رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التزاحم الأجنبى فى القارة الأفريقية


صحيح أن حركات الاستقلال فى أفريقيا قد اكتسبت زخمًا كبيرا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، الأمر الذى أدى إلى إضعاف القوى الأوروبية الكبرى، ففى عام 1951 حصلت ليبيا على استقلالها من إيطاليا بعـد مقاومة عـنيفة من الشعـب الليبى.

أفريقيا هى ثانى أكبـر قارات العالم، إذ تأتى تالية لآسيا من حيث المساحة وحجم السكان، تبلغ مساحتها 30,2 مليون كيلـو متر مربع بما فى ذلك مساحة الجزر المجاورة، وهى تغطى 6% من إجمالى مساحة سطح الأرض، وحوالى 20,4 % من إجمالى مساحة يابستها، ويبلغ عدد سكانها مليار نسمة وفقاً لتقـديـرات 2009 يشكلون 15% من إجمالى سكان العالم ، ويعـتقـد فريق من العـلماء أن أفريقيا هى أصل الوجود البشرى، فهم يعـتـقـدون أن آدم أبو البشريـة عـنـدما أمره الله سبحانه أن يهبط وزوجته إلى الأرض، قـد استوطن تنجانيقا «تنزانيا حاليا»، وقد شكلت الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال حملة تُعـد الأكبـر فى تاريخ البشرية فى أواخر القرن التاسع عشر، وقامت باحتلال دول القارة جميعها عدا دولتين ليبيريا والحبشة «إثيوبيا»، وقد استمر الاستعمار إلى ما بعـد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث حصلت الدول المحتلة تدريجيًا على استقلالها.

ويحـد البحر المتوسط القارة من الشمال ، ويحدُها قناة السويس والبحر الأحمـر والمحيط الهندي من الشمال الشرقى إلى الجنوب الشرقى، أما المحيط الأطلسي فيحدها من ناحية الغرب، وهى تضم 54 دولة أفريقية أصبحت مستقلة ذات سيادة، معظمها لا تزال تحتفظ بالحدود التى رسمها المستعمر، كما أن معـظمها أيضاً لا تزال تعانى كثيرًا من فترة الاستعمار خاصة من حالات عـدم الاستقرار السياسى والأمنى، والفساد والعنف والتخلف الذى أراده المستعمر الغاصب للسيطرة على معظم شعـوب القارة واستنزاف ثرواتها ومواردها الطبيعية، حتى أصبحت شعـوب القارة الأفريقية هي الشعـوب الأكثـر تخـلفـاً وفـقـرًا  بين شعـوب قارات العالم الأخرى، فلم يعمل المستعمر على إحداث التنمية البشرية الضرورية لتقدم هذه الشعـوب، فانتشر الجهل وعمت الأمية وسادت الفوضى وانتشر الفساد، وتفشت الأمراض حتى أن الدول الخمس والعشرين التى تحتل المرتبة من الواحد وخمسين بعـد المائة حتى المرتبة الخامسة والسبعين بعـد المائة عن السنوات العشر الأخيرة فى تقريـر التنمية البشرية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة هى دول أفريقية، ومع استفحال تبعات هذا التخلف، ازدادت معدلات المواليـد بصورة غيـر مسيطر عـليها وبشكل سريععلى مدى السنوات الأربعين الماضية فى معظم إن لم يكن فى كل الدول الأفريقية، حتى أصبح أكثر من نصف عدد سكان القارة الأفريقية تقل أعمارهم عن 25 سنة، مما سيعـرض هذه الدول إلى أزمات اقتصادية وأمنية وسياسية خطيرة نتيجة للانفجار السكانى القادم والأزمة السكانية الآتية، التى ستؤثر بالسلب على الاستقرار الأمنى والسياسى لمعظم شعوب القارة لا محالة.

صحيح أن حركات الاستقلال فى أفريقيا قد اكتسبت زخمًا كبيرا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، الأمر الذى أدى إلى إضعاف القوى الأوروبية الكبرى، ففى عام 1951 حصلت ليبيا على استقلالها من إيطاليا بعـد مقاومة عـنيفة من الشعـب الليبى، وفى عام 1956 حصلت كلٌ من تونس والمغـرب على استقلالهما عن فرنسا، وفى ذات العام «1956» حصل السودان على استقلاله من بريطانيا، ثم غـانـا فى العام التالى لتصبح أول دولة مستعمرة من جنوب الصحراء الكبرى فى أفـريقيا تحصل على استقلالها. بينما حصلت معظم بقية دول القارة على استقلالها على مدى العقد التالى، وحصلت عليه فى معظم الأحيان عن طريق الوسائل السلمية نسبياً، إلا أنه لم يتحقق فى بعض البلدان، ولا سيما مصر والجزائر، إلا بعـد صراع عنيف، على الرغم من أن جنوب أفريقيا كانت من أوائل الدول الأفريقية حصولًا على الاستقلال، فقد ظلت تحت حكم المستوطنين البيض حتى عام 1994، فيما يعـرف باتفاقية «الفصل العنصرى».

وفى السنوات الأخيرة من القرن الماضى، ازداد تزاحم التواجد الأجنبى فى القارة الأفريقية بصورة غير مبررة فى كل القارة على نحو عام، وفى منطقة جنوب البحر الأحمر أو ما يُعرف بالقرن الأفريقى الكبير على نحوخاص، سواء كان هذا التزاحم والتواجد من القوى العظمى والكبرى، أو حتى من القوى الإقليمية الشرق أوسطية خاصة القوى الإقليمية غير العربية،، فما الأسباب الحقيقية لهـذا التزاحم والتواجد الأجنبى فى القارة الأفريقية؟ وما صوره؟ وما أهدافـه؟ وما أدوات تحقيق هذه الأهداف؟ وما التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على الأمن الإقليمى للدول الأفريقية فى هذا الاتجاه بشكل عام، وعلى الأمن القومى المصرى بشكل خاص؟ هذا ما سأتناوله فى الأسابيع المقبلة بإذن الله.

 أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد