جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

من فقراء شعب مصر إلى رئيس وزراء مصر


تناول المقال السابق أهمية وجود رؤية بعيدة المدى وقصيرة المدى للحكومة لبناء مصر الحرة الأبية، مصر استقلال الإرادة الوطنية، مصر الدولة الحديثة المدنية، دولة القانون والعدالة الاجتماعية. كما أكد المقال أننا فى حاجة إلى حكومة الحرب على الإرهاب والحرب على الفساد والحرب على الفقر. كما طالبنا ألا تقف الحكومة فى مكانها وتبصر تحت قدميها لتقدم خطة عمل يوم بيوم لأنها ستترك الحكم بعد عدة أشهر...


وفى السطور التالية أؤكد أن التصريحات العظيمة والكبيرة والطموحة دون خطة شاملة لا تبنى بلدا. تلك التصريحات التى تتردد يوميا على آذان الشعب المصرى، والتى عادة لا يتحقق منها شىء، أو يتحقق منها أقل القليل، وفقا للأشخاص وخبراتهم وإرادتهم، كل فى وزارته، مع غياب العمل كفريق متكامل. فى ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة والأزمة المالية، نحتاج إلى حكومة عدد وزاراتها أقل بكثير مما نجد فى التشكيل الحكومى الأخير، مما يساعد على كفاءة الأداء وتقليل نفقات الجهازالإدارى المتضخم فى ديوان الحكومة. يا رئيس وزراء مصر، هل تعلم أن الخلل الكبير فى هيكل الأجور يجيئ من سوء التوزيع داخل المؤسسات الحكومية؟ فمن يعملون بجهد وكد يأخذون أقل القليل، ومن يجلسون فى هياكل الوزارات والإدارات الكبرى يتحصلون على أغلبية ميزانية الأجور!

يا رئيس وزراء مصر، إن كل هذا العدد من الوزارات معناه مزيد من الإنفاق الحكومى على «الشىء لزوم الشىء». أى خدمة هذه الوزارات وكبار شاغليها وموظفيها، والصرف على تجديد مكاتبهم، وأساطيل السيارات، وبدل سفر الوفود دون طائل من سفرياتهم فى معظم الأحيان، ومصاريف أطقم الحراسة. أليس كذلك؟ من الممكن اختصار هذه المصروفات إلى أقل من النصف إذا تقلصت عدد الوزارات إلى عشرين إلى أربع وعشرين وزارة، مثل معظم الدول، معتمدة على عدد من المجموعات: مجموعة اقتصادية يقع تحتها المالية والاقتصاد والاستثمار والزراعة والرى والصناعة، ومجموعة للخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والبحث العلمى والإسكان والشباب والرياضة والنقل والاتصالات، ومجموعة تشمل الثقافة والإعلام والاستعلامات والآثار، بالإضافة إلى الوزارات السيادية «الخارجية والداخلية والدفاع والمالية». كثرة الوزارات تجعل المسئولية مشاعا فى العديد من الحالات. هل سمعت يا رئيس وزراء مصر عن مأساة المركب التى غرقت فى النيل فى الوراق بأكثر من خمسين ضحية؟ هل سمعت تصريحات المسئولين؟ كل منهم يلقى اللوم والمسئولية على الآخر بين الحى، والشرطة النهرية، ووزارة الرى وغيرها! مثال آخر: ألم يكن من الممكن أن تتشكل وزارة واحدة للثقافة يتبعها هيئة للآثار، بجانب كل هيئات الإبداع والفنون؟ وبمناسبة الحديث عن الثقافة، أين المجلس الوطنى للإعلام؟ لقد تم إلغاء وزارة الإعلام منذ ما يقرب من سنتين ولم يتشكل المجلس حتى الآن، والذى كان عليه أن يضع ميثاق شرف للإعلاميين مع إنشاء نقابة للإعلاميين ووضع خطة وطنية قومية للإعلام المصرى دون تدخل من أى جهة أخرى. خطة تتواكب مع نشر منظومة القيم والأخلاق والمعرفة والانتماء للوطن، ومحاربة الأفكار المتطرفة المتشددة.

هل نطمع فى أن يخرج علينا رئيس وزراء مصر برؤية شاملة تضع خططا فى كل المجالات، مع آليات تنفيذها ومواردها وخطتها الزمنية؟ ثم نجىء إلى ما يهم فقراء شعب مصر، وهم الأغلبية، والذين يعيش معظمهم حياة غير آدمية فى أماكن غير آدمية. إن مصر التى تباهى العالم بأن 60% من شعبها شباب فى سن العمل، تعانى من بطالة ربع قوة العمل وفق الإحصاءات المعتمدة غير الرسمية رغم أن الإحصاءات الرسمية لا تعترف بأكثر من 13%! هؤلاء الفقراء حينما خرجوا للموافقة على الدستور وجدوا فى باب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أحلاما تعتبر لتحقيق عدالة اجتماعية تنتزعهم من المعاناة ومنها النص على تأمين صحى اجتماعى شامل لكل المواطنين ومن كل الأمراض، وزيادة ميزانية الصحة إلى 3% من الناتج القومى الإجمالى، تزداد تدريجيا حتى تصل إلى النسب العالمية التى تبلغ ضعف هذه النسبة. وتنص أيضا على زيادة ميزانية التعليم قبل الجامعى إلى 4%، غير 2% للتعليم الجامعى و1% للبحث العلمى. وتنص أيضا على حق السكن والغذاء والمياه النظيفة والصرف الصحى. وبمناسبة مياه الشرب، هل تعلم يا رئيس وزراء مصر أن هناك أحياء وقرى ومراكز أهلها عطاشى بالأيام والأسابيع والأشهر، وبالقرب منهم على بعد عدة كيلومترات، التجمعات السكنية «الكومباوندات» بحمامات السباحة وملاعب الجولف تروى بمياه عذبة تكفى لرى آلاف من الأفدنة الزراعية، وتكفى لرى عطش الغلابة. وبالمناسبة، لماذا لا يتم إقرار ضريبة على مساحات أراضى الجولف لتوفير الأموال لإصلاح وتجديد وإحلال شبكات المياه المتهالكة؟

يا رئيس وزراء مصر، سمعنا عن عدد من المشروعات التى تم تدشينها أمام الصحف والفضائيات تحت مسميات مختلفة لتشغيل العاطلين وتنمية المناطق الفقيرة. لماذا لا يتم تجميعها وفق رؤية تنموية تخطيطية شاملة، ذات استراتيجية تشتمل على تمويل كل من الدولة والقطاع الخاص، وتشمل المشروعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، التى توفر فرصا للعمل؟

إن الشعب المصرى الذى عانى عشرات السنين من الإهمال والفساد والفقر والأمية وانتهاك الحريات يطالبكم بالضرب بيد من حديد على الفاسدين والمفسدين ناهبى ثروات الشعب، واتخاذ قرارات شجاعة، وسن القوانين لمحاسبة الفاسدين بدلا من التصالح معهم فى قضايا المال العام، هذا التصالح الذى يشجع كبار رجال الدولة الفاسدين على مزيد من النهب. إن الشعب المصرى يطالبكم بإعادة فتح شركاته ومصانعه التى عادت للدولة بحكم القضاء وعودة العمال من أجل مزيد من الإنتاج.