جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ما أحلمُ به لبلادى فى الحوار الوطنى! (2)

 

                                                                            (الجزء الثانى)

المحور السياسى.. ما لم يقله القائمون على الأحزاب السياسية!

(1)

فى عام 1921م، وفى ذروة توابع أحداث ثورة 1919م قام سعد باشا زغلول زعيم الأمة برحلة نيلية فمنعت السلطات الباخرة التى يستقلها من أن ترسو على أى شاطئ من شواطئ مدن الصعيد لمنع الزعيم من الالتحام بالمصريين. حاول الأهالى فى مدن مثل جرجا وأسيوط أن يوقفوا الباخرة بالقوة ووقعت حوادث كثيرة، حتى وصلت الباخرة إلى الأقصر، فقام توفيق باشا أندراوس بتوقيف الباخرة أمام قصره رغم تهديد السلطات له، واستضاف زعيم الأمة فى قصره وسط التفاف الآلاف من المصريين!
فى هذه الفترة كان السواد الأعظم من المصريين فلاحين فقراء معدمين غير متعلمين، لا يملك غالبيتهم سوى جلبابٍ واحد، وفى القرى والنجوع لا يملك أحذية سوى الأعيان! لكن كثيرًا منهم كان يصوت فى الانتخابات، وكانوا يلتفون حول زعماء الوفد، يسيرون خلفهم، وحين قاد هؤلاءُ الزعماء الثورة ثاروا معهم!

بعد ثورة 1952م تم منع وجود الأحزاب السياسية، والتف نفس هؤلاء الفلاحين– الذين يشكلون غالبية المصريين– حول قادة الثورة. وكلنا يمكننا مراجعة المادة الوثائقية المصورة المؤكدة لذلك. فلقد حُرم قادة الثورة المصريون من ممارسة السياسة بشكلها التقليدى القديم، لكنهم قدموا لهذه الجموع ما جعلها تمنح هؤلاء القادة الدعمَ الشعبى الذى لا يمكن أن ينكره قارئ منصف للتاريخ، رغم كل التحفظات واختلافات الرؤى حول بعض قرارات وسيرة هؤلاء القادة فى الحكم!

(2)
منذ عودة الحياة السياسية وعودة الأحزاب للشارع المصرى وحتى الآن، يمكن القول بأريحية إن الأحزاب السياسية لم تعد لسابق سيرتها، وجماهيريتها، ومصداقيتها، فى الشارع المصرى كما كانت قبل ثورة عام 1952م! ولا يمكن بأى حال تصنيف الحزب الوطنى الديمقراطى المنحل بعد عام 2011م كحزب شعبى حقيقى، لأنه كان حزبًا وهميًا من حيث الشعبية، ثم صار فى السنوات الأخيرة ملتقى لأصحاب المصالح، ونموذجًا تقليديًا لفكرة تحالف أصحاب المال الحرام وأنصاف الساسة من الفاسدين! هذه حقيقة لا يختلف عليها أحد مهما كان توجهه وأيديولوجيته، لكننا نختلف حول تحديد أسباب ذلك!
فيحلو لكثيرين ممن ينخرطون فى العمل السياسى الحزبى بعد عودة الأحزاب أن يحصروا أسباب ذلك فى (السلطة الحاكمة)! 
استمعتُ إلى كثيرٍ من كلمات هؤلاء السادة فى إطار جلسات المحور السياسى بالحوار الوطنى. كانت هناك جوانب مضيئة ومتفائلة تحيط بالمشهد، وعلى رأس تلك الجوانب هذه الكوكبة من شباب الأحزاب الذين ألقوا كلمات ورؤى أحزابهم حول مستقبل الممارسة السياسية فى مصر. كما ألقى بعض القادة القدامى كلماتهم أيضًا، محاولين تفسير أسباب ضعف الحياة السياسية الحزبية فى مصر، ومقدمين رؤى أحزابهم حول كيفية تغيير هذا الواقع مستقبلًا، والعودة بالمصريين لممارسة سياسية حزبية حقيقية!
كثيرٌ مما تم ذكره دار حول فكرة رئيسية واحدة تتشعب منها أفكار تفصيلية. هذه الفكرة أن السبب الأوحد لتفسير ما آلت إليه الحياة السياسية الحزبية فى مصر هو ممارسات السلطات الحاكمة المتعاقبة منذ عودة الأحزاب قانونًا وحتى الآن. تحدثوا عن التضييق الأمنى فى ممارسة الفعاليات الحزبية، وتسبب ذلك فى الحئول بين الأحزاب والمصريين! تحدثوا عن بعض القوانين التى تعوق تكوين الأحزاب، ثم تقيد العمل الحزبى! تحدثوا عن الصعوبات المالية، سواء فى فرض ضرائب على المقرات، أو صعوبات تلقى تمويلات من أفراد! 
وبناء على تلك الرؤية فقد طرحوا حلولًا وأفكارًا لتغيير هذه المعوقات القانونية والأمنية، واعتبروا تنفيذ هذه الأفكار والحلول هى الطريق لعودة المصريين لممارسة الحياة الحزبية الصحيحة المشابهة لما كان قبل حقبة يوليو 1952م! إن خطورة هذا الطرح تكمن فى خطأ توصيف الأسباب بما يترتب عليه خطأ الحلول، وبما يمكن أن يترتب عليه– حتى بعد تنفيذ بعض أو كل الأفكار المقدمة– بقاء الوضع على ما هو عليه!

(3)
إن الشعوب العريقة- مهما كانت أحوالها الاقتصادية والعلمية والفكرية- تمتلك بوصلة جمعية حقيقية صادقة! هذه الحقيقة هى سر مواقف الشعوب ذات الأصول الحضارية العريقة فى لحظات الاختيار الكبرى! فهى حين ترتكب خطأ سياسيًا سرعان ما تصوب خطأها! وهذه الشعوب لا تمنح شرعيتها وثقتها، أو تمنعهما عن طريق الخطأ ولمدى زمنى طويل! قد تخطئ لأسباب كثيرة وفى ظروف تاريخية معينة، لكن عراقتها وإرثها التاريخى يؤرقها- حين ترتكب أخطاء كبرى– ويدفعها دفعًا للتصويب! أما حين تتخذ قرارًا طويل المدى- مثل العزوف السياسى الحزبى- فلا بد أن يبحث القائمون على الأحزاب السياسية عن الأسباب الحقيقية، لذلك حتى تكون أفكارهم المستقبلية واقعية!
فى مشاهد ما قبل ثورة يوليو، منح هذا الشعب ثقته وشرعيته، والتف حول، وسار خلف من صدقهم! وبعد ثورة يوليو فعل نفس الشىء مع قادة يوليو! 
هذا الشعب المصرى العريق يختار جوهر الأشياء لا ظاهرها! هذه سمة كامنة فى شخصيته التاريخية! اختار لقرونٍ جوهرَ التدين لا مظهريته! واختار جوهر حزب الوفد العريق الوطنى حين كان ذلك الحزب كذلك! واختار جوهر أفكار يوليو التى تبنت تحقيق أحلامه والحصول على حقوقه! واختار جوهر فكرة الحفاظ على بلاده وهويته عام 2013م، رغم اتهام العالم له بأنه اختار طريق تمكين المؤسسة العسكرية، لكنه اختار جوهر المخلصين لبلاده وللشعب ذاته! هذا الشعب يفتش عن حقيقة الأشياء لا مظهريتها، إنه دائمًا يبحث عما قدمه بشكل حقيقى كلُ من يريد أن يحصل لنفسه على مقعد فى الصفوف السياسية الأولى!

(4)
فهل قدمت الأحزاب السياسية لهذا الشعب عبر العقود الممتدة منذ عودتها قانونًا وحتى الآن ما سجله هذا الشعب فى ذاكرته، وما سيقنعه ويدفعه لأن ينخرط فى ممارسة الحياة الحزبية السياسية بالملايين؟!
هذا هو السؤال الذى لم نسمعه فى جلسات الحوار الوطنى، وبالتالى لم نسمع إجابات له لتصويب المسار مستقبلًا! التشخيص الخطأ سيقود إلى روشتة علاج خاطئة لن تكون قادرة على إقناع المصريين بالهرولة أفواجًا للوقوف على أبواب الأحزاب السياسية طلبًا لعضويتها، كما هرولوا للوقوف فى صفوف الانتخابات لمنح أصواتهم وشرعية حكمهم لنظام الحكم القائم!
فهل المنشغلون بالعمل السياسى الحزبى جادون بالفعل إلى العمل- من خلال الحوار الوطنى- على العودة بمصر إلى ممارسة حزبية حقيقية، أم أنهم يتوهمون أن ما يحدث إنما مجرد مشهدٍ عابرٍ تعود بعده كل التفاصيل كما كانت؟ أم أنهم يرغبون فعلًا فى الوصول لمشهد حزبى حقيقى، لكنهم لا يزالون يجهلون حقيقة المصريين؟! أو أنهم لا يحيطون بتاريخ الأحزاب فى مصر؟!
إن كانوا جادين فعلًا ومدركين لمدى تاريخية الفرصة الراهنة فى هذا الملتقى، فعليهم أن يراجعوا رؤيتهم التشخيصية مرة أخرى بما تترتب عليه مراجعة أطروحاتهم العلاجية، وعليهم أن يراجعوا تاريخ ممارسات الأحزاب السياسية فى مصر، والأدوار التى قامت بها تلك الأحزاب، وتلك التى كان من المفترض أن تقوم بها لكنها لم تفعل، ومواقفها على الأرض مما مرت به مصر عبر تلك العقود!
وسأكتفى هنا ببعض الأمثلة التى تابعتها منذ سنوات طويلة عبر متابعتى للشأن العام المصرى منذ بدء تسعينيات القرن الماضى!

(5)
أصر الفنان عادل إمام- فى ذروة اشتداد معركة مصر ضد الإرهاب- على القيام بدوره كفنان وطنى فى تلك المعركة بعرض بعض أعماله المسرحية فى قلب واحدة من عواصم الإرهاب بالصعيد! 
فماذا فعلت الأحزاب فى نفس المعركة؟!
بعض الأحزاب المصنفة كأحزاب ليبرالية أفردتْ بعض صفحات صحفها– فى نفس الوقت الذى كانت تراق فيه دماء شهداء الشرطة المصرية– لأقلامٍ مصنفٍ أصحابها كمتطرفين دينيًا بحجة إتاحة الفرصة لهم لعرض رؤاهم كمعارضة!
أحزابٌ يسارية تزاوجت صراحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، ومنحت كُتّابها صفحاتٍ كاملة لبث سمومها فى العقل المصرى الجمعى فى وقتٍ كانت الصحف الورقية أكثر انتشارًا وإقبالًا من المصريين!
محافظاتٌ كاملة فى صعيد مصر خلت من أى وجود حزبى، ومن أية أنشطة تطوعية من جانب الأحزاب السياسية، للوقوف فى مواجهة الفكر المتطرف الذى كان ينهش فى الجسد المصرى!
بعضُ الأحزاب وقفت ضد الدولة المصرية وقدمت مبرراتٍ لمجرمى الجماعات الإرهابية الملوثة أيديهم بالدم المصرى الحرام، وأسهمت فى نشر الفكرة الشيطانية الكاذبة التى كانت تدعى أن جرائم تلك الجماعات إنما كانت ردًا على ما تقوم به الدولة من تعذيب لمعتقلى المعارضة (المقصود بهم أعضاء الجماعات الإرهابية!) حتى كانت الفضيحة التى جرت أحداثها بمجلس الشعب أيام وزير الداخلية اللواء زكى بدر!
فى حقبة التسعينيات قامت بعض الأحزاب السياسية بدورٍ مشين فى مساندة أو توفير تبريرات لاستباحة الدماء، سواء بالمشاركة المباشرة عبر توفير مساحات من صحفها لأصحاب أقلام مسمومة، أو بالصمت التام والاختفاء من المشهد وكأن الأمر لا يعنيها!
سيطر طلاب الجماعات المتطرفة على كثيرٍ من الأنشطة الطلابية بجامعات مصر فى الصعيد، ولم يكن هناك أى تواجد لأية أحزاب سياسية أو أنشطة تدعمها الأحزاب!
كان المتطرفون يطوفون أرض مصر- فى قوافل أطلقوا عليها كذبًا قوافل الدعوة- ويطرقون البيوت والمساجد لنشر تطرفهم وبمساهمات مالية شخصية من بعضهم البعض، وبلغوا غايتهم بأن نشروا أفكارهم فى مئات القرى والنجوع! فأين تلك القوافل التى قامت بها الأحزاب السياسية لنشر أفكارها، ولكى تحفر لنفسها موطأ قدم فى التربة المصرية؟!
لقد كنتُ شاهدًا على ما حدث فى صعيد مصر– مصر الوسطى ومصر العليا- فى حقبة التسعينيات.. اختفت الأحزاب واختفت وزارة الأوقاف.. واختفى الأزهر.. اختفوا جميعًا وانسحبوا وتركوا الشرطة المصرية وحيدة تحارب معركة مصر، وتدفع الثمن من دماء أبنائها وأمان أسرهم!

(6)
عانت مصر من قضايا مجتمعية خطيرة مثل بعض العادات المجتمعية السيئة فى بعض محافظات الصعيد من كثرة إنجاب وزواج أقارب وختان إناث وجرائم ثأر وقبلية بغيضة.. فى كل ذلك لم يكن هناك وجود لأية أحزاب! 
كان المرشحون من ذوى الشعبية القبلية يظهرون فى مواسم الانتخابات، وينضم بعضهم إلى أى حزب- حين يلفظه الحزب الحاكم الفاسد- وربما حتى دون أن يعرف عن الحزب سوى اسمه، وتحتفى إدارة الحزب به دون أن تبذل أى جهد فى إعداد هذا الكادر الحزبى القادم بعصبيته، وربما بماله ليشترى عضوية الحزب ويقدم له مقعدًا فى البرلمان!

قبل يوليو كان المصريون ينتخبون الحزب لا المرشح، يؤيدون الحزب ويؤمنون بمبادئه ويحاسبون قياداته على تصرفاتهم حسابًا ربما أشد من حساب القانون!
بينما فى العقود السابقة التى تلت عودة الأحزاب أصبح المصريون لا يجدون أمامهم سوى الحزب الحاكم الفاسد، فينتخبون المرشح قبليًا فى مناطق، ويبيعون أصواتهم فى مناطق أخرى، بينما الغالبية اعتزلت هذه المشاهد الهزلية، وهو ما يعرف بظاهرة العزوف السياسى! ورضيت الأحزاب التى كانت موجودة على الساحة بدور الكومبارس السياسى بكامل رغبتها!

(7)
لم تقدم الأحزاب فى تلك العقود ما يمنحها ثقة المصريين أو شرعيتهم، فآثر قادتها التمسك بفكرة أنهم ممنوعون من ممارسة السياسة من جانب السلطات! 
حجة لا تقوى على الوقوف على قدميها حين نضعها وجهًا لوجه مع ما كانت تقوم به- فى نفس السنوات- الجماعات المتطرفة وهى تخوض معركة باطلها! إن من يؤمن بفكرة ويعتنقها ويؤمن بشرعية دوره ووطنيته واحتياج بلاده له ولأفكاره يخوض معاركه دون تململ ودون ارتكانٍ إلى حجج واهية!
فهل تؤمن كوادر الأحزاب السياسية فى مصر حقيقة بأفكارها؟! أم أن بعض غبار التطرف الدينى قد أصابها فأصبحت تمارس أنشطتها وهى تشعر بأن على رأسها بطحة؟! هل تمتلك الأحزاب عقائد سياسية حقيقية تعتنقها كوادرها، أم أن فكرة تكوين حزبٍ وإصدار جريدة أصبحت للبعض من باب الوجاهة الاجتماعية، وأحيانًا لتخليص المصالح وتكوين ثروات؟! وللأسف ففى بعض الأحيان الثالثة كانت وسيلة لابتزاز أفراد أو خصوم فى خصومات لا علاقة لها بالسياسة!

وإن كانت ممارسات السلطة– كما يقولون– قد حالت بينهم وبين الالتحام بالجماهير، فهل حالت أيضًا دون تربية وإعداد كوادر حزبية حقيقية داخل جدران مقرات الأحزاب؟! كوادر تعتنق الفكرة أولًا حتى تكون قادرة على إقناع الآخرين بها؟!

(8)
لم تكن أية سلطة حاكمة أن تمنع أي أنشطة حزبية لمواجهة التطرف الدينى مثلًا، فى وقتٍ تحارب فيه السلطة تلك الجماعات! ولم تكن السلطة لتمنع أى جهدٍ مجتمعى فى قرى ونجوع مصر للمشاركة فى حل أزمات مصر! ولو أن حزبًا سياسيًا قام عبر العقود بذلك بالفعل وحفر لنفسه مكانًا على الأرض بين المصريين وصدقوه لما استطاعت أية سلطة منعه من ممارسة السياسة الحزبية بعد ذلك! لا يمكن وضع العربة أمام الحصان! الحصان يجر العربة، ويبذل الجهد! ولم يكن للأحزاب السياسية خيول فى أرض أية معركة حين كان المصريون يخوضون المعركة تلو الأخرى!
إن الشرعية الجماهيرية الحقيقية للأحزاب لا يمكن منحها بقرار رئاسى أو قرار فوقى من سلطة حاكمة، إنما يتم بناؤها على الأرض عبر مرحلة طويلة من العمل، وكما يقول المصريون فى المثل الشعبى..(اللى يقدم السبت يلاقى الأحد!)، وأثبت تاريخ المصريين أنّ من يقدم لهم السبت يمنحونه باقى أيام الأسبوع!
لم يبلغ حزب الوفد القديم شرعيته بقرارٍ من القصر، بل على العكس فشلت جميع الأحزاب التى صنعها القصر أو الإنجليز فى مناطحة شرعية حزب الوفد! كان المصريون فى تلك المرحلة يحتاجون إلى كيانٍ وطنى واقعى يحيا معهم حياتهم وتفاصيلهم على الأرض، ويمثل لهم الوطنية المصرية فى مواجهة الاحتلال والقصر معًا فكان حزب الوفد! وبعد الثورة الوطنية كان المصريون جوعى وعطشى للحصول على بعض حقوقهم بعد قرونٍ من القهر والحرمان، فكان تأييدهم لتلك المجموعة من الضباط المصريين!
منذ عام 2013م كان المصريون فى حاجة إلى قوتهم الصلبة تحمى وطنهم وتنقذهم مما كان يلوح لهم من مصيرٍ مظلم فلم تضل بوصلتهم الوطنية، ومنحوا تأييدهم لفكرة الثورة على الحكم الفاشى!

والآن فمصر تحتاج إلى جهد جميع المصريين. تحتاج إلى أن يبدأ المصريون فى ممارسة مظاهر الحياة السياسية بشكلٍ أنضج، ولهذا كانت دعوة الرئيس للحوار الوطنى! 
ولهذا كتبتُ هذا المقال! فالموقف المصرى الآن لا يحتاج إلى أية مشاحنات أو معايرات سياسية، إنما يحتاج إلى تشابك الأيدى للعمل بالطاقة القصوى لمجموع المصريين؛ لذلك فتوضيح بعض الحقائق حتمية وجوبية، ربما تكون كاشفة للخطوة القادمة. أن نتصارح أفضل من الصمت فتضيع بعض خطواتنا فى طريقٍ خطأ، فى وقت لا نملك فيه رفاهية تضييع الوقت!

(9)
إن أراد القائمون على الأحزاب السياسية إدراك اللحظة فعليهم أن يعرفوا الطريق الحقيقى لبناء الجماهيرية والشعبية والحصول على تأييد المصريين. هذا الطريق لا يمكن أبدًا أن يبدأه قادة الأحزاب من نهايته! على الأحزاب أن تبدأ الطريق من بدايته! أن يعلموا أن ما تحدثوا عنه من معوقات- وإن كان صحيحًا ظاهريًا- خادعٌ جدًا ويمكنه أن يجعلهم يضلون طريقهم لو ارتكنوا عليه!
يبدأ الطريق من وجود أفكار حزبية أو عقائد سياسية حقيقية تتماشى مع طبيعة مصر والمصريين.. يعتنقها مؤمنون بها.. يمثل هؤلاء نواة الحزب وعقله المفكر وضميره وروحه..يبدأون فى تكوين هياكل داخل الحزب تستقطب من يؤمن بعقائد الحزب من الكوادر المصرية من مختلف التخصصات والمفكرين من مختلف المجالات.. اللجان داخل الأحزاب يجب أن يتولاها متخصصون.. هذه اللجان وهؤلاء المتخصصون المؤمنون بعقائد الحزب يتولون تكوين كوادر وقواعد حزبية جغرافية فى عموم مصر.. مؤمنون ومعتنقون حقيقيون لأفكار الحزب لا أنهم موظفون... حين تتكون هذه الهياكل عليهم وضع خطة طويلة الأمد للنزول للشارع المصرى..
لا يجب أن يتطلع حزبٌ سياسى إلى الحكم قبل أن يصبح حزبًا شعبيًا حقيقيًا تدفع به الجماهير لمقاعد المجالس البرلمانية، وربما لتولى تكوين الحكومة إن حظى الحزب بثقة القيادة السياسية!
لقد أهدرت الأحزاب السياسية عشرات الفرص والمعارك كان يمكن لأىٍ منها أن يغرس أول جذور شعبيته على الأرض، ويفتح الطريق لحزبه لبناء أسس راسخة يصعب هدمها!

لكن وكما يقولون.. أن تأتى متأخرًا خيرٌ من أن لا تأتى!
وللأسف أجدنى مضطرًا لأن أقول إن عليهم أن يتذكروا أن جماعة باطلة سرية انتظرت ثمانية عقود لتفعل ما يجب أن تقوم بفعله الأحزاب السياسية الشرعية!
آخر ما أختم به حديثى هو نصيحة مخلصة لمن يقومون على شأن الأحزاب السياسية المصرية..علموا كوادركم تاريخ بلادهم قبل أن تلقنوهم عقائد الحزب السياسية، وقبل أن تدفعوا بهم للشارع المصرى.. علموهم تاريخ المصريين حتى يدركوا هويتهم، ثم يعلموا شخصية المصريين الحقيقية فلا يضعون أنفسهم فى مواجهة، أو موضع تنافس مع مؤسسات مصرية يكن لها المصريون طوال تاريخهم الممتد عبر عشرات القرون احترامًا كبيرًا.. لأنهم إن فعلوