رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجلت قدرة المصريين على تعبئة مواردهم، وبإمكانياتهم الذاتية، وخبراتهم، فى حشد ٦٤ مليار جنيه من أموالهم، من كل طوائف الشعب المصرى. أى أننا نستطيع وبأموال المصريين فقط، ودون حاجة إلى أى قروض أو معونات أجنبية مشروطة أن نبنى اقتصادنا ونعبر به من الأزمة الخانقة التى صنعها نظام الاستبداد المباركى...

المصريون.. شعب لا يُقهر «١ ــ ٢»


... والدرس العظيم الذى يلهمنا الشعب القائد والمعلم إياه هو إمكانية بناء الاقتصاد المصرى عبر مشروعات عملاقة اعتمادًا على الذات، وبالعمال والفنيين والمهندسين والخبراء المصريين، وبحُسن الإدارة التى تجسدها دائمًا الإدارة المصرية لهيئة قناة السويس منذ تأميمها فى العام 1956. فقد تحدى الشعب عنصر الزمن، وهو ما يعكس إرادة القتال والتحدى عند المصريين شعبًا وقيادة، حيث تم إنجاز المشروع خلال عام واحد فقط، وهو ما يعكس قدرة الدولة المصرية على تحدى نفسها بإنجاز المشروعات العملاقة، وهو ما يعنى ضرورة أن تواصل الدولة قدرتها على التحدى بإنجاز مشروعات عملاقة تعود بالنفع والخير على كل الشعب المصرى. وهو ما يؤكد استعادة الدولة لهيبتها، وأنها عندما تقدم الوعود فإنها تحولها إلى برامج للتنفيذ وتتقيد بتحقيقه، وهو ما ينبغى أن يمتد لكل المشروعات الكبيرة فى مصر كالمشروع القومى للطرق، وتوسيع الرقعة الزراعية، وبناء المساكن للشباب، والأهم من ذلك بناء المصانع التى تفتح آفاقاً واسعة لعمل الشباب. «باختصار الدولة المصرية تستطيع أن تحقق المستحيل بإرادة المصريين وتكاتفهم». كذلك قدرة الدولة المصرية على العمل وسط هذا المناخ الصعب من التحديات التى تحيط بها، سواء من الداخل، حيث لا تزال حالة من الإرباك فى المشهد الداخلي، إضافة إلى مواجهة الإرهاب الذى تمارسه جماعات العنف مستترة وراء شعارات الإسلام وهو منها براء، أيضًا سعى قوى النظام القديم المباركى للهيمنة على مراكز السلطة فى مصر، إضافة إلى المشهد الإقليمى والدولي، حيث تهدف قوى الهيمنة الصهيو أمريكية إلى تفجير المنطقة برمتها وإحكام السيطرة عليها «سوريا وليبيا والعراق واليمن خير مثال لذلك»، ومن ثم القضاء على دور مصر وقدراتها.

ومما لاشك فيه أن النجاحات الكبرى التى حققتها البلدان المتقدمة فى شتى فروع التنمية،‏ وكذلك الطفرات التى حققتها الاقتصاديات الناهضة فى آسيا وأمريكا اللاتينية،‏ قامت بالدرجة الأولى على تنمية وإيجاد قواعد وأنساق الابتكار والإبداع الذاتى والقولبة الوطنية ذات الصبغة الدولية،‏ سواء على مستوى التقنيات الوطنية الناشئة،‏ أو على مستوى تطوير التكنولوجيات الوافدة إليها واستبدالها تدريجياً بتكنولوجيا ذاتية،‏ وبذلك أصبحت منظومة التنمية والتحديث فى هذه البلدان تعتمد بالدرجة الأولى على الأنساق والقدرات الذاتية فى مجال الخبرات والتصميمات والمواصفات وخطوط الإنتاج والأطر والهياكل والمعلومات والمكونات التى أبدعتها قريحة الكوادر المحلية المدربة على أعلى المستويات‏. ‏وإذا كانت حقبة الستينيات من القرن العشرين قد شهدت انطلاقة العديد من برامج التنمية الذاتية الناجحة فى بلدان العالم النامى،‏ وكذلك تحقيق نجاحات اقتصادية ملموسة فى الحقب الزمنية التالية لها،‏ فإن عامل الحسم والنجاح فى تحقيق هذه الإنجازات قام بالدرجة الأولى على تنمية واستغلال الخصائص المهارية والابتكارية للعقول والقدرات الذاتية فى هذه البلدان،‏ مما جعل من هذه القدرات مطلباً عالمياً تتسابق للحصول عليه كبريات المؤسسات الصناعية والتكنولوجية فى اليابان وأمريكا والدول الكبرى فى أوروبا‏.‏

وقد انتهجت الحكومات المتعاقبة فى سنغافورة وكوريا وهونج كونج والهند والصين وماليزيا والبرازيل والأرجنتين‏..‏ وغيرها من الدول التى حققت نجاحات اقتصادية وتنموية حقيقية‏ «بشهادة المؤسسات الدولية ذات الاختصاص» سياسة واحدة‏:‏ التركيز على القدرة الذاتية،‏ وتنميتها وإعطاؤها الفرصة كاملة على المستوى القومى،‏ وجعلتها شرطاً لازماً فى تعاقداتها الدولية سواء فىاتفاقيات نقل التكنولوجيا والمعلومات أو فى إطار مشروعاتها الاستثمارية مع الدول المتقدمة،‏ فى الوقت نفسه الذى حظرت فيه هذه الدول كل ما هو مستورد ولا يلبى ضرورة ملحة تتطلبها مشروعات التنمية والتحديث‏.‏ وبقدر ما قدمت هذه الحكومات من فرص ومزايا استثمارية متنوعة للمشروعات الأجنبية فوق أراضيها بقدر ما كان تأكيد ضمان إعطاء الفرصة كاملة لتدريب وتأهيل العقول الوطنية وتنمية القدرات المحلية من خلال هذه المشروعات‏.‏ سخر الله هذا البلد للدفاع عن الإسلام ومقدساته من أجل ذلك حباها بجنود هم خير أجناد الأرض وهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة وهذا الرباط يتمثل فى يقظة أجهزة الدولة التى تعى جيدًا ما يحاك من مؤامرات ومخططات، وقادرة على تحقيق خطة التنمية الطموحة، وتعتمد فى جوهرها على القدرة الذاتية للمصريين وعزيمتهم فى قهر الصعاب وتحدى المستحيل.

 أستاذ القانون العام ــ جامعة طنطا