رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من يحمى لصوص المال العام فى «الآثار» ؟!


هاتفنى أحد المهتمين بملف الآثار بعد أن قرأ لى عدداً من المقالات ذات الصلة بالموضوع..لفت انتباهى إلى تعطيل لجان تسمى بـ«كشف الفساد» بوزارة الآثار فى عهد وزيرها السابق ممدوح الدماطى..على الفور أجريت اتصالاتى بمصادرى الخاصة لأعرف حقيقة الأمر فتأكد لى صحة هذه المعلومات..وأن هذا الموضوع مازال قيد التحقيقات لدى هيئة النيابة الإدارية ..ورغم أن لجنة «المراجعة والمديونية» التى تراقب علاقة قطاع المشروعات بشركات المقاولات كشفت هى الأخرى مخالفات «بالكوم» عن إهدار المال العام ..إلا أن مسئولى الآثار أوقفوا أعمال تلك اللجنة أيضاً لتخوفهم من كشفها المزيد من فساد مسئولين كبار سابقين.

كما علمت أيضاً أن المستشار القانونى للوزارة آنذاك طلب تفسيراً للزيادة الفاحشة فى قيمة بنود بعض المشروعات..إلا أن المسئولين بالوزارة –كالعادة طبعا-تجاهلوا الأمر..حتى إن د.محمد إبراهيم -وزير الآثار الأسبق- عجل بتحصين نفسه بتأشيرة تبعد عنه أى مساءلة حول هذا الملف، وعلى نفس الدرب بادر د. ممدوح الدماطى -وزير الآثارالسابق- بتشكيل لجنة لذات الهدف..لكن تم وأدها فى المهد بعلمه!!..والسؤال الواجب طرحه الآن هو :من يسترد المليارات المنهوبة فى مشروعات الآثار ويحاسب المقصرين عليها ؟!.

فهذه أموالنا وآثارنا ومن حقنا كشف من استولوا عليها للرأى العام..فوزارة الآثار –طبقاً لتصريحات «الدماطى»- مديونة فى قرض يزيد على الــ 3 مليارات جنيه لوزارة المالية فى عهده..وكان الأفضل من اقتراض الوزارة هذا المبلغ الضخم..أن يتخذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لاسترداد أموال الآثار المنهوبة..خصوصاً بعدما أبدت بعض شركات المقاولات استعدادها لرد ماحصلت عليه من أموال دون وجه حق-بحسب ما نشرته جريدة قومية آنذاك-لكن «د.الدماطى» لسبب لا نعلمه حتى الآن ولحسابات ومواءمات نريد معرفتها بعد أن ترك منصبه ..طمس هذا الموضوع وتعمد إفشال وإنهاء عمل اللجان المختصة والمكلفة باسترداد هذه الأموال!!..والسؤال هنا : لصالح من يتم «الطرمخة» على أموال الشعب ؟!.

الطريف فى هذا الموضوع أن اللواء سامح خطاب-رئيس قطاع التمويل السابق بوزارة الآثار –كان قد وافق على مساعدة «الدماطى» فى استرداد هذه الأموال..وهذه لفتة كريمة تحسب لهذا الرجل المحترم الذى لا يميل إلى الكلام المرسل..بل لديه من المعلومات والبيانات الحسابية ما يقطع به الشك باليقين أمام أى مدع أو متمرس فى «تمييع» الحقائق لصالح قلة من المنتفعين..لذا سنطرح السؤال التالى على الوزيرالجديد:هل ستستطيع إعادة لجان الكشف عن الفساد لاسترجاع أموال الوزارة المنهوبة لتنفق منها على المشروعات الأثرية المتوقفة لقلة التويل..ومنها مشروع المتحف المصرى الكبير حتى نغلق الباب أمام من يروج لتدويله ..خصوصاً أن «الآثار» تتمتع بتمويل ذاتى ولا تتبع «المالية» طبقا للقرار الجمهورى رقم 82 لسنة 1994؟!.

لكل ما سبق نريد فقط الوصول إلى الحقيقة..فعلى سبيل المثال لا الحصر..القرض الإسبانى المخصص لتوريد معدات وأجهزة ومهمات تأمين المواقع الأثرية بمنطقتى الهرم والأقصر بقيمة 30 مليون يورو..من المسئول عنه؟..وهل اللجان المختصة لديها علم بنهب هذا المبلغ؟..لماذا لم تتوصل تحقيقات الجهات المسئولة حتى الآن للمختلس الحقيقى..خصوصا أن هذه المواقع كانت ومازالت عرضة للسرقة والتدمير بسبب النقص الحاد فى كاميرات المراقبة..مثلها فى ذلك مثل جميع المواقع الأثرية الأخرى..وما حادث الكرنك سوى نموذج من هذا الفساد..ويا سبحان الله ..كأن هناك من يتعمد تعطيل هذه الكاميرات حتى يسهل لمافيا الآثار مهاجمة تلك المواقع وسرقة مايريدون منها دون أن يتم التعرف عليهم..«شغل على ميه بيضا»..بدليل ما حدث بعد ثورة 25 يناير لمتحف التحرير الذى شهد سرقات منظمة لقطع أثرية بعينها دون أن نعرف من هم اللصوص رغم وجود كاميرات حديثة فى هذا المتحف!!.

ويؤكد هذا الظن رفض إحدى اللجان المخصصة استلام كاميرات المراقبة والأنظمة الدفاعية برئاسة المهندس طارق رضوان لعدم مطابقتها للمواصفات.. ولاندرى بعد ذلك كيف تم استبعاد هذه اللجنة ومن الذى أعطى أوامره باستلام تلك المعدات؟!..الأمر الذى جعل مهندس الإلكترونيات بالوزارة يُخلى مسئوليته تماماً من تلك الجريمة..وما يثير الشك والريبة فى سلوك المسئولين عنهذا الانحراف..هو ما جاء فى تقرير رسمى صادر عن مجلس الدولة والمستشار القانونى لوزارة الآثار، حينما أكدا إن هذه الأجهزة وتلك الكاميرات غير صالحة للاستخدام طبقا لظروف البيئة المصرية !!..وهذا ما أوضحه تقرير آخر للواء خطاب عندما أكد أن نفس الأجهزة غير صالحة للعمل..محذراً من أنها ستكلف الدولة خسائر كبيرة فى حال استلامها واعتمادها للعمل !!..لكن السادة المسئولين فى الآثار ضربوا بتقارير المختصين ومجلس الدولة عرض الحائط وأمروا باستلامها..فكانت النتيجة أن هذه الأجهزة أعطت اللصوص الفرصة الكاملة لسرقة العديد من القطع الآثار دون إثبات أى شىء على أى مسئول حتى اليوم !!.

نضيف إلى ذلك ما نشر عن إهدار 100 مليون دولار على بناء حائط صد بلغ طوله 600 متر كأيقونة للمتحف المصرى الكبير..و 9 ملايين جنيه بسبب تعطل جهاز الميكروسكوب الماسح الإلكترونى بنفس المتحف بسبب توقف عدسته الرئيسية عن العمل لارتفاع درجة حرارة الجهاز نتيجة سوء التهوية.. وحوالى200 مليون فى مشروع قصر إسماعيل باشا المفتش لأحد المقاولين «محل دفاع الفنان «وزير الثقافة الأسبق» وشبيهه فى الاسم وعالم الآثار الشهير»-كما جاء فى تقرير صحفى بإحدى الجرائد-..وقد يدهش البعض إذا فتش فى السجل التجارى لشركة «المقاول» ليكتشف بنفسه من هم أصحابها ومن هم المساهمون فيها !!..وقصر محمد على باشا بشبرا الخيمة الذى تم ترميمه مقابل 55 مليوناً وانهارت قبة فسقيتة بعد انتهاء ترميمه بخمسة سنوات - ومازال مغلقا حتى الآن !!.

أخيراً نؤكد أن الوضع فى وزارة الآثار-كما أوضح ذلك خبراء ومتابعون للملف-يبدو أنه خارج نطاق السيطرة..لذا نتمنى من الوزير الجديد أن يكشف لنا عن الأيادى الخفية التى كانت ومازالت تتلاعب بأموال الشعب..وذلك من خلال إحياء دور لجان الكشف عن الفساد حتى نعرف من الذى يتستر على لصوص المال العام فى عهد وزراء آثار سابقين .. ولصالح من يتم التستر على سرقات فى مشروعات وهمية أرهقت ميزانية الوزارة وكبدت الدولة مليارات الجنيهات!.