رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى الرئيس ورئىس الوزراء .. ووزير الآثار


وجب علينا التوضيح بأن واقع العمل فى هذا المتحف على النحو الحالى يشير إلى أن هناك مخططاً واضحاً لاستمرار المتاجرة بأخباره داخلياً وخارجياً دون استكماله بهدف الإسراع فى إجراءات تدويله..ولهؤلاء أقول: «سيفشل مخططكم أمام إصرار المخلصين لهذا البلد وتراثه»..مش كده ولا إيه؟َ!.

سعدت جداً من ردود الأفعال التى وصلتنى من الأصدقاء والمهتمين بأخبار الآثار على مقالى الأسبوع الماضى عن المتحف المصرى الكبير..ما أثار انتباهى فى هذه الردود هو الطرح الذى سمعته من أحدهم عندما سألنى عن الفرق بين وجود مجلس أمناء عالمى لمكتبة الإسكندرية..والمجلس المقترح لإدارة المتحف المصرى الكبير الذى تحدث عنه وزير سابق للآثار؟..وهنا انتفضت وقلت له إن الفرق شاسع جداً..فرق ما بين السماء والأرض..فمكتبة الإسكندرية تراث فكرى مشترك بين جميع الثقافات واللغات والحضارات ..أما التراث الأثرى فهو خاص بتاريخ وحضارة الأمة المصرية وحدها دون سواها..وإن اعتبره العالم تراثاً إنسانياً بصفة رمزية ..نظراً لتميز حضارتنا الفريد عبر تاريخها..ولا يمكن لأى من كان دون المصريين الشرفاء- الأمناء على وطنهم أن ينفرد بقرارات مصيرية عن هذا التراث..وعن نفسى أتمنى أن يتم اتخاذ إجراءات وقف استكمال هذا المشروع وفوراً ..ليه؟ لأن وجود 100 ألف قطعة أثرية نادرة تمثل العصور المختلفة فى مكان واحد ..لهو أمر غير مرغوب فيه لعدة أسباب..منها ما هو أمنى..ومنها ما يتعلق بأى ظروف مستقبلية طارئة كتلك التى تعرض لها متحف التحرير بعد ثورة 25 يناير عام 2011.

فهل كان يظن عاقل أن تستغل مافيا الآثار العالمية بالاتفاق مع المافيا الداخلية فى سرقة أثمن ما فى هذا المتحف من قطع خاصة فيما اصطلح على تسميته «عصر العمارنة»..وخصوصاً ما يتعلق منها بـ«الملك الذهبى توت عنخ آمون» ؟!..بالطبع لا..لقد كانت سرقة هذه الآثار وبتلك الطريقة وفى هذا التوقيت..صدمة لشرفاء العالم وليس المصريين فقط..ومثل هذه الجرائم جعلتنى أتذكر ما كتبه الأديب الراحل جمال الغيطانى عندما ناشد صناع القرار بخطورة سفر آثارنا- خصوصاً منها النادرة- للخارج.. وبالفعل استجاب لندائه الرئيس عبد الفتاح السيسى على الفور..ومنع آثار توت غنخ آمون من السفر فى اللحظات الأخيرة رغم أن د. ممدوح الدماطى- وزير الأثار آنذاك- كان قد تعاقد بالفعل على خروجه..وهذه الواقعة تمنحنا الأمل فى أن نطلب من الرجل الوطنى المخلص الطلب ذاته بإلغاء «حكاية» المعارض الخارجية..لا لشىء سوى لأن أضرارها أضعاف إيجابياتها على الأثر..وكذلك إلغاء فكرة تسليم إدارة المتحف المصرى الكبير إلى أجانب لا نأمن مكرهم وخيانتهم وعبثهم فى الآثار المقترح وضعها فيه.

