـسكرى الذى تجسد فى توحيـد القطرين، وتأديب المعـتديـن، وطرد الهكسوس، ومقاومة وإجلاء قوات الاحتلال والقيام بحركة الجيش عام 1952 إلى دعمها وباركها الشعب، وتحقـيـق النصـر فى حرب أكتوبر 1973 حرب استعادة الكرامة وانـدمال الجرح القومى، وقامت بحماية الثورة المصرية فى 25 ينايـر، ووقفت بجوار شعبها تدعمه وتؤازره فى ثورته فى 30 يونيـو، ويسعى حثيثا إلى استعادة الاستقرار الأمنى والسياسى للدولة، واستعادة توازن المكانـة التى فـقـدتها إبان عام الظلام الذى حكمت فيه الجماعة الإرهابية بعـد أن استولت على الحكم، وتعاونت مع القوى الإقليمية غـيـر العربية «تركيا وإيران وإسرائيل وإثيوبيا» لكى تجنى مزيـدا من مكاسبها لصالح مشروعاتها القومية، خاصة إثيوبيـا، إذ تُمثـل مشروعاتها المائيـة على مجرى النيل الأزرق ليس فقط تهديداً للأمن القومى المصرى بل تهديداً لشريان حياتها ووجودها واستمرار بقائها، واستطاعت القوات المسلحة فى الوقت الراهن إحباط كثير من التحديات والتهديدات التى تواجهها مصر، وبالرغم من هذه التحديات وتلك التهديدات فقد ارتقت مرتبة متقدمة قائمة ترتيب أقوى الجيوش العالمية فى تصنيف مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، حيث تبوأت المرتبة العاشرة عالميا فى تقييمات بعض هذه المراكز، والمرتبة الثانية عشرة لتقييمات بعضها الآخر، الأمر الذى أزعج القوى العالمية والقوى الإقليمية غـير العربية فى نسقها الإقليمى، فكان لا بد من بث سموم هذه القوى وتحريك عملائها الذيـن قاموا بتدريبهم على إثارة الفوضى والفتن لتشويه الصورة الذهنية للجيش المصرى التى انطبعت فى وجدان الشعب المصرى منذ فجـر التاريخ. وترتيبا على هذه المقدمة الموجزة لتاريخ مصر الضارب بجذوره فى عمق تاريخ البشرية، يمكن استخلاص بعـض الحقائق التى لا يخطئُها منصف ولا ينكرها مجحف، إذ تشيـر الحقيقة الأولى إلى أن بناء الجيش المصرى قد تم مع نشأة الدولة المصرية القديمة، أى منذ أكثر من 5200 سنة منـذ توحيد القطرين، وبالتالى تعـتبر العسكرية المصرية هى الأقدم من حيث التشكيل، ومن حيث الخبرات التراكمية سواء المعرفية أو القتالية وهو ما يتسق مع تقييم مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية التى سبق الإشارة إليها، وتشيـر الحقيقة الثانية إلى أن القوات المسلحة المصرية قد تم تشكيلها من أبناء الشعـب لتكون ملكا للشعب، لا تملكوصاية عليه، ولا يُمكن أن تمن عليه، بل تتلقى منه ولا تُملى عليه، وتشير الحقيقة الثالثة إلى أن العسكرية المصرية قد اكتسبت مبادئها وقيمها وعـقائدها منذ فجر التاريخ، وأن هذه المبادئ والقيم والعـقائد قد ارتبطت ارتباطاً عـضوياً بقيمتى الإنتماء والولاء والوفاء للوطن والشعـب، تلتزم بدورها نحوه لا تتخطاه ولا تتعـداه، وبالتالى فليس غـريبا أن يكون شعار الكلية الحربية المصرية التى مرَ عـلى نشأتها أكثر من مائتى عام «الواجب الشرف الوطن»، كما أن شعار قوات الصاعقة التى تكون فى طليعـة القوات المسلحة باستمـرار هو «التضحيـة، والفداء، والمجد»، أى التضحية فى سبيل الله، والفداء للوطن، فجيشٌ بمثل هذا العـمق الضارب بجذوره فى أعـماق التاريخ، يعـتنق هذه المبادئ وتلك القيم والمعـتقدات، لا بـد وأن ينأى بنفسه بعـيـدا عن دائرة السياسة والحكم، ولا يعـنى ذلك أن القوات المسلحة وإن كانت خارج المعادلة السياسية والحكم، إلا أنها ستظل طرفا أصيلا فاعلا فى المعادلة الاستراتيجية بحكم مسئوليتها التاريخية والأخلاقية والوطنية إذا ما تهدد أمن مصرالقومى.

وترتيبا على ما تقدم، فإنه من غير المقبول أو المعقول أو المجدى، ومن غـيـر الإنصاف أيضا أن يقول المرجفون أو المجحفون بأن تحرك القوات المسلحة المصرية، وسعيها الحثيث للمشاركة فى نهضة مصر، الترويج بأن الجيش يتدخل فى المشهـد السياسى، بل ويسيطر عـليه، وأن يطلقوا عـلى السعـى المخلص والتفاعل بالجهود الصادقة للقوات المسلحة المصرية للمشاركة فى نهضة الوطن الذى يـفـتـديـه كل جندى من هذه القوات بحياته وروحه. وللحديث بقية

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد الحكم»، حيث ذكر أرض مصر فى آيات، وذكر شعـب مصر فى آيـات أخـري