جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

المتاجرون والانتهازيون لا مكان لهم الآن


لاشك أن الدستور والقانون لا يفرق بين مواطن مصرى وآخر لأى سبب سواء كان الدين أو اللغة أو الجنس.. إلخ، ولكن هناك علاقات اجتماعية وممارسات سياسية وفوارق طبقية واقتصادية وتراكمات تاريخية تخلق نوعاً من الفوارق وكثيراً من التمييز بين مواطن وآخر وعندما يكون هناك تطلع سياسى رشيد وحاكم عاقل يرتبط بالشعب ويسعى لحل مشاكله ويؤسس لمشاريع قومية ويشرع قوانين تحكم الجميع والأهم تطبق على الجميع يقل التمايز وتتلاشى الفوارق والعكس صحيح.

... وهنا تأتى العلاقة الإسلامية المسيحية أو ما يسمى تاريخياً بورقة الأقباط، تلك الورقة التى دائماً يستغلها الاستعمار على مدار التاريخ وكثيراً ما يتاجر بها كثير من المتاجرين بمشاكل الأقباط داخلياً وخارجياً. فيتم التعامل والتماهى بين الاستعمار وبين هذه النماذج المتاجرة تحت زعم الدفاع عن الأقباط وحل مشاكلهم حتى ولو كان من باب التدخل الأجنبى فى شئون الوطن بتلك الحجة.

وذلك تأسس تاريخياً فى أزمنة كانت تتصف وبحق بمظالم واضطهادات تقع على الأقباط وعلى المسلمين الفقراء وغير المتنفذين، الشىء الذى أوجد ما يسمى بنظام الملة ذلك النظام الذى كان يعتبر الأقباط أهل ملة أو مثل أى جالية أجنبية لا علاقة لها بالدولة بشكل مباشر ولكن علاقاتها بالحكم عن طريق رئيس الجالية أو القنصل وكان يقابل ذلك بالنسبة للأقباط أن تكون الكنيسة هى الممثل لعموم الأقباط وكأنها هى المسئولة عنهم روحياً وسياسياً والدولة والحكومة غير مسئولة عنهم بشكل مباشر، الشىء الذى أوجد وخلق نوعاً من الهجرة الجماعية إلى الكنيسة روحياً وجسدياً ومعنوياً، وهذا كان واقعاً قد فرضته الظروف التاريخية لغياب فكرة المواطنة وعدم تقبل مبدأ المساواة بين المواطنين نتيجة لانتشار وسيطرة فكر دينى لا يؤمن بالمساواة حتى كان محمد على الذى أسس بشكل براجماتى بعض الحقوق للنخبة القبطية عن طريق تملك الأراضى بطريقة نظام الملتزم واسناد المواقع المالية والإدارية لهم حتى كانت مشاركة هذه النخبة فى ثورة ١٩١٩ بشكل فوقى بعيداً عن المشاركة الشعبية لمجمل الأقباط، كما كانت هذه النخبة هى الوسيط بين الكنيسة والحكومة عن طريق المجلس الملى الذى أنشئ عام ١٨٧٥.

وكانت يوليو ١٩٥٢ التى أوجدت أنواعاً متعددة من أشكال المساواة بين المصريين نتيجة لتطبيق سياسة العدالة الاجتماعية والقوانين الاشتراكية فظهر الدور الوطنى للكنيسة أكثر من الدور السياسى لها بين الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس ثم جاء الرئيس السادات والبابا شنودة فكان صراعاً شخصياً أكثر منه خلافاً طائفياً، فحاول البابا شنودة أن يكرس ويوسع الدور السياسى للكنيسة مستغلاً مشاعر الأقباط الدينية فرفض السادات ورضخ مبارك وكان نتيجة ذلك تحول المناخ الطائفى إلى فرز طائفى «مسلم ــ مسيحى» فزادت المصادمات وعلت الأحداث الطائفية فكانت هبة ٢٥ يناير فشارك الأقباط بحذر وجاء الإخوان فزادت المشاركة وتصاعدت بشكل غير مسبوق فى هبة ٣٠ يونيو وكانت هذه المشاركة يجب أن تكون بداية حقيقية لخروج الأقباط من شرنقة الكنيسة سياسياً والاندماج فى الحياة السياسية بالمشاركة فى الحياة الحزبية لتحقيق المواطنة قولاً وفعلاً خاصة أن بوادر ذلك قد ظهرت عند مجىء البابا تواضروس الذى رفض تدخل الكنيسة فى السياسة واكتفى بالدور الوطنى الذى تجلى عند حرق الكنائس فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣ ورفض الجميع أى تدخل خارجى.

وكانت مقولة «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن» وتوارى دور أقباط المهجر بل تحولوا إلى النقيض مجاراة للوضع وبحثاً عن متاجرة بشكل مختلف وللأسف فقد وجدنا هؤلاء المتاجرين يظهرون علينا فى أشكال تنظيمات طائفية غير قانونية بحثاً عن دور لا يجيدونه وإعلام يتمنونه «شباب ماسبيرو ــ أقباط متحدون .. إلخ» وجاء السيسى وأقدم على خطوة جريئة وتاريخية أرسى بها قيمة التوحد المصرى «كلنا مصريون» بدلا من «مسلم ــ مسيحى» وذلك عندما ذهب إلى الكاتدرائية للتهنئة فى عيد الميلاد ثم كانت كارثة قتل واحد وعشرين مصرياً مسيحياً فى ليبيا فكانت صدمة وبحق للجميع بلا مزايدة أو مجاملة ولأول مرة يتعامل الجميع مع الكارثة على أنها لمصريين وليس لمسيحيين، ولأول مرة يتم تعزية الدولة ورئيسها داخلياً وعالمياً فى حادثة لمسيحيين وكان قبل ذلك الجميع يعزى الكنيسة وكأنها هى المسئولة عن الأقباط والممثلة لهم وكان الرد السريع بالضربة الجوية للقتلة فى ليبيا رداً للكرامة المصرية وثأراً لقتل المصريين، ولكن للأسف ونتيجة للتراث الطائفى القابع فى الضمير الجمعى المصرى وجدنا كل المسئولين جميعهم يذهب للكنيسة للعزاء مسترجعين تراثاً وسلوكاً طائفياً ما كان يجب أن يكون لأنه لم يحدث هذا مع الأزهر لو كانت حادثة جميعها مسلمون فلماذا الكنيسة؟

ولذا وجدنا بعض المتاجرين والمستغلين والانتهازيين يصدرون بياناً للمتاجرة والمزايدة يوجهون فيه بتقصير الحكومة والدولة فى إنقاذ الشهداء وكأن هناك دولة وحكومة وجيشاً وخارجية تملك من نفسها شيئاً فى ليبيا، ولكنها المزايدة والبحث عن دور وتخيل زعامة مفقودة. ستظل مصر هى كل المصريين لا فرق بين مصرى وآخر حيث إن الجميع يشارك فى جينات تصل نسبتها إلى ٩٨٪ ولن يبنى مصر الجديدة القوية ولن يواجه المشاكل الصعبة والتحديات الجبارة والمؤامرات من كل جانب ولن يسند الجيش والشرطة ولن يواجه الحرب الشرسة غير كل المصريين وبغير سواعد وجهد وعرق كل المصريين فلا مواجهة بغير وطن قوى جامد منتج قادر على حل مشاكله وضم كل أبنائه ومشاركة الجميع فى البناء والمشاركة فى اتخاذ القرار حتى تظل مصر دائماً قادرة بكل المصريين.

■ كاتب وبرلمانى سابق