رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تيران وصنافير وسعار المغرضين


الزيارة التاريخية التى قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر من يوم الخميس 7/4/2016 ولمدة خمسة أيام، سوف تظل لفترةٍ طويلةٍ محلاً للاهتمام والتحليل من جانب المهتمين بالشأن العربىوذلك نظراً لاعتباراتٍ كثيرةٍ من بينها ظروف الحالة العصيبة التى تمر بها الأمة العربية والمخاطر الجسيمة التى تحدق بها والآمال المعقودة على قادتها لمواجهةالتحديات واجتياز تلك المحنة وإذا كان الحديث عن الزيارة ونجاحها على كل الأصعدة بما يدعو للتفاؤل بالخير لشعوب المنطقة بأسرها، قد تناوله كثيرٌ من رجال السياسة والاقتصاد والإعلام وغيرهم من الخبراء والمهتمين بالشأن العام، فإن ما يمكن اضافته هو أن هذه الزيارة شكلاً وموضوعاً تُعدُ خطوةً ايجابيةً فى طريق التعاون العربى العربى المأمول، ومنهجاً جاذباً للتوحد العربى الذى نسعى له ونحتاج إليه فى هذه المرحلة الفارقة بأكثر من حاجتنا إليه فى أى وقتٍ مضى، حتى أننا كنا نتمنى اتفاقاً عربياً جامعاً ولو على خطأ، فذلك أفضل من حالة الاختلاف والتشرذم بين الدول العربية وهى الحالة التى تحط من قدرها وتقوض قدراتها وتجعلها فريسةً سهلةً بين أنياب أعدائها. إن صفاء النفوس والاخلاص فى نبذ كل أوجه الاختلاف بين القادة العرب وإيمانهم بحتمية الاتفاق والتوحد بين دولهم على خلفية التاريخ المشترك والمصير الواحد، هو السبيل الوحيد لدحر عدوهم وانتصار شعوبهم فى معركة البقاء والحياة.

نأتى بعد ذلك إلى موضوع حديثى اليوم وهو عن الضجة الاعلامية التى اُثيرت حول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر والتى تم التوقيع عليها أثناء الزيارة والتى أظهرت وقوع جزيرتى تيران وصنافير داخل الحدود الإقليمية السعودية. وفى واقع الأمر فإن ما يعنينى هو ذلك النباح المسعور الذى انطلق من بعض القنوات الفضائية المصرية والمؤسف أنها مصرية، ومن أفواه ثلة المغرضين والحاقدين الساقطين سياسياً، وكان نباحاً خبيثاً مسموماً بقصد الإثارة وتأليب المشاعر ضد الدولة ونظامها الحاكم ولم يكن أبداً فى اطار الموضوعية والحرص على المصلحة الوطنية، وهذا ما استشعره المتابعون بوعىٍ لتلك القنوات الجانحة وتلك الألسنة البغيضة، حيث ظل مقدمو تلك البرامج الليلية على غيهم وإثارتهم لموضوعاتٍ جانبيةٍ مضللة بقصد الإثارة وإشاعة البلبلة رغم أنهم تلقوا على الهواء مباشرةً إجاباتٍ وافيةً وشافيةً من المتخصصين والمسئولين كانت كافيةً لانهاء ذلك الجدل العقيم.

ودون التطرق إلى تفصيلات الوضعية التاريخية والقانونية للجزيرتين التى تفضل المتخصصون الوطنيون بشرحها للكافة بما فيه الكفاية، فإننى أجد من الواجب تفنيد مقولات الاثارة والتضليل حتى لا ينخدع الرأى العام بها، وذلك فى النقاط الموجزة التالية:

«1» أن الاتفاقية محل الجدل هى إجراءٌ كاشف وليس منشئاً للخط البحرى الفاصل بين حدود الدولتين، وهو إجراء طبيعى يتم وفقاً لأحكام وقواعد القانون الدولى وبآلياتٍ فنيةٍ دقيقة، وهى بالتالى ليست اتفاقيةً لتبادل المنافع أو التنازل عن حقوق.

«2» إن القول بضرورة عرض الاتفاقية للحوار المجتمعى قبل التوقيع عليها هو قولٌ سقيم، لأن الأصل القانونى والثابت أن لكل سلطةٍ حقَ مباشرة مسئوليتها الدستورية بالضوابط التى حددها القانون فقط، أما الاستثناء من هذا الأصل الذى حدث من قبل بطرح بعض القوانين للحوار المجتمعى، فكان بسبب غياب البرلمان صاحب حق الحوار بصفته ممثل الشعب.

«3» إن الاتفاقية وفقاً للدستور ستُعرض على مجلس النواب الذى سيتولى بحث ودراسة وتمحيص كل القوانين والوثائق والإجراءات الفنية التى استندت إليها فى ترسيم الحدود على هذا النحو، فإن كانت صحيحةً وجب عليه إقرارها مهما كانت العواطف، وإن لم تكن صحيحةً تعين عليه رفضها مهما كانت النتائج.«4» أما التباكى المصطنع على الدماء المصرية التى سالت دفاعاً عن الجزيرتين،فهو أسلوبٌ رخيص للاثارة والفتنة، لأن تضحيات المصريين بدمائهم عبرتاريخهم الطويل كانت إعلاءً للمبدأ ودفاعاً عن الحق والكرامة ولم تكن أبداً مبرراً لاستلاب حق الغير، وإلّا جاز لنا أن نطالب بجزءٍ من أرض الكويت التى سالت دماءُ أبنائنا عليها لتحريرها. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل،،