رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخطط الذي أخفاه داعش أمام أعين المخابرات بذكاء.. سرطان «الخلايا المتشابكة» يغزو جسد أوروبا.. «جيوش الخلافة الإلكترونية» تطلق «الذئاب المنفردة» على «القارة العجوز»

داعش
داعش

حين بثت قناة «في تي إم» البلجيكية، خبرًا مفاده، أن نجيم العشراوي، الذي فجر نفسه في مطار بروكسل، عمل في المطار بوظيفة مؤقتة لمدة خمس سنوات، دون أن توضّح طبيعة عمله، فإنها ألقت الضوء على مخطط خطير أخفاه داعش أمام أعين المخابرات الغربية بذكاء، إذ لم يعد مصدر التهديد مقصوراً على أفراد معروفين لدى الشرطة، أو مُدرجين في قوائم المطلوبين، وإنما من أشخاص موجودين في الظل، في الصفين الثاني والثالث.
ويؤكد ذلك ما نشرته أسبوعية دير شبيجل الألمانية، بشأن العثور على دعاية لتنظيم داعش بحوزة سائقين يعملان بالبرلمان الأوروبي في بروكسل وستراسبورج، بل إن البرلمان ذاته قد أفاد في وقت سابق بأن العشراوي عمل لدى شركة تنظيف متعاقدة معه بين عامي 2009 و2010، وهو ما يعني أن جسد القارة العجوز أصبح تحت سيطرة عدد كبير من الخلايا النائمة والمتشابكة، التي تنتشر كالسرطان الخبيث دون أن يلاحظها أحد.

الخلايا «النائمة المتشابكة»
وتكشف شهادات أدلى بها منشقون عن «داعش» عن أن هذا التنظيم الإرهابي بدأ بتأسيس خلايا نائمة في بلدان أوروبية متعددة في وقت مبكر، وفي تركيا على وجه الخصوص، ووفق مقاتلين سابقين في صفوف التنظيم، فإن هذه الخلايا تتكون من رجال ونساء ليسوا مدرجين في أي قوائم لمراقبة المطلوبين، وغير مشتبه بهم، وتدربت هذه الخلايا سرًا داخل معسكرات بمدينة الرقة السورية، والعراق وبعض الجمهوريات الإسلامية في الكتلة السوفيتية السابقة، ثم تسللت إلى القارة العجوز.
ويعترف مسئولون وخبراء أمنيون أن هناك صعوبة متزايدة في تتبع ووقف الهجمات الإرهابية المحتملة في أوروبا، بعد أن بات داعش يعتمد على «الخلايا المتشابكة» تسمى كل خلية منها بـ«الذئب المنفرد»، التي تتحرك بحرية داخل أوروبا وتنسق فيما بينها، بحسب الأوضاع على الأرض، فيما تركت لها قيادات داعش حرية اتخاذ القرار حول مواعيد وأماكن شن الهجمات.
ويرى كلينت واتس الخبير الأمريكي في قضايا الإرهاب أن الهجمات الإرهابية تعتمد على نظرية "قمة جبل الثلج"، موضحا أن مخطط داعش يعتمد في كل عملية على رأس متطرف أساسي، وهو «الذئب المنفرد»، لكن الواقع أن هذا الرأس يخفي شبكة واسعة من المساعدين والمتعاونين والمتعاطفين الذين لا يظهرون للعيان، مشيرًا إلى هناك مجموعات كامنة في أماكن عديدة بأوروبا ربما لتجهيز هجمات جديدة.

من هم «الذئاب المنفردة»
ظهر المصطلح فى المرة الاولى على يد الأمريكيين أليكس كورتيسوم وتوم ماتزغار، قاصدين به في الأصل الإرهاب الأمريكي الأبيض العنصري، وحددوا تعريفة بأنه «الشخص الذي يقوم بعمليات منفردة، دون دعم من جماعة أو حركة، حيث أن الشخص يحدد الزمان والمكان والهدف بشكل يبدو مجهولًا، وغير مرتبط بقيادة، إضافة إلى أنه يعتمد على التمويل الذاتي لعملياته دون الاستعانة بأي تنظيم، بما فى ذلك توفير السلاح وتحديد نوعه».
وبرز المصطلح فيما بعد على يد تنظيم القاعدة واتضح في مجلة «إنسباير» التى تصدر عن التنظيم منذ 2010، وكان أول مقال بها لمؤسسها أنور العوالقى بعنوان «الذئاب المنفردة.. كيف تصنع قنبلة فى مطبخ أمك»، حيث أنه كان يقصد بالذئب المنفرد «الجهاد الفردى»، وذلك لمواجهة الهجمة الأمريكية ضد الجماعات التكفيرية عقب أحداث 11 سبتمبر.
واكتسب مصطلح الذئاب المنفردة قوة أكبر عام 2011، بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، نتيجة اضطرار عدد كبير من العناصر الإرهابية للعودة إلى بلدانهم مرة أخرى، هرباً من الملاحقات الأمنية التى شنتها أمريكا، ليشكلوا بعد ذلك مجموعات ذئاب منفردة فى هذه الدول.
تم تطور المصطلح على يد تنظيم داعش، وبات يطلق على العناصر المتشددة والمتطرفة، الموجودة داخل الدول كخلايا نائمة، لا يربطها بالتنظيم الأم «داعش» أى علاقة تنظيمية، لكنها تستقبل استراتيجياته وأيديولوجياته العامة، والأهداف التى يضعها، بهدف تنفيذ عمليات إرهابية داخل البلدان الغربية، بحيث يصعب رصدها.

كيف تكون ذئبًا منفردَا
أصدر تنظيم داعش مؤخرا نسخة بالإنجليزية لكتيب الأمن والسلامة الذي وضعه أحد عناصر تنظيم القاعدة باللغة العربية سابقا، ويقدم نصائح للخلايا النائمة والذئاب المنفردة في الدول الغربية بما يجب فعله وتجنبه حتى لا يتم اكتشافهم، قائلا: احلقوا لحاكم وارتدوا الملابس الغربية واستخدموا العطور العامة والعادية التي تحتوي على الكحول وشفروا هواتفكم.
وتضمنت التعليمات: حاولوا أن تكونوا دائما مثل أي سائح عادي أو مسافر تقليدي وحاولوا أن تكون ألوان الملابس متناسقة فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود، يجعلكم موضع شبهة، ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة لأن ذلك قد يثير الشبهات ويلفت انتباه الآخرين بقوة.
كما قدم التنظيم في دليله، المؤلف من 62 صفحة، لائحة ببرامج التشفير التي يمكن للخلايا النائمة والأفراد أن يستخدموها لتشفير محتويات الهواتف الخلوية ورسائل البريد الإلكتروني.

كيف يتم توجيه الذئاب
يتم جذب الذئاب المنفردة وتجنيدها من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، حيث تتعرف من خلال هذه النوافذ على استراتيجيات التنظيم والأهداف التى يضعها بهدف شن هجمات إرهابية، وتوفر وسائل التواصل الاجتماعى والإنترنت مهمة تدريب تلك الذئاب المنفردة من خلال توفير الإرشادات اللازمة لصناعة القنابل الناسفة واستخدام السلاح وغيره من التدريبات العسكرية التى تحول هؤلاء الأشخاص لإرهابيين متمرسين.
وأكدت دراسة إماراتية أن التنظيم يمتلك أكثر من 90 ألف صفحة على موقعى فيسبوك وتويتر باللغة العربية، و40 ألفاً بلغات أخرى، أبرزها مجموعات «جيش الخلافة الإلكتروني» و«جيش أبناء الخلافة» و«فريق كلاشينكوف للأمن الإلكتروني» و«قسم أشباح الخلافة»، و«سايبر الخلافة»، والتي اتحدت مؤخرًا لتكوين «الخلافة الإلكترونية الموحدة»، الذي يتولى توجيه الذئاب المنفردة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد هدد تنظيم داعش بتنفيذ سلسلة من الهجمات الإلكترونية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما نشرت جماعة «المدافعون عن داعش على الإنترنت» شريط فيديو لقراصنة يستعرضون قدراتهم في مراقبة الأجهزة والاتصالات الإلكترونية الامريكية والأوروبية، وهدد الفيديو كل من الولايات المتحدة وأوروبا قائلا «قريبا سوف تروا كيف يمكننا السيطرة على العالم الإلكتروني الخاص بكم»، حسبما نشرت صحيفة «إنترناشيونال بيزنس تايمز» البريطانية.
كما أعلنت جماعة «سايبر الخلافة» التابعة لداعش، مسؤوليتها في العديد من الانتهاكات للأمن السيبراني، كان أبرزها اختراق حساب القيادة العسكرية الأمريكية للمنطقة الوسطى على «تويتر»، ونشروا رموز التنظيم على صفحتها، كما اخترقت شبكة «تي في 5 موند» الفرنسية، ما أدى إلى توقف جميع قنواتها التلفزيونية عن البث وفقدانها السيطرة على مواقعها الإلكترونية.
ومؤخرًا جمع داعش المجموعات الإليكترونية التابعة له تحت مسمى «الخلافة الإليكترونية الموحدة»، التى بدورها نشرت بيانًا عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي تضمن أسماء أكثر من 3000 مواطن أمريكي وعناوين سكنهم، مع عبارة «استعدوا أيها الذئاب المنفردة، نريدهم قتلى، أنهوا حياتهم».

أشهر هجمات الذئاب
يعد الهجوم الإرهابي الذى نفذه أحد عناصر داعش على شاطئ سوسة التونسى الذى أودى بحياة 39 شخصاً غالبيتهم بريطانيون، من أشهر العمليات الإرهابية التى نفذتها الذئاب المنفردة، كما نفذت الذئاب المنفردة عدداً من العمليات الانتحارية ضد مساجد الشيعة بالسعودية.
ومن أشهر هجمات الذئاب المفردة الهجوم الإرهابي الذي تبناه كل من تنظيم القاعدة وداعش على المجلة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» الذي أودى بحياة 12 قتيلاً، عام 2015، كما أعلن داعش، مسؤوليته عن سلسلة الهجمات الدامية التي ضربت العاصمة البلجيكية بروكسيل، والتي أسفرت عن سقوط 34 قتيلا.
وتتنوع الأشكال التى يمكن أن تقوم بها «الذئاب المنفردة» بعملياتها ومنها زرع قنابل ذاتية الصنع فى أماكن مختلفة، أو شن هجوم فردى بالسلاح كما فعل اليمينى المتطرف أندريه بريفيك فى النرويج عام 2011 وأدى إلى مقتل العشرات احتجاجا على سياسة بلاده فى مسألة هجرة الأجانب إليها.