وحتى نكون أكثر وضوحاً فى هذا الأمر..فلا نظن أن «السيسى» بما عُرف عنه سيسمح بتحويل هذا المتحف إلى مؤسسة دولية تخرج عن سيطرة الدولة المصرية حتى لو عجزت الدولة بشكل مؤقت عن استكماله للظروف الاقتصادية الراهنة.. لأن اقتراح مجلس عالمى يتحكم فى كنوزنا الأثرية لهو بمثابة احتلال أجنبى جديد لمصر بكل ما تحمله الجملة من معنى..والشىء بالشىءيذكر..فقد سبق للنيابة العامة أن أصدرت توصيات بإعمال الرقابة على أموال معارض آثارنا فى الخارج ..لأن هذه الأموال ظلت دون رقابة قرابة عشر سنوات كاملة ..ورغم ما قيل حينها إن هذه الأموال دخلت مشروعات المتحف المصرى الكبير..إلا أننا لا نملك أى سند يؤيد هذا الزعم..لذا وجب على مثلى الاستفسار- وهذا حق مشروع لى كمواطن- عن مصير مبلغ المائة وأربعين مليون دولار الذى سبق وأعلن عنها وزير آثار سابق مقابل إرساله آثار توت عنخ آمون فى أحد المعارض بالخارج؟.وبصراحة أنا لا أتصور ولا أصدق أن هناك مسئولين فى أى دولة بالعالم يفكرون – مجرد تفكير- فى تدويل تراث بلادهم دون حسيب أو رقيب إلا عندنا ..مثل هؤلاء يصرحون بكلام فى منتهى الخطورة بحق حضارتنا.. وكأن مصر ليس فيها من يفهم ويعى سواهم !!..ودون لف أو دوران..فأنا أعتبر الأ صوات التى تنادى بهذا العبث..ما هى إلا أصوات نشاز لا ينبغى لها أن تخوض مرة أخرى فى طرح هذه الأمور..وخير لها أن تصمت و إلى الأبد..لأن مسألة عرض آثار المتحف الكبير بالخارج تحت أى ظروف أو أسباب..لها خطورتها التى يعلمها جيداً أصغر أثرى مصرى.. واسألوا أساتذة وخبراء الآثار حتى يكون كلامى محل اعتبار وليس محض افتراء أو كذب..لأن طرق تزييف الآثار أصبحت متطورة كما أكد على ذلك د.مصطفى عطية - أستاذ الكشف عن تزوير الآثار ورئيس معمل الكشف عن تزوير الآثار بجامعة القاهرة- والذى حذر مراراً وتكراراً من وجود أكثر من 10 طرق للتزوير تستخدمها الآن مافيا الآثار لصعوبة اكتشاف الأثر المقلد من الأصلى حتى لو كان ممهوراً بالبصمة المتطورة.

وهذا الكلام يتعارض تماماً مع ما سبق وصرح به الدكتور زاهى حواس- وزير الآثار الأسبق- والذى أكن له كل تقدير واحترام ومحبة بسبب مواقفه الإنسانية مع من تعامل معهم..وذلك عندما أكد على «صعوبة تقليد تلك الآثار لأنها تسافر وفق إجراءات وشروط محددة»..لافتاً إلى أنها «تُنتقل للمعارض الخارجية فى فتارين وتحت إشراف أثريين أكفاء وذوى خبرة»..وأضاف «حواس» أنه «إذا تم تقليد القطعة الأثرية أو تزويرها..فسيتم اكتشاف الأمر على الفور».. ولعل د.«حواس» يعلم –كما أعلم أنا وغيرى من المهتمين بهذا الملف-أن أى معرض آثار بالخارج يرافقه أثرى واحد فقط..ويستحيل أن يتواجد هذا الأثرى بجوار المعرض على مدار الأربع والعشرين ساعة لحراسة القطع المعروضة بنفسه!!..لذا وجب علينا طرح السؤال التالى :ما المانع من وجود مناظرةبين دكتور «حواس» ودكتور «عطية» حول إمكانية تزييف الآثار حتى تتضح لنا الحقيقة ونستطيع تفعيل آليات حديثة للمحافظة على تراثنا من أى عبث داخل مصر أو خارجها؟.ولأن هناك من يتعمد تغييب وعى الشعب عن تراثه الأثرى..ولأن القليل منا وخصوصاً المهتمين بمجال الآثار هم فقط من يتابعون قضايا الفساد فى هذا الملف والعبد لله أحدهم..فقد لفت انتباهى ما نشرته صحيفة يومية بتاريخ 13 أكتوبر من العام الماضى بأن هيئة النيابة الإدارية خاطبت جهات رقابية وقطاعات بعينها فى وزارة الآثار للتأكد من طرق إنفاق أموال المنح الخاصة بالمتحف المصرى الكبير..وجاء فى نص التصريح أن التحقيقات التى أعلنت عنها هيئة النيابة الإدارية حول إهدار أكثر من 150 مليون دولار من أموال دعم المتحف..وأن الهيئة ستتخذ خطوات عاجلة لكشفأى مخالفات فى هذا المشروع والتأكد من صحة تلك الاتهامات..وكم تمنينا أن تكشف لنا الجهات المنوطة بالتحقيق فى هذه القضية كل صغيرة وكبيرة حتى نعرف الشرفاء من اللصوص..وهنا وجب علينا التوضيح بأن واقع العمل فى هذا المتحف على النحو الحالى يشير إلى أن هناك مخططاً واضحاً لاستمرار المتاجرة بأخباره داخلياً وخارجياً دون استكماله بهدف الإسراع فى إجراءات تدويله..ولهؤلاء أقول: «سيفشل مخططكم أمام إصرار المخلصين لهذا البلد وتراثه»..مش كده ولا إيه؟َ!.