رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأعمدة الأساسية فى النهضة اليابانية


الإنسان اليابانى العمود الأساسى للمعجزة اليابانية، وأقدم نموذجاً يابانياً يحتذى، لتأكيد هذه المقولة، بسرد السيرة الذاتية لـ«كوتوسوكى ماتسوشيتا» والذى عمل وهو صبى صغير بالأعمال الشاقة والتى لا تتناسب مع سنه الصغيرة، فبعد أن ساءت أحوال والده الاقتصادية أخرجه من المدرسة وألحقه بإحدى الورش الصغيرة لتلميع المعادن عام 1904 بمدينة «أوزاكا»، فعمل عملا شاقا بالورشة ولثمانى عشرة ساعة متواصلة يومياً ودون إجازة، ولم يقتصر عمله فى الورشة، بل امتد لخدمة زوجة صاحب العمل وأولاده، والنقطة المضيئة والتى أنارت له الطريق إلى المجد،أنه تمتع بالقيم الأخلاقية السائدة فى مجتمعه اليابانى كالأمانة والصبر والصدق والعطاء والجرأة فى الحق والقناعة بالإضافة إلى الاجتهاد فى العمل، هذه القيم الأخلاقية جعلته يرتقى سلم النجاح بأقدام راسخة، ورغم المعاناة وقلة موارده الاقتصادية استطاع أن يرسم خطته المقبلة لينقذ حياته ويفيد وطنه، فترك عمله بالورشة والتحق بشركة كهرباء «أوزاكا» عام 1910، وهذا العام يعتبربداية انتقال اليابان من عصر الإقطاع إلى العصر الحديث، ومارس العمل بجد وإخلاص رغم خطورة العمل بمجال الكهرباء، وفى عام 1917 فكر فى الاعتزال منه لإصابته بالهزال وضعف صحته، ولكى يعوض انقطاع دخله من العمل، فكر فى ابتكار بريزة كهربائية أفضل ممن تنتجها شركة الكهرباء، ورغم ما عاناه من إقناع أصحاب الأعمال لتسويق ابتكاره الجديد إلا أنه لا يأس عند «ماتسوشيتا» واستطاع بعد كفاح مرير ومعه زوجته وعدد قليل من أقاربه تكوين شركة «كهرباء ماتسوشيتا» ولم يكتف بتكوين شركته بل عمل على تطوير المنتج وتحسينه، وأطلق اليابانيون على إنتاجه اسم « المصابيح الوطنية» للوقوف أمام المستورد من أمريكا، ورغم الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929 وهزيمة اليابان فى الحرب العالمية عام 1945، وإبعاده عن شركاته التى بلغت خمسة وثلاثين مصنعاً خارج اليابان، وتخفيض قوات الاحتلال لعدد العمال، وتحت ضغط العمال والمطالبة بعودته لإدارة شركاته، عاد عام 1947 ليبدأ من الصفر، وبإصرار وشجاعة وبفكر جديد بالإضافة إلى خبرته، واستطاع بعد ثلاث سنوات أن ينقذ شركته وعماله من الإفلاس، وارتقى بشركاته التى حققت عائدات بالملايين، وأدى واجباته الاجتماعية تجاه وطنه، فأنشأ المدارس والمعاهد، ونظم بها الحلقات الدراسية بغرض «دراسة التغيرات العالمية» لتقديمها للحكومة واليابانيين بالمجان للاستفادة بها. وختم أعماله الخيرية بإقامة مؤسسة عام 1983 تقدم «جائزة اليابان» سنوياً تكريماً للعلماء من أى جنسية تشارك أبحاثها فى تحقيق الرخاء للجنس البشرى. يمثل «ماتسوشيتا» رجل أعمال وطنياً قدم مبالغ طائلة ومنحاً ومكافآت وجوائز لمواطنيه وفى مجال الصداقة والإخاء العالمى. عاش فى ظروف اجتماعية قاسية واستطاع بمتانة أخلاقه وكرمه وقيمه أن يصل من خادم فى إحدى الورش الصغيرة، لتقفز شركاته فى العقد السادس من القرن الماضى إلى المركز الأول بالنسبة للمؤسسات اليابانية، وأصبحت فروع شركاته فى دول شتى من العالم.

 عضو اتحاد المؤرخين العرب