جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مصر.. ومارمرقس الرسول


الكنيسة جزء من المجتمع لا تستطيع الانفصال عنه والابتعاد عما يصيبه من متغيرات. ولذا فقد وجدنا إعلاناً عما يسمى بتمرد الكنيسة ضد قداسة البابا وتطالب بتنحيته عن كرسيه، نعم فهذا صعب ولكن هناك سوابق تاريخية لذلك.
كيف كانت مصر عند مجىء مارمرقس الرسول للتبشير بالمسيحية؟ مصر دولة تاريخية ذات حضارة عريقة وعميقة عرفت الدين والتدين وتعرفت على الإله الواحد فلم يعبد أى إقليم مصرى غير إله واحد وإن تعددت الأقاليم. عرفت مصر القديمة الفرعونية الكهنوت الفرعونى الذى كان له سطوة وكلمة، لأنه مرتبط بالدين وبطقوسه الفرعونية فاستمد سلطته وقداسته من قداسة الدين لدى المصريين. عرفت مصر القديمة المعابد التى يصلون فيها للإله المعبود. كانت هناك عقيدة الثليث وكان لديهم مفتاح الحياة كان هذا هو الوضع الدينى والأهم كانت هناك أقوى طائفة يهودية لها نفوذ دينى وعلمى حتى إن هذه الطائفة كانت قد قامت بترجمة التوراة بما عرف بالترجمة السبعينية وكان مع هذا وبجواره الاحتلال الرومانى بقوته وجبروته بعد هزيمة البطالمة وإن ظلت العلوم والفلسفة البطليمية اليونانية لها تأثيرها المهم والمباشر حينئذ.

إذن جاء مرقس إلى بلد يمتلك من العلم والحضارة والدين يموج بالفلسفة اليهودية واليونانية مع القوة العسكرية الرومانية. ولذلك بشر مرقس بالمسيحية بطريقة أقرب للعقل وتتحلى بالمنطق وتتسم بالذكاء فاستبدل الكهنوت الفرعونى بالكهنوت المسيحى وأصبح المعبد هو الكنيسة وعقيدة التثليث الفرعونية أصبحت عقيدة التثليث المسيحية وهذا ما سهل التعرف والإيمان بهذه العقيدة بالرغم من صعوبتها المنطقية والعقلية ثم كان مفتاح الحياة هو الصليب. ناهيك عن أن أغلب الألحان الفرعونية القديمة مازالت تردد حتى الآن فى الكنيسة بمسمى الألحان القبطية.

إذن قد تأثر الكهنوت المسيحى بالكهنوت الفرعونى من حيث القداسة والتقديس الذى يعطى الحصانة والعصمة للبشر ومع ذلك استطاعت الكنيسة المصرية أن تخرج من مشكلة عصمة البشر تلك المشكلة التى وقعت فيها الكنيسة الكاثوليكية، حيث تؤمن بعصمة البابا الشىء الذى أوجد الاستبداد الكنسى فى العصور الوسطى الأوروبية وإن كانت العصمة الآن للبابا فى تعاليمه الدينية فقط.

وأصبح الكهنوت فى العقيدة الأرثوذكسية المصرية له التوقير والاحترام، لأنهم يعتبرون الكهنوت هو اختيار إلهى أى من السماء. ولكن مع هذا فالكاهن والكهنوت والأكليروس بشكل عام هم فى العقيدة المسيحية وهذا هو المهم واستلهاماً وتشبهاً بالسيد المسيح يصبح الكهنوت هو خدمة للشعب فى المقام الأول فالكاهن أب روحى هو خادم للشعب وليس سيداً لهم هو مرشد وليس قائداً والكهنوت هو خدمة وقناعة وإيمان وليس وظيفة ولا موقعاً للاسترزاق والمنظرة.

وقد أصح الكهنوت أحد أسرار الكنيسة السبعة ولكن هل كان ومازال الكاهن أباً ومرشداً وخادماً؟ لاشك فإن الضعف البشرى والمكانة الدينية ومعاملة التابعين وتقديسهم للكاهن جعل الكاهن الإنسان البشر الضعيف ينسى أنه خادم ويتصور أنه سيد ومقدس فتغير التعامل وتبدلت العلاقة بين الكاهن والشعب. كما أن التغيرات المجتمعية والمحلية والعالمية أحدثت تغيراً جذرياً فى المعاملات والعلاقات، حيث إن الكنيسة جزء من المجتمع لا تستطيع الانفصال عنه والابتعاد عما يصيبه من متغيرات. ولذا فقد وجدنا إعلاناً عما يسمى بتمرد الكنيسة ضد قداسة البابا وتطالب بتنحيته عن كرسيه. نعم فهذا صعب ولكن هناك سوابق تاريخية لذلك آخرها فى خمسينيات القرن الماضى خرج شباب الأمة القبطية ضد البابا يوساب وتم تنحيته عن الكرسى حتى وفاته. هذه الحركة سببها مشكلة الطلاق والزواج الثانى.

والمشكلة مختلفة بسبب اختلاف الفكر الدينى للبابا شنودة الثالث عن مجمل الباباوات فى تاريخ الكنيسة، حيث كانت هناك أسباب للطلاق تؤدى إلى الزنى لو لم تعالج والآن نجد بعض الأساقفة الذين يتصورون أن التمسك برؤية البابا شنودة هى المسيحية الصحيحة خاصة أنهم رهبان غير متزوجين. فلماذا لا يكون البابا أباً وخادماً وحانياً على أبنائه أبناءه ويحاول أن يحل وإلا لماذا لا تتدخل الدولة بإقرار الزواج المدنى الذى يحل المشكلة والكنيسة تتعامل معه فى المهجر فلماذا التعنت باسم الدين؟ ولماذا لا نكون آباء وخداماً وليس أسياداً فهل يصح من الأنبا روفائيل أن يقول اللى موش عاجبه يروح حتة تانية، التغيير سنة الحياة والتغيير بأيدينا أسلم من تغيير آخر ليس فى مصلحة أحد يسروا ولا تعسروا.