جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الطائرة الروسية والمشكلة السورية


لاشك أن ثنائية القوة والضعف هى التى حددت وعظمت من ظهور ظاهرة المصالح سواء كان تحقيق هذه المصالح على المستوى الفردى أو على المستوى الدولى. وهذه سمة وظاهرة ارتبطت بالإنسان الأول الذى كان لا يعتمد على غير قوته العضلية. تلك القوة التى تطورت مع تطور الفكر البشرى وأصبحت أسلحة وقوة تدميرية خطيرة على الإنسان وعلى البشرية برمتها. ولذا وجدنا ما يسمى بالظاهرة الاستعمارية التى هدفت إلى استغلال الشعوب والسيطرة على مصادر القوة واستعمار الدول. وقد أخذت تلك الظاهرة كثيراً من الصور والعديد من الأساليب العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية وكانت إحدى أهم هذه الصور وتلك الأساليب هو ما يسمى بالمؤامرات.. والمؤامرات هذه تعتمد على أجهزة المخابرات التى تطورت عن طريق التقدم العلمى والتكنولوجى وثورة الاتصالات.

أصبحت ترصد وتحلل وتبحث المشاكل لتعمقها وترصد القضايا لتكرسها وتعمل على استغلال الثغرات والخلافات العرقية والإثنية والطائفية والدينية كوسيلة لتفتيت وتفكيك الشعوب والأوطان، نعم لا أحد ينكر أن المؤامرة وحدها لا تكفى ولكن الأهم والأخطر هو تلك الأنظمة التى تترك المشاكل تتجذر والفساد يستشرى والحقوق تضيع والقانون يسقط والمحسوبية تتفشى، ولذلك تهيئ المناخ للاختراق وتمهد الأرض للمؤامرة. المشكلة فى عدم رصد المؤامرة والتصدى لها بتقوية الوطن وصون حق المواطن حتى لا يخترق من تلك الأجهزة التى تعتمد على ضعاف النفوس الذين لا يتورعون عن ممارسة الخيانة بعمالتهم ومساهماتهم فى تحقيق المؤامرة بطريق مباشر أو غير مباشر فلماذا كانت مؤامرة إسقاط الطائرة الروسية واستغلال إسقاطها بهذه الصورة القميئة غير المسبوقة؟.

فمن المعروف والمعلن مراراً عن مؤامرة إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس طائفية، وكانت ساعة الصفر هى احتلال العراق للكويت تلك الثكنة التى جاء بعدها ما يسمى بصراع الحضارات والنظام العالمى الجديد والفوضى الخلاقة.. ولذا فقد تم على أرض الواقع احتلال العراق وتقسيمه بعد تقسيم السودان وتخريب وسحق سوريا وليبيا واليمن استغلالاً لما سمى بـ «الربيع العربى» وفى كل الأحوال وعلى مدى التاريخ فمصر دائماً هى الجائزة الكبرى لأى مؤامرة فى هذه المنطقة.

فما بالك ومصر وبعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣ قد أجهضت بالفعل وأجلت تحقيق واستكمال هذا المخطط خاصة بعد إسقاط الإخوان وهم الذين كانوا قد جاءوا بعد تقديم أوراق اعتمادهم لدى البيت الأبيض الذى مازال يعمل على إعادتهم بصورة أو بأخرى. إضافة لقناعة النظام المصرى بتعدد وتنوع العلاقات الدولية ومصادر الأسلحة كتطبيق عملى لتحرر القرار المصرى الذى كان رهن إشارة الأمريكان.

أما الأهم فهو إعادة الحرارة فى العلاقات المصرية ــ الروسية والتى جاءت فى توقيت مهم جداً تعمل فيه روسيا إلى استعادة قوتها واسترداد دورها العالمى والإقليمى فى المنطقة بعد ضياع وجودها ودورها فى ليبيا وقبل انتهاء هذا الدور وذلك التواجد فى سوريا إضافة إلى تقارب الموقف السياسى المصرى ــ الروسى عن القضية السورية برمتها. فمصر وروسيا مع حتمية الحل السياسى ومع حق الشعب السورى وحده فى تقرير المصير واختيار حاكمه ومع الحفاظ على الدولة السورية التى تمثل امتداداً للأمن القومى المصرى وهذا غير نظام الأسد. وبالتوازى مع هذا محاربة الإرهاب، كما أن مصر قد أعلنت موافقتها على التواجد الروسى فى سوريا والذى جاء بطلب من النظام السورى غير الآخرين ذلك التواجد الذى كشف مخطط التسويف الغربى الأمريكى الذى يدعى محاربة الإرهاب فى الوقت الذى يستغل فيه هذا الإرهاب لتحقيق مصالحه ولتمرير مخططاته.

ولذا يكون طبيعياً أن تستغل هذه الدول سقوط الطائرة الروسية للضغط على مصر خاصة فى الجانب الاقتصادى بضرب السياحة ولتمرير عدم الاستقرار وضياع الأمن تمهيداً للكثير مما يمكن اتخاذه. مع العلم أن الطريقة التى تم التلاعب بها هى إدانة صريحة لبريطانيا وأمريكا فإذا كانا يعلمان بهذا العمل الإرهابى فلماذا لم يبلغا مصر بذلك؟ أم هو عمل مدبر لضرب مصر وروسيا ولضرب أسفين بينهما؟ وحتى لو كان الإسقاط عملاً إرهابياً فهل الادعاء بمحاربة الإرهاب يستوجب هذا الموقف ضد مصر أم العكس؟ فمصر كم مرت بمثل هذه الظروف وبتلك المؤامرات. وشعبها العظيم دائماً ما يظهر معدنه الأصيل فى مثل هذه المواقف.

ولكن الأمر لا يتطلب اصطفاف الشعب فقط ولكن يتطلب الرصد والبحث والتفكير فى المواجهة والبدائل والأهم هو كيف نسير فى طريق بناء مصر الجديدة مصر القانون والعدل والحرية والدولة المدنية التى لا تفرق بين مواطنيها لأن هذا هو السند الذى يجعل المصريين مدافعين عن وطنهم الذى هو لكل المصريين.