رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفريقيا الطريق الإجبارى لمصر


هناك أسباب كثيرة تجعل هذه المقولة صادقة ولها أهميتها، ويكفى أفريقيا فخرا أن مصر بحضارتها العبقرية تقبع على القمة الجغرافية للقارة السمراء، ومصر أولى دول أفريقيا وتمتلك ناصيتها الجغرافية وتستقبل الإنسان الأفريقى من الشمال والشرق، هذا الموقع الجغرافى العبقرى جعلها تمد ذراعيها لسواحل البحر الأبيض المتوسط إلى شمال أفريقيا ثم الالتفاف إلى غربها، وتمتد الذراع الثانية فتمتد على طول البحر الأحمر وتنفذ إلى قلب القارة، وهذا ما سهل لمصر الولوج الحضارى والاقتصادى إلى قلب القارة. ولا ننسى أن البحر الأبيض المتوسط كان يمثل الشريان الرئيسى للتجارة العالمية بين آسيا وأفريقيا فى العصور الوسطى، كذلك لعب البحر الأحمر فى هذه العصور، دوراً خطيراً كطريق ملاحى وتجارى بين الشرق والغرب، وكانت الرحلات والمنتجات التجارية معابر حضارية إلى قلب القارة، وكانت الموانىء التى تقع على هذا البحر، تمثل التواصل الحضارى بين مصروغيرها من موانىء هذا البحر، حيث رصعت الموانىء ساحل البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه وكانت نقاط الالتقاء الحضارى للساحل وللقارة، وأول الموانىء يبدأ بمصر ثم السودان واريتريا وأثيوبيا وجيبوتى والصومال، ولا نبالغ إذا قلنا إن العمق الاستراتيجى لمصر هى أفريقيا.

فمصر ليست غريبة على القارة وسكانها، منذ العصر الفرعونى ورحلى «حتشبسوت» إلى سواحل شرق أفريقيا وجلبها بعض منتجات هذا الساحل من بخور وصمغ وغيرها والتى سجلها التاريخ، وفى العصر الحديث عام 1870 أبحرت السفينة الابراهيمية من ميناء الاسكندرية ووصلت إلى جبل طارق ثم إلى جزيرة سانت هيلانه ومنها إلى ساحل الذهب حتى وصلت إلى رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا وعادت لسواحل شرق أفريقيا حتى وصلت إلى خليج السويس، ومن المعروف أن مصر وصلت فى عهد الخديو إسماعيل إلى خط الاستواء، وهنا لابد أن نذكر حقيقة تاريخية تضاف إلى رصيد مصر فى أفريقيا، وهى أن الخديو إسماعيل عمل على مقاومة تجارة الرقيق وبذل جهوداً كبيرة فى هذا السبيل، نظرا للمقاومة الشرسة التى كان يلاقيها من تجار الرقيق وما تدره هذه التجارة من أموال طائلة لهؤلاء التجار. وانتهت مجهودات الخديو إسماعيل بعقد معاهدة عام 1877 مع الحكومة الإنجليزية للتعاون فى منع الاتجار بالرقيق.

وموقع مصر الجغرافى الفريد على رأس القارة، يتطلب منها تحمل مسئوليتها من أجل تحقيق النهضة الحضارية للقارة، فأى شعاع حضارى ينبثق من مصر يجد انعكاسه لأعماق القارة، وفى هذا المقام يجب ألا ننسى دور الأزهر والجامعات المصرية فى خلق الكوادر الشبابية الأفريقية المؤهلة فى معظم التخصصات، وعودتها إلى أوطانها لنشر ما حملته من مفردات تعليمية وحضارية، ولهذا فلا نبالغ اذا قلنا إن مصر هى الباب الذهبى لتدفق سيل الحضارة إلى دول القارة.

 عضو اتحاد المؤرخين العرب