جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

تفشي الإرهاب والهجرة غير الشرعية.. ظاهرة "اللجوء البيئي" تدق "ناقوس الخطر"

الهجرة غير الشرعية
الهجرة غير الشرعية

البيئة هي المسرح الذي تدور عليه مسرحية الحياة، والتغيرات المناخية هي الدراما التي تهز هذا المسرح وتغير مجرى الأحداث، فعندما تتأثر البيئة بالتلوث والاحتباس الحراري والظواهر الجوية المتطرفة، تتأثر معها حياة البشر ومصيرهم.

ومن بين تأثيرات التغيرات المناخية، تبرز ظاهرة اللجوء البيئي، التي تعني نزوح الناس من مناطقهم أو بلادهم بسبب العوامل البيئية أو المناخية.

هذه الظاهرة ليست حديثة العهد، فقد شهد التاريخ حالات عديدة من النزوح والهجرة؛ بسبب الكوارث الطبيعية أو التغيرات البيئية، ولكن في عصرنا الحاضر، تشهد هذه الظاهرة ازديادًا في حدتها وانتشارها؛ بسبب تفاقم التغيرات المناخية وتأثيراتها المتشابكة والمتعددة على الأمن والتنمية وحقوق الإنسان.

وتواجه ظاهرة اللجوء البيئي تحديات جمة على المستوى الفكري والقانوني والسياسي والإنساني، فلم يتوصل العالم بعد إلى تعريف موحد أو مقبول دولي للمهاجر البيئي، ولم يضع إطار حماية قانونية أو سياسية شاملة له، ولم يجمع بيانات أو إحصاءات دقيقة عن حجم واتجاهات وأسباب وتبعات اللجوء البيئي في العالم.
 
كما تواجه الظاهرة أيضًا تحديات إنسانية على المستوى الفردي والجماعي، فالمهاجرون البيئيون يعانون من خسارة مصادر معيشتهم وهويتهم وثقافتهم وكرامتهم، ويتعرضون للتهميش والاستغلال والانتهاكات في مناطق المنشأ أو العبور أو الوصول.
 

ظاهرة عالمية

يقول الخبير في مجال البيئة، يحيى عبد الجليل، إن اللجوء البيئي هو مصطلح يستخدم لوصف الأشخاص الذين يضطرون إلى مغادرة مناطقهم الأصلية؛ بسبب تغيرات بيئية مفاجئة أو طويلة الأمد، مثل الفيضانات والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر والزلازل والبراكين وغيرها، وتهدد هذه التغيرات رفاهية هؤلاء الأشخاص وسبل عيشهم وأمنهم، وقد تجبرهم على البحث عن ملاذ آمن في دول أخرى أو داخل بلادهم.
ويستكمل "عبد الجليل" لـ "الدستور" "تشكل الظاهرة تحديًا كبيرًا للمجتمع الدولي، كونها تطرح مسائل إنسانية وقانونية وأمنية وسياسية واقتصادية، وهناك حاجة إلى حماية ومساعدة المهاجرين البيئيين وتوفير حلول دائمة لهم، خاصة أنهم لا يتمتعون بوضع قانوني واضح أو بحقوق مضمونة في اتفاقية جنيف للاجئين".

"ومن جهة أخرى، هناك حاجة إلى التصدي لأسباب اللجوء البيئي والحد من آثاره على السلام والأمن والتنمية، خاصة أن هذه الظاهرة قد تزيد من حالات الصراع والعنف والهجرة غير الشرعية والإرهاب، فقد أشارت بعض التقارير إلى أن عدد المهاجرين البيئيين سيصل إلى 200 مليون شخص بحلول عام 2050"، وفق حديث "عبد الجليل".

ولمواجهة هذه التحديات، يوضح أنه "يُلزم وجود تعاون وتنسيق بين الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، وتبني سياسات واستراتيجيات شاملة ومتكاملة، تراعي حقوق واحتياجات المهاجرين البيئيين، وتعزز قدراتهم على التكيف والإعمار، وتدعم جهود الحد من الانبعاثات والتخفيف من آثار التغير المناخي، وتحقق التوازن بين المصالح الوطنية والإقليمية والعالمية".

تأثير محلي

يؤكد الخبير في مجال البيئة، أن مصر تتأثر بظاهرة اللجوء البيئي كدولة مصدرة ومستقبلة للمهاجرين البيئيين، ووفقًا لتقرير المنظمة الدولية للهجرة، فإن مصر تُعد من أكبر الدول المصدرة للمهاجرين في العالم، حيث يبلغ عددهم حوالي 3.4 ملايين شخص، منهم 1.6 مليون شخص في دول عربية، و1.8 مليون شخص في دول غير عربية، وتشير بعض الدراسات إلى أن العوامل البيئية تلعب دورًا هامًا في قرار الهجرة، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد على الزراعة.

ويضيف "تستقبل مصر أيضًا عددًا كبيرًا من المهاجرين واللاجئين من دول أخرى، خاصة من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ووفقًا لتقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن مصر تستضيف حوالي 250 ألف لاجئ مسجل رسمي، بالإضافة إلى عدد غير معروف من اللاجئين غير المسجلين، وتشير بعض الدراسات إلى أن العوامل البيئية تؤثر أيضًا على قرار اللجوء إلى مصر، خاصة في ظل تفاقم التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية في دول المنشأ".

ومن بين التحديات التي تواجه مصر في مواجهة اللجوء البيئي، يشرح "نقص الموارد المالية والتقنية والبشرية لتنفيذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من والتكيف مع التغيرات المناخية، وعدم وجود إطار قانوني وسياسي واضح وشامل للتعامل مع المهاجرين البيئيين، فضلًا عن عدم وجود بيانات وإحصاءات دقيقة وموحدة عن حجم واتجاهات وأسباب وتبعات اللجوء البيئي في مصر".

مواجهة بيئية

أما عن الخطوات التي تتخذها مصر لتجاوز هذه التحديات، يشير "عبد الجليل" إلى أن مصر وضعت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، التي تحدد الأهداف والسياسات والبرامج والمشروعات للتخفيف من والتكيف مع التغيرات المناخية في مختلف القطاعات، كما تعمل على تنفيذ عدد من المشروعات البيئية بالتعاون مع شركاء التنمية، مثل مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى، وبرنامج التحكم في التلوث الصناعي، ومشروع تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، ومشروع حماية سواحل الدلتا من ارتفاع مستوى سطح البحر.

ويستطرد "طورت الدولة المصرية أيضًا القوانين واللوائح المتعلقة بالبيئة والتغيرات المناخية، مثل قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 وتعديلاته، وقانون حماية الحياة الفطرية والمحميات الطبيعية رقم 102 لسنة 1983 وتعديلاته، وقانون الموارد المائية والري رقم 12 لسنة 1984 وتعديلاته، كما عززت التعاون والتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية باللجوء البيئي، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والمنظمة الدولية للهجرة".

ولفت "عبد الجليل"، إلى أن مصر نجحت مؤخرًا في تحسين جمع وتحليل البيانات والإحصاءات المتعلقة باللجوء البيئي في مصر، بالتعاون مع الجهات المختصة مثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والمركز القومي للبحوث، وأكاديمية البحث العلمي، كما ساهمت في زيادة الوعي بشأن ظاهرة اللجوء البيئي وأهمية مواجهتها بشكل فعال وشامل، من خلال تنظيم حملات وورش عمل وندوات ومسابقات وبرامج تدريبية للجهات المعنية.