جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

إلى إسلام الإنسانية


... تركت الكتاب وعدت بذاكرتى لأفراد جماعة الإخوان الذين عشت معهم سنوات، معظمهم ينتمى للطبقة الوسطى فى المجتمع، وبعضهم من كبار الأثرياء، وكلهم جامعيون، أطباء مهندسون محامون، أساتذة جامعات، أصحاب شركات!.

استكملت قراءة الكتاب فإذا بسطر آخر يقتحمنى قال فيه الفيلسوف «ليس بالاستطاعة تغيير طبيعة هذه الظواهر إلا بمعرفة القوانين التى تخضع لها» إذن للإرهاب قانون، ومعرفة هذا القانون هى التى ستيسر لنا كيفية المواجهة، ولا يمكن للفقر أن يكون هو قانون الإرهاب، لأن أثرياءً كبار هم رموز للإرهاب، ولا أظنكم تنسون أسامة بن لادن وخيرت الشاطر وغيرهما، وكذلك الجهل فليس هو القانون، ولا أظنه يغيب عنكم أن كثيراً من علماء الأزهر ينتمون لمدارس الإرهاب والتطرف، فضلاً عن أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات، الفقر والجهل قد يكونن أدوات لاكتساب أنصار للإرهاب، ولكن القانون غير الأداة، القانون فى حالتنا هذه هو «المنتج الفكرى» الذى يتم تمريره للجميع فقيرهم وثريهم، عالمهم وجاهلهم على أنه هو الدين، القانون هو «العقيدة المشوهة»التى ينعق بها غربان المنابر منذ سنوات بعيدة، فيتلقاها الكل على أنها صحيح الدين، وما هى كذلك، ولأن العقيدة المشوهة سادت وتسيدت أصبح العارف يخاف أن يواجهها حتى لا يدوسه المجتمع الذى آمن بهذا الفكر المريض، إلا أن هذه العقيدة المشوهة لا يمكن أن تتفاعل إلا مع نفسيات معقدة، لذلك فإن أصدق القول هو أن الإرهاب والتطرف ظاهرة نفسية تفاعلت مع عقيدة منحرفة مشوهة فأنتجت عملاً إرهابياً متطرفاً يخالف الفطرة الإنسانية السليمة.

ولكن كيف نواجه قانون التطرف والإرهاب؟ لا شك أننا ألقينا على عاتق الأمن المصرى الكثير، بل فوق ما يحتمل، وفى زمن مبارك كان الكل يعلم المرض ويحفظ قانون الإرهاب، ولكن لعبة السياسة كانت تقتضى من حاكم هذا الزمن أن يحتفظ بحياة هذا التطرف ليكون «تحت الطلب» فكان أن أصبح الحاكم بعد الثورة هو الذى يعيش فى سيارة «تحت الطلب» ورغم أن الثورة شىء رائع إلا أنه كان من مساوىء الثورة أن تلاعب الإخوان بمؤسسات الدولة، ونجحت تلك الجماعة الإرهابية فى وضع رجالها فى كثير من مؤسسات الدولة ليصبح فى كل مؤسسة تنظيم إرهابى مصغر يحقق أهداف الجماعة الإرهابية ويسيطر على مقاليد الأمور فيها يسرق أسرار المؤسسات لتكون فى حضن الجماعة الإرهابية، وكانت وزارة الداخلية من الوزارات المستهدفة منالإخوان، ويبدو أن هذا الاستهداف كان سابقاً على ثورة يناير بسنوات، لذلك كانت معظم الانفلاتات التى حدثت فى العهد الحالى مبعثها وسببها وزارة الداخلية التى بدلاً من أن تكون وزارة إطفاء حرائق أصبحت وزارة إشعال حرائق.

كان مقصود الإخوان وهى تخترق وزارة الداخلية لمن لا يعلم هو القضاء على تلك الوزارة بكاملها، للثأر من ناحية وللعقيدة من ناحية أخرى، فبين الإخوان ووزارة الداخلية ثأر قديم، وجماعة الإخوان لا تنسى ثأرها أبداً ولو بعد قرون، أما العقيدة فجماعة الإخون ترى أن عقيدة الشرطة هى عقيدة كافرة، وأصل ذلك أنهم يعتقدون أن الشرطة يجب أن تحقق بالترتيب مقاصد الشريعة، وأول مقصد هو حفظ الدين ثم حفظ النفس ثم حفظ العقل ثم حفظ النسل ثم حفظ المال، وبالتالى يجب أن يكون مقصد الشرطة الأول هو «حفظ الدين» فى المجتمع بالقيام بدور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتتبع الناس فى الصلاة والصيام وغير ذلك من الفرائض، ثم يأتى بعد ذلك حفظ النفس وهو الأمن الجنائى، ويدخل حفظ العقل فى أمن المخدرات والمسكرات، والنسل يدخل فى تتبع الزناة وإقامة الحد عليهم، ووفقاً لما عشته فى الإخوان كان هدفهم الأكبر حين السيطرة على الحكم هو القضاء على جهاز الشرطة بأكمله لأنه فى تقديرهم غير مهيأ لتحقيق مقاصدهم فى المجتمع، فجهاز الشرطة يضع اهتمامه الأول فى جرائم النفس والمال دون الدين، وللأسف فإن هذا الاختراق وهذا التمدد الإخوانى فى الداخلية كان يسير على مهل دون أى مواجهة تذكر، الأمر الذى يؤكد فشل الوزير الحالى فى القيام بمهمته الأصلية وهى إعادة هيكلة جهاز الشرطة.

ومع ذلك فإن الشرطة وإن لم تستطع إلى الآن فك شيفرة الإخوان داخل الوزارة إلا أن الدولة نفسها لا تزال بعيدة عن مواجهة التطرف والإرهاب، نعم هناك مواجهة للإرهابيين ولكن الإرهاب ذاته لا يزال ينمو فى بيئته ويضم كل يوم لجيشه أنصاراً وجنودا ومتعاطفين، وأظننا أنتهينا إلى نتيجة نهائية تقطع بأن الأزهر الشريف لا يمكن أن يقوم بمواجهة الإرهاب ، فليس فى إمكانه ذلك ، كما أن القائمين عليه لم تبد منهم رغبة فى القيام بهذا الدور، لذلك يجب أن يكون هناك كيان قومى يتبع رئيس الجمهورية مباشرة يضم عقولاً متخصصة فى كافة المجالات العلمية والفقهية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والنفسية والتربوية والفنية والأدبية تسعى بفكرها وعلومها وأفهامها إلى مواجهة جماعات التطرف والتكفير والإرهاب ، فنحن والحق نقول أمام معركة ليست هينة،وليكن شعار الخطاب الدينى الجديد الذى يتبناه هذا الكيان القومى هو «إسلام الإنسانية».