جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

شارلى إبدو.. ضمير أوروبى


قامت أمريكا أوروبا ولم تقعد بعد قتل اثنى عشر من العاملين فى صحيفة «شارلى إبدو» الفرنسية. وقف مجلس الأمن دقيقة حداداً على أرواحهم. توجه الرئيس أوباما شخصياً إلى السفارة الفرنسية للعزاء. قدم معظم القادة العرب أحر التعازى. واستنكرت معظم وسائل الإعلام الجريمة وصولاً إلى المطالبة بتنظيم مظاهرات التضامن مع فرنسا ضد الإرهاب! وشارك عشرات من قادة العالم فى مظاهرة فرنسية تنديداً بالإرهاب. وأنا شخصياً أرحب من صميم قلبى بأن تقوم الدنيا ولا تقعد إذا أريقت قطرة دم واحدة، أو اقتلعت شجرة أو حتى دهس طائر على الطريق. وكل كائن حى جدير بكل ذلك الاهتمام وبما هو أكثر. إلا أن ماجرى يحتاج إلى نقاش أبعد من رفض الجريمة والتعاطف مع ضحاياها. فى ذلك المجال يثور سؤال عن ملابسات الحادث والجهات التى تقف خلفه. فقد أعرب عدد من المراقبين الفرنسيين عن دهشتهم من أن صحيفة «عشرون دقيقة» نقلت الخبر بعد وقوع الحادث بثلاث دقائق! وأن وسائل إعلام إسرائيلية حددت هوية الفاعلين بعد خمس عشرة دقيقة من الهجوم! هل تحتاج أمريكا والغرب إلى تأجيج حملة ضد الإسلام لتبرير تدخلها العسكرى الإجرامى فى سوريا والعراق وليبيا؟ . يطرح موقع «ويكى ستريك» هذه الأسئلة وغيرها. فلماذا لانجدها مطروحة عندنا؟. السؤال الثانى يتعلق بمقاس الضمير الأوروبى المضبوط على قدمى جريدة «شارلى إبدو» ولا يتسع لأوجاع لآخرين. وحسب تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين الدولية فقد قتل من الصحفيين العرب فقط عام 2014 أكثر من ثلاثين صحفياً. فى سوريا قتل تسعة عشر صحفياً. فى غزة سبعة صحفيين. فى العراق عشرة صحفيين. ولم يقف مجلس الأمن ربع دقيقة حداداً على أحد. وعندما قتل فى غزة فى يوليو العام الماضى أكثر من خمسمائة طفل فلسطينى لم تهتز شعرة من ذقن الهيئات الدولية. السؤال الثالث: هل يدخل الاستهزاء بمعتقدات الناس فى باب حرية التعبير؟ أليست شارلى إبدو هى الصحيفة ذاتها التى أعادت فى فبراير 2006.

نشر الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول الكريم؟ وهى التى نشرت فى 2011 عدداً خاصاً بعنوان الشريعة تضمن مختلف العبارات التهكمية على الرسول الكريم؟ وزعمت أن الرسول «صلعم» هو رئيس تحرير ذلك العدد؟! وعادت فى 2012 فنشرت صوراً ساخرة فى الموضوع نفسه؟ وفى 2013 نشرت إصداراً خاصاً من رسوم كاريكاتورية زعمت أنها تصور حياة الرسول الكريم؟. ومع أن الكثيرين يدعون أن الصحيفة تتهكم على كل الديانات إلا أننى لم أجد لها رسوماً ضد اليهودية مثلاً؟!. عام 1937 نشر إسماعيل أدهم مقالاً بعنوان» لماذا أنا ملحد» أعلن فيه إلحاده، ولم يسيء فيه بحرف لا إلى الإسلام ولا المسلمين ولا لغيرهم. هناك فارق بين حريتك فى إعلان موقفك وأنا مع تلك الحرية، وبين الاستهزاء بالآخرين وبمعتقداتهم بدعوى حرية التعبير. وقد أشار الكاتب ديفيد بروكس فى مقال بصحيفة «نيويورك تايمز إلى المعنى نفسه قائلاً إنه لو أرادت الصحيفة الفرنسية خلال السنوات العشرين الماضية أن تصدر فى حرم جامعى أمريكى لاتهمها الطلاب بتبنى الحقد ولكانت الإدارة أغلقتها». السؤال الرابع: هل ينبغى علينا أن ندافع عن الإسلام ونبرئه من أولئك المجرمين؟ أم أن علينا على العكس أن نوضح للأوربيين والأمريكيين أن الأعمال الفردية تعبر عن أصحابها وليس عن العقيدة؟ ولو كان الأفراد تعبيراً عن العقائد الدينية لكان علينا أن نشن هجوماً على المسيحية بعد ما رأيناه من فظائع الضباط الأمريكيين فى معسكر أبى غريب بالعراق! لا ينبغى أن نتعامل بنفسية المتهم، لأن المتهم الحقيقى هو الضمير الأوروبى الذى يولول لمقتل 12 صحفياً ولا يهتز لحظة لمئات من الأطفال السوريين الذين يتجمدون من قلة الغذاء والبرد. يجب أن يكون خطابنا إلى الغرب بصيغة : أفق أيها الضمير!

إسرائيل.. على كرسى المُشاهد