رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البنية الاستراتيجية للأرض المقدسة.. الأمن القومى المصرى «2»


أما الإجراء الأمنى الثالث الذى ينبغى الالتزام الكامل به فهو أنه يتعـين أن يتسق المخطط الإستراتيجى العام لتنمية سيناء مع متطلبات واشتراطات الزاوية الأمنيـة، مع الوضع فى الاعـتبار أن سيناء تتمتـع بخـصائـص جيــواستـراتـيـجـيـة فريـدة بحكم الموقع والدور.

استكمالاً لمقال الأسبوع الماضى نؤكد على أن مثل هذا المشروع العملاق يمكن أن يلعـب دوراً حيـويـاً فى المشاركة فى تعـظيم القـوة الشاملة لمصـر وتعـزيـز مكانتها الدولية، خاصة إحداث توازن مكانتها فيما يتعلق بالعلاقة بين عنصرى كتلتها الحيوية أى بين مساحة الإقليم والسكان. إذ يُمكن أن تستوعب سيناء عند استكمال تنميتها الشاملة من 8 ـ 10 ملايين نسمة بما يُحقق لها التأمين الذاتى، خاصة عـندما يُحقق هذا المشروع العملاق وظائفه الرئيسية، الأولى هى زيادة موارد مصر الطبيعـية والاستغلال الأمثل لها، والثانية هى زيادة مساحة القاعـدة الإنتاجية باستثمار تنوع الموارد الطبيعـية المتاحة للأرض المباركة، والوظيفة الثالثة هى توفير قدر مناسب من فرص العـمل الحقيقـية للمشاركة فى حل مشكلة البطالة التى تعانى منها مصر كثيراً، أما الوظيفة الرابعة والأخيرة فهى الإسهام فى توزيع المراكز الاقتصادية والأهداف الاستراتيجيـة بما يضمن تأمينها بحكم اتساع رقعـة الإقليم، ويمكن تحقيق هذه الوظائف بإنشاء كيان إدارى فعال، لـه سلطاته القانونية والإدارية والمالية الملزمة للجميع، بما يكفل له الإشراف على التنفيذ والمتابعة والمحاسبة، وفى رأيى أنه تم تعيين الرجل المناسب على رأس هذا الكيان، الوزير «أحمد درويش»، وهو المشهود له بالكفاءة والإخلاص والوطنية الصادقة.

وترتيباً على ذلك، فإن هناك سؤالاً يتعين طرحه وهو ما الذى يتعـين عـمله لضمان سير مشروع التنمية الشاملة للأرض المقدسة فى اتجاهه الصحيح دون انحراف أو تعـطيل، وضمان تحقيق أهدافه المرجوة ووظائفه المأمولة؟ ففى المجال الأمنى فهناك من الإجراءت التى ينبغى اتخاذها فوراً، الإجراء الأول يتعـلق بضرورة إعادة النظر فى الملاحق الأمنية لاتفاقية «كامب ديفيد» بما يمكَن مصر من فرض سيادتها عـلى كامل أراضيها بدلاً من التقسيم الجائر لسيناء إلى مناطق «ا،ب،جـ»، والسعى إلى التفاوض الجاد والحاسم مع إسرائيل على ضرورة تحقـيق الأمن المتكافئ لصيانة المصالح المتبادلة فى منطقة الحدود، إن كانت تريد سلاماً حقيقياً مع مصر، ولابـد من إيجاد الحلول والصيغ المشتركة للقضايا الأمنية بما يضمن ضبط الحدود عـلى نحو متكافئ، وفقا للمستجدات والتحولات التى قـد تطرأ على الموقف عند موافقة البرلمان المصرى على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية واستعادة جزيرتى تيران وصنافيـر، الأمر الذى يتعين معه نقل جميع التزامات مصر الأمنية إلى طرف جديـد لم يكن ضمن معادلة التسوية فى «كامب ديفيد».

أما الإجراء الثانى فيتعلق بضرورة استمرار الإجراءات التى تقوم بها القوات المسلحة لتطهير سيناء من الدرن الذى أصابها إبان حكم الجماعـة الإرهابية، الذين يُؤمنون بالعـنف وسيلة للتفكير والتعـبير والتغـيير، وانتهجوا نهج الخوارج وانحرفوا بالإسلام عـن جوهره وغايته وأصبحوا مارقين من دين الله، فبدلاً من أن يتدبروا القرآن جعـلوه أداة للرجعـية والتخلف، وتجاهلوا تعاليم آخر رسالات السماء لهدى الأرض التى تنزلت على النبى الخاتم، ولم يدركوا الارتباط الروحى بين سيناء والتراث الإنسانى، حين اختصها الله لتكون كنانته فى أرضه فحفظت دينه وصدَرته إلى ربوع الدنيا وأصبحت منبعاً للتراث الروحى للإنسان.

أما من حيث التخطيط والإدارة فإنه يلزم مراعاة التنسيق الدقيق بغرض إحداث التكامل بيـن مستويات الـتـخـطـيـط والإدارة «القومى ـ الإقليمى ـ المحلى» بما يضمن توحيد المفاهـيم، بين الإدارة العـليا والوسطى والتنفـيذيـة، لضمان تحقيق الوظائف«الأهـداف» المخططة بأعلى عائـد ممكن مع الوضع فى الاعـتبار ضرورة التعامل مع سيناء عـلى أنها كلٌ متكامل، أى اعـتبارها وحدة تنموية واحدة لها خصائصها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعـية، والتى يلزم تنميتها وفقا لمخطط استراتيجى واحد، بمعـنى آخر ضم الخطط التنموية لشرق بورسعـيد، وشرق الإسماعـيلية، وشرق السويس، فى المناطق التابعة لهذه المحافظات فى سيناء، وكذا المخططات التنموية لمحافظتى شمال وجنوب ومحافظة وسط سيناء حال إنشائها ضمن المخطط الإستراتيجى العام لتنمية سيناء، كما ينبغى ربط الخطط التنموية التفصيلية ببرامج تمويل واضحة، وبرامج زمنية محـددة، وتكون هذه البرامج ملزمة لجميع مستويات الإدارة حتى يمكن ضمان تحقيق النتائج.

أما الإجراء الأمنى الثالث الذى ينبغى الالتزام الكامل به فهو أنه يتعـين أن يتسق المخطط الإستراتيجى العام لتنمية سيناء مع متطلبات واشتراطات الزاوية الأمنيـة، مع الوضع فى الاعـتبار أن سيناء تتمتـع بخـصائـص جيــواستـراتـيـجـيـة فريـدة بحكم الموقع والدور، فهى بحكم موقعـها تعـتبـر أحد أهم مكونات الاتجاه الاستراتيجى الرئيسى للأمن القومى المصرى، وهى بحكم دورها تعـتبـر حلقة الوصل بين الحضارات القديمة فى آسيــا وأفريـقـيــا «الحضارة المصرية القديمة وحضارات ما بين النهرين والصين والهنـد»، وهى بحكم احتوائها على أهم ممر مائى تعـتبـر رابطة الشمال بالجنوب، واتساقاً مع هذه الأهمية ينبغى ألا يكون هناك تعارض أو تشابك بين مكونات وعناصرالمشروع القومى لتنمية الأرض المقدسة والمخطط الاستراتيجى العام للقوات المسلحة حتى يمكن الحفاظ عـلى الأمن القومى المصرى وصيانته حسبما تقتضى المصلحة العـليا للدولة، إذ سيظل هذا الاتجاه هو الاتجاه الاستراتيجى الرئيسى للأمن القومى المصرى. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد