رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

همسةٌ للداخلية فى السياسة والمهنية


حدثان طارئان على الساحة المصرية رأيت أنهما يستوجبان همسةً بالنصيحة فى أذن وزارة الداخلية. أما الحدث الأول فهو ما اُطلق عليه مجازاً أزمة نقابة الصحفيين، وأما الحدث الثانى فهو العمل الإرهابى الذى وقع قبل فجر يوم الأحد الماضى بمنطقة كورنيش حلوان وراح ضحيته ثمانية شهداء من رجال الشرطة أثناء أداء عملهم المقدس فيما يتعلق بالحدث الأول، فبادئ ذى بدء لا أجد غضاضةً فى القول بأن انتسابى وانتمائى للجماعة الصحفية مع جذور نشأتى الأمنية أتاح لى قدراً كبيراً من الفهم الموضوعى لجوانب وأبعاد ذلك الحدث بمنتهى الحيادية، ومن هذه الزاوية أستطيع القول بأن الموضوع فى حد ذاته لم يكن يستاهل هذه الضجة وذلك التصعيد الانفعالى، فإلقاءُ القبض على مطلوبٍ للعدالة يجب ألا يثير حفيظة أحد، بل ويجب أن يحظى بتأييد ومؤازرة المجتمع كله خاصةً صفوته ورواده الذين يحملون مشاعل الفكر والتنوير وفى مقدمتهم الصحفيون حتى وإن تم القبض داخل مقر النقابة لأن الإجراء لم يكن موجهاً للنقابة كشخصٍ اعتبارى، كأن يكون للتحفظ عليها أو اعاقة عملها أو البحث والتفتيش عن أدلةٍ ضدها وهو الأمر الذى كان يستلزم قانوناً مباشرته بحضور عضوٍ من النيابة العامة وممثل عن النقابة، وإنما كان الإجراء مجردَ تنفيذٍ لأمرٍ قضائى بالقبض على متهمٍ بذاته حاول الهروب من العدالة بالاختباء فى مكانٍ ما، مثلما يفعل غيره بالاختباء داخل المساجد أو خلف أسوار أقسام الشرطة، وفى جميع الأحوال فإن القبض على المتهم لا يمس كرامة مكان القبض ولا ينتقص من قدره، وإنما اللوم والحساب يقع على المجرم الذى حاول تدنيس ذلك المكان. من هنا فإننى أعتقد أن إثارة وتأجيج مشاعر الغضب لدى بعض زملائى الصحفيين الأجلاء، كان بفعل فاعلٍ آثم ولدوافع مغرضة لا وقت للحديث عنها الآن، كما أن الرجوع عن الغضب حتى وإن توافرت له قناعاته ودواعيه، فإنه يحتاج دائماً - بحكم الطبيعة البشرية - لحكمة العقلاء وجهودهم المخلصة. لذلك أقترح على السيد وزير الداخلية أن يتوجه بدعوةٍ خاصة لمجلس نقابة الصحفيين ورموز الثقافة والاعلام والصحفيين أعضاء مجلس النواب لاستضافتهم بأحد أندية الشرطة، وذلك لمحو أى شائبةٍ تكون قد علقت بالاذهان، وتوطيد أواصر العمل والتلاحم والحب والاحترام التى تربط بين المؤسستين الاعلامية والأمنية على مدى التاريخ، وتأكيد أن المؤسستين هما رأسا الحربة للدولة المصرية فى حربها الضروس ضد الارهاب ولا غنى لإحداهما عن الأخرى فى تلك الملحمة، وأن النقابة بتاريخها الوطنى العريق ومكانتها الثقافية المتميزة تدرك موجبات وضرورات هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التى تجتازها مصر، والتى تحتم نبذ أى اختلافٍ وإن وُجدت بعض أسبابه، والاصرار على الاتفاق والتوحد رغم منغصاته وأما فيما يتعلق بالحدث الثانى فالثابت أن عملية الاغتيال استهدفت رجالاً للشرطة بملابسهم المدنية وهم بداخل سيارة ميكروباص مدنية، وأن العملية تمت باصرارٍ شديد على ازهاق أرواحهم جميعاً، بما يوضح أن الجناه كانوا متأكدين يقيناً من هوية المجنى عليهم الشرطية رغم ملابسهم وسيارتهم المدنية، وهو ما يعنى رصد السيارة ومراقبة تحركات مستقليها من محيط قسم الشرطة خلال فترةٍ سابقة على العملية، وهو نفس التخطيط الارهابى المتبع فى العديد من الجرائم الارهابية السابقة، فإذا كان المعلوم أن الجناة يستخدمون بعض عناصرهم البشرية لإجراء الرصد والمراقبة فى محيط مقار الاشخاص المستهدفين، فأظن أن وزارة الداخلية سوف تولى هذا الجانب مزيداً من الاهتمام، بتعيين ولو فرد بحثٍ واحد على مدار الساعة بمحيط كل منشأةٍ أمنية وكل منشأةٍ حيوية وكل مقر اقامة شخصية مستهدفة، وتكون مهمته فقط رصدُ أىِ عنصرٍ مشتبه فيه بداخل هذا المحيط، وبشرط أن يتم تأهيله جيداً لهذه المهمة تخصيصاً، وأن يباشرها بوعىٍ وقناعةٍ وحسٍ مرهف وليس كمجرد تواجدٍ عقيم، وأعتقد أن الاهتمام بهذا المحور فى الأداء الأمنى يمكن أن يؤدى إلى اجهاض كثيرٍ من العمليات الإرهابية. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل،،