رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البنية الاستراتيجية للأرض المقدسة.. والأمن القومى المصرى «٣»


ينبغى عـدم السماح للنمو العـشوائى للمدن والمراكز والقرى عـند التخطيط للتنمية العـمرانية، وذلك بفرض القيود والتشريعات الرادعة والإصرار على تنفيذها، إذ يعـتبرالتوسع والنمو العـشوائى هو الضرر الأكبر للأمن القومى المصرى «إيواء العناصر الإجرامية والإرهابية والعناصر غـير المرغـوبة» كما يعـتبر آفـة التنمية الشاملة والمستدامة أمنيا واقتصاديا واجتماعـيا.

استكمالاً للمقالين السابقين تحت العنوان نفسه، واتساقا مع هذه الأهمية ينبغى ألا يكون هناك تعارض أو تشابك بين مكونات وعناصر المشروع القومى لتنمية الأرض المقدسة وبين المخطط الاستراتيجى العام للقوات المسلحة حتى يمكن الحفاظ عـلى الأمن القومى المصرى وصيانته حسبما تقتضى المصلحة العـليا للدولة، إذ سيظل هذا الاتجاه هو الاتجاه الاستراتيجى الرئيسى للأمنالقومى المصرى، وكم كان القرار رشيدا وحكيما عندما اتخذ من مشروع شرق بور سعيد نقطة الانطلاق السليمة للبدء فى تنفيذ المشروع القومى للأرض المقدسة، ومشروع شرق بور سعيد فى إيجاز شديد يقع عـلى قرابة مساحة 125كم مربع شرق مدينة بور فـؤاد، وينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية، الأول هو الميناء المحورى حوالى 35 كم مربع ويتكون من ثلاث مراحل، والقسم الثانى وهو الظهير البرى بمساحة 90كم مربع تقريبا «المنطقة الصناعـية – المنطقة الإدارية – المنطقة السياحية»، أما القسم الثالث والأخير فهو المنطقة الزراعـيـة على مساحة 50 ألف فدان، وبالرغم من صغـر مساحة المشروع بل وصغـر مساحة بورسعـيد نفسها التى تبلغ 1350 كم مربع، إلا أن أهميته وحيويته قد نبعـت من الحاجة الإستراتيجية الملحة التى فرضتها ظروف هذا الاتجاه وطبيعة محافظة بورسعـيد حتى تستكمل التحول الاقتصادى والاجتماعى الجاد والهادف الذى بدأته والتى تبوأت بسببه المرتبة الأولى فى التنمية البشرية على جميع محافظات مصر على مدى تسع سنوات متتالية «1999– 2008» وفقا لتقرير الأمم المتحدة للإنماء UNDP، وقد تم الانتهاء من المرحلة الأولى من مراحل إنشاء الميناء المحورى وهى الأصعـب، حيث تم شق القناة الملاحية بطول 13 كم وبعـمق يصل إلى 5, 17م، ودائرة الدوران بقطر 3, 1كم والتى تسمح بعودة حاملة الحاويات من نفس اتجاه قدومها، كما تـم إنـشـاء حاجـز الأمواج وبـرج الإرشـاد، ورصيـف التراكى بطول 2 ,1كم، ومحطة تداول الحاويات وتزويدها بأوناش الساحة والأوناش العملاقة، والمركبات والمعـدات التى تسمح بالتداول فى المحطة وفقا للمعايير والمعدلات العالمية، وقد تم افتتاحها رسميا فى ديسمبر 2004 وجديـر بالملاحظة أن هذه المرحلة قـد فاقت المستهدف من استخداماتها، إذ كان المستهدف منها هو تداول 600 ألف حاوية مكافئة فى السنة الأولى.

إلا أن التداول الفعـلى كان 2,1 مليون حاوية مكافئة، الأمر الذى أدى إلى أن يتبوأ ميناء شرق بور سعـيد المرتبة الأولى بين موانئ البحر المتوسط من حيث معـدل النمو، وقد تم تزويد المرحلة الأولى بالبنية التحتية التى تضمن عملية التشغـيل بكفاءة تامة، فقد تم إنشاء المحور الشريانى بطول حوالى 10كم، والطريق الفرعى بطول 5, 8 كم، كما تم إنشاء خط السكة الحديد بطول الميناء وربط جميع أنحائه بالخط، كما تم تزويد الميناء بمحطة تحلية المياه، ومحطة معالجة الصرف الصحى ومحطة الجهد المتوسط وكذا برج الاتصالات، أما من الزاوية الاجتماعية فإنه ينبغى أن يوضع فى الاعـتبار، عـند تنفيذ المشروع القومى لتنمية الأرض المقدسة عـدم تغـيير نمط الحياة لأهل سيناء فجأة، أو تغـييـر أسلوب معـيشتهم مرة واحدة، خاصة فيما يتعـلق بالبعـد القيمى، بل يجب العـمل على تحسيـنه والإرتقاء بـه، مع تنمية وتعـميق قيمة العـمل لديهم، بما يؤدى إلى تسهيل عـملية إعادة تشكيل المجتمع البدوى للاندماج الكامل مع المجتمعات العـمرانية الجديدة التى سيتم إنشاؤها بالضرورة وفقا للمخطط الاستراتيجى العام للتنمية، إذ يـعـد الارتقاء الحضارى المادى والمعـنوى، والثقافى والاجتماعى لهم أحد أهم المداخل الرئيسية لتنمية الولاء والانتماء، مع مراعاة ضرورة إحداث التكامل المجتمعى عـند التخطيط لإنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة فى شبه جزيرة سيناء، وذلك بدمج جميع العاملين فى مجالات الصناعة والزراعة والخدمات والبدو والحضر فى مجتمع واحد، إذ قد يؤدى الفصل بين هؤلاء وهؤلاء إلى التبايـن السلوكى والقيمى الذى قد ينعـكس بالسلب على البعـد السلوكى والقيمى لهذه المجتمعات الناشئة، وربما يؤدى أيضا إلى الهجـرات غـير المسيطر عـليها من وإلى هذه المجتمعات، والتى قد تؤثر بالسلب على أهداف خطة التنمية.

وفى هذا السياق ينبغى عـدم السماح للنمو العـشوائى للمدن والمراكز والقرى عـند التخطيط للتنمية العـمرانية، وذلك بفرض القيود والتشريعات الرادعة والإصرار على تنفيذها، إذ يعـتبرالتوسع والنمو العـشوائى هو الضرر الأكبر للأمن القومى المصرى «إيواء العناصر الإجرامية والإرهابية والعناصر غـير المرغـوبة» كما يعـتبر آفـة التنمية الشاملة والمستدامة أمنيا واقتصاديا واجتماعـيا، ومن المناسب أن يوضع التعامل مع العشوائيات التى قد تنشأ تحت الإشراف المباشر للقوات المسلحة شأنها شأن حرم الطرق، ولضمان عـدم حدوث النمو العـشوائى، ينبغى استكمال المنشآت الخدمية خاصة تلك التى تتعامل مع خطط التنميـة البشريــة» منشآت تعـليمية ـ صحية ـ ترفيهية ـ شبابية ـ رياضية .....إلخ، مع ضرورة الاهتمام باستكمال هذه المنشآت فى القرى بنفس قدر الاهتمام بتنمية المدن لتجنب الفجوة الحضارية التى قد تنشأ وتؤدى إلى عـمليات التوسع العـشوائى التى تؤثر بالسلب على الخطط الأمنية والاقتصادية والاجتماعـية، والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد