الأخذ بالأسباب والرضا بالقضاء والقدر.. مفاتيح التعامل مع فقدان "الآبناء"
استيقظوا كأي يوم عادي، ارتدوا ملابسهم، ونمت إلى آذانهم نفير "أتوبيس المدرسة"، أسرعوا لركوبه وودعوا أمهاتهم بقبلة زكية، انشدوا مع أصدقائهم أروع الأغاني وكأنهم ذاهبين إلى رحلة، لا يدركون أنها ستكون الأخيرة في حياتهم، وأن طريقهم للمدرسة سيتغير ويصبح للجنة؛ ليسود صمت كئيب مندى برائحة الموت عند سماعهم لصوت اصطدام رهيب، اغتال طفولتهم البريئة، وترك كتبهم مرمية على الأرض ملطخة بالدماء تشيعهم ببكاء لا نسمع أنينه، لتذهب أرواحهم إلى بارئها ولا يبقى سوى أمهات بصرخات مكتومة أودعت فيها كل حزنها، ولسان حالها "ياريتنى ماوديته المدرسة".
أوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر، أن الحل الأمثل والواقعي مع تكرار عمليات التفجير يتمثل في الأخذ بالأسباب، فلا بد من بذل الجهود من قبل الخبراء لتلافي الحوادث والكوراث السيئة، ويسير ذلك جنبا إلى جنب مع التوعية السليمة، أما فيما يتصل بالمحيط الأسري، يجب غرس ثقافة الرضا بالقضاء والقدر، وان كل شئ في الكون يسير بإرادة الله.
وأشار كريمة إلى أن هناك العديد من الآيات القرآنية التي تحض المؤمنين على الصبر والتي يمكن ذكرها لمحاولة تشجيع الأمهات اللواتي فقدن ابنائهن على الصبر مثل "ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإن إليه راجعون"، "وإن يمسسك الله ضر فلا كاشف له إلا هو وأن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده"؛ مع ضرب الأمثلة والقصص في صبر الأنبياء والمرسلين وآل البيت والأولياء الصالحين والعلماء الراسخين، الذين واجهوا أصعب المواقف بالرضا، ليضربوا أروع الأمثلة في القضاء بالقدر والصبر.
وأكد كريمة على ضرورة ظهور الأبوين بمظهر التماسك أمام أبنائهم، وعدم تهويل هذه الكوارث أمامهم، مع الحرص على شغلهم بالألعاب وكافة أنواع الترفيه الأخرى حتي يتعلموا التعايش مع الأحداث.
وأوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن هذه الانفجارات المتكررة لها تأثير سلبي على نفوس الأمهات، الذين يرون كل يوم أطفال تقتل دون أى ذنب، فيصابون بنوع من الخوف والقلق والتوتر والاكتئاب، ويزيد من حدته شعورهم بالانفلات الأمني، إلى جانب معاناتهم من أعراض جسمانية كالصداع وألم المعدة وازدياد ضربات القلب والشعور بالإعياء، منوها إلى أن بعض الأمهات ستمنع أبناءها من الذهاب إلى المدارس خوفا من عودتهم محمولين على الأعناق إلى منازلهم.
وأشار فرويز إلى أن العوامل التي تساعد الأم على تقبل هذا الواقع والتعايش معه يتمثل في إدراكها لطبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر، لذا لا بد من تسلحها بالصبر، الثقة في الله، وكذلك الجهاز الأمني الذي يحاول التقليل من هذه الخسائر، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر نجحت في تجاوز المحن التى مرت عليها.