رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البنية الاستراتيجية للأرض المقدسة.. والأمن القومى المصرى «1»


يشير الواقع إلى أن الأرض المقدسة بما تتميز به من بنية استراتيجية وبما تمتلكه من موارد طبيعـية يمكنها الإسهام بقـدر كبيـر فى تعـظيـم المقدرة الاقتصادية المصرية بقطاعاتـها المختلفة سواء القطاع الاستخراجى كالزراعة فى السهل الساحلى والثروة المائية من البحريـن المتوسط والأحمر وخليجى العـقـبـة والسويس.

تحتفل الأمة المصـريـة هـذه الأيام بالعـيـد الرابع والثلاثين لتحريـر سيناء التى حباها الله لتكون موطنا للنبى إدريس، وممرا لأبى الأنبياء إبراهيم كى يلتقى ويتزوج بهاجر لتكون أمَا لإسماعـيل وأمَا للعرب، وملاذا آمنا ليوسف بعـد أن تآمر عليه اخوته ليخلو لهم وجه أبيهم فألقوه فى غيابت الجب ليلتقطه بعض السيارة، ويُشترى بدراهـم معـدودة، ليكون بعـد ذلك أميناً «عـلى خزائن الأرض»، وموطنا لشعـيب وأصحاب الأيكة فى «مدين»، ثم يُعـظَمها الله سبحانه وتعالى عـندما تجلى فيها لموسى فى البقعة المقدسة «بالوادى المقدس طوى» ويجعـله مخلصا ويكون رسولاً نـبـيـاً بعد أن اختصه الله بكلامه وكلمه تكليما، ثم كانت معـبـرا آمنا للمسيح وأمه البتول» ليكونا فى مأمن بطش الحاكم الرومانى، عندما آواهما إلى «ربوة ذات قرار ومعـيـن» ثم أصبحت ممرا ممهدا لنشر ديـن محمد فأصبحت كنانة الله فى أرضه.

والواقع فإن الأمل كان معـقوداً عـلى أن يأتى هذا العـيـد العـظيم وقـد انتهينا كمصريين إلى وضع مصر عـلى طريـق الحرية والـديمقراطية والعـدالة الاجتماعـية الذى اخترناه بعـد ثورة يونيو الذى أزعم أننا بدأنا السير فيه ونرغـب فى استكماله حتى لو كان طويلا وشاقا ووعـرا، وكان الأمل معقودا أن نكون قـد انتهينا أيضاً من إحداث تغـيـيـر جوهرى وجذرى فى البنية الاستراتيجية للأرض المقدسة، الذى أزعم أننا بدأنا السير فيه أيضاً لإحداث التنمية الشاملة ولو كره المرجفـون والذين فى قلوبهم مرض، الذين لا يرون أن الحق أبلج والباطل لجلج كالقول المأثور لرئيسهم الذى كان يرغب فى بيع محور قناة السويس للدولة القزمية قطرالتى كانت يوما جزءا من أرض السعوديـة، وقاموا بإعداد مشروع قانون لمحور قناة السويس، وكان سيتم استبعاده من نطاق القوانين المصرية، والذى بمقتضاه كان سيتم فصل هذا الإقليم عـن إشراف أجهزة ومؤسسات الدولة، حيث كان هذا القانون يعطى الحق لرئيس الجمهورية أن يقتطع من أراضى الدولة ما يشاء بما يتسق مع المادة التى تمكَن الرئيس من تعديل حدود الدولة فى دستورهم المشوه، وهو ما يعنى عدم الإبقاء على أى مظهـر من مظاهـر سيادة الدولة على هذا الإقليم الذى يُـعـد أحد المكونات الرئيسية للاتجاه الاستراتيجى الشرقى، الاتجاه الذى سيظل بمكوناته وعـناصره، وبثوابته ومتغـيراته، هو الاتجاه الرئيسى بالنسبة لمصر، فتعمد هؤلاء المرجفـون إلى ركوب موجة التظاهر التى دعا إليها بعض الذين لا يدركون حقائق الأمور التى تتعـلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين السعودية الشقيقة التى تحتضـن المشعـر الحرام، وبين كنانة الله فى أرضه التى أراد لها الله أن يكون جنـدها المكرمون فى رباط إلى يوم الدين، تماماً كما فعلوا فى أحداث يناير 2011، فشهـدت مصر تفاعلات متباينة أدت إلى بروز انقسام فى الرأى العام الداخلى، ومع عـدم إدراك هؤلاء وهؤلاء لأهمية عنصر الزمن بالنسبة لسيناء، أصبحت سيناء موطنا للجماعـات الإرهابية، ومسرحا لعـملياتها الإرهابية الممولة من الخارج ماديا وتسليحيا ومعلوماتيا وتخطيطيا ومعنويا بالرغم من الجهود المضنية التى تبذلها القوات المسلحة والجهاز الشرطى لتطهيـرها من دنـس الإرهابيين.

ويشير الواقع إلى أن الأرض المقدسة بما تتميز به من بنية استراتيجية وبما تمتلكه من موارد طبيعـية يمكنها الإسهام بقـدر كبيـر فى تعـظيـم المقدرة الاقتصادية المصرية بقطاعاتـها المختلفة سواء القطاع الاستخراجى كالزراعة فى السهل الساحلى والثروة المائية من البحريـن المتوسط والأحمر وخليجى العـقـبـة والسويس بالإضافة إلى الـنفـط والفحم، أو القطاع الإنتاجى بما يتوفر لديها من معـادن فى منطقة الجبال والهضاب فى وسطها، أو القطاع الخدمى بدءاً بالخدمات اللوجستية من ميناءى شرق بور سعـيد والعـريش وموانىء السويس وصولاً إلى صناعة السياحة فى جنوبها عـلى شواطئها وخلجانها، أما أهميتها من الناحيـة العسكرية والأمنية، فهى تمثل حجر الزاوية فى بنيان الأمن القومى المصرى بحكم موقعـها وبحكم كونها الجزء الأهم فى مكونات الإتجاه الاستراتيجى الشرقى، فضلا عن احتوائها على قناة السويس الذى يُعـتبر من أهم الممرات المائية الدولية، ومثل هـذه البنية الاستراتيجية والإمكانيات المتعاظمة التى تحتويها الأرض المباركة فى سيناء يُمكن تأسيس مشروع قومى تتعـدد مكوناتـه وتتعاظم استثماراتـه.

ومثل هذا المشروع العملاق يمكن أن يلعـب دوراً حيـويـاً فى المشاركة فى تعـظيم القـوة الشاملة لمصـر وتعـزيـز مكانتها الدولية، خاصة إحداث توازن مكانتها فيما يتعلق بالعلاقة بين عنصرى كتلتها الحيوية، أى بين مساحة الإقليم والسكان إذ يُمكن أن تستوعب سيناء عند استكمال تنميتها الشاملة من 8 - 10 ملايين نسمة بما يُحقق لها التأمين الذاتى، خاصة عـندما يُحقق هذا المشروع العملاق وظائفه الرئيسية، الأولى هى زيادة موارد مصر الطبيعـية والاستغلال الأمثل لها، والثانية هى زيادة مساحة القاعـدة الإنتاجية باستثمار تنوع الموارد الطبيعـية المتاحة للأرض المباركة، والوظيفة الثالثة هى توفير قدر مناسب من فرص العـمل الحقيقـية للمشاركة فى حل مشكلة البطالة التى تعانى منها مصر كثيراً.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد