الاكتئاب القومى المزمن
وتشير مؤشرات كثيرة إلى أن الدعائم النفسية / الحضارية التى تقوم عليها هويتنا الوطنية لا تزال أقوى من كل ما يرتكب فى حقها من محاولات الانسلاخ أو التشويه، فهذه المحاولات لا تقوى على أن تمحوها ولا تستطيع أن تشل فاعليتها ومع ذلك فمن المحقق أنها تسبب لنا ما يمكن أن نصفه بأنه أضرار تراكمية لا سبيل إلى تجاهلها ولا إلى التقليل من وقعها علينا، ومن أسوأ هذه الأضرار وأشدها خبثاً ما يعرف: بـ«الاكتئاب القومى المزمن»، وهو حالة عامة تتفشى بين المواطنين تشبه فى كثير من ملامحها اضطراب الاكتئاب كما يوصف فى المراجع العلمية التى تتناول بالتحليل والتعليل أنواع الاضطرابات والأمراض النفسية، وفى هذا الصدد يحدد «مارتن سليجمان» وهو مؤسس علم النفس الإيجابى الأعراض النفسية الرئيسية للمرض بأنها ثلاثة هى : التشاؤم المتسق أو توقع حدوث المكروه غالباً، والاستسلام المتسق أو توقع العجز عن درء هذا المكروه فى معظم الأحيان، والتمسك بوجهة نظر معينة فى تعليل أى نجاح وأى فشل مؤداها: أن النجاح يرجع غالباً إلى الصدفة أو إلى عوامل خارجة عن إرادة الشخص، بينما يرجع الفشل إلى عجزه وتدنى قدراته، فالنجاح عابر يأتى من خارجنا أما الفشل فهو الأصل ويأتى من داخلنا.
وهناك تشابه بين هذه الأعراض وما نراه شائعاً بين غالبية مواطنينا فى مواقف الحياة المختلفة من أشكال السلوك ومضامينه، إذ يترتب على الانسلاخ من الهوية الوطنية افتقاد دائم أو متجدد لمصدر مهم من مصادر الشعور بالأمان وما يترتب عليه من سلام نفسى كان من الممكن أن يوفره الانتماء إلى كيان أكبر من الذات الفردية يصمد للاحتماء به فى مواجهة المجهول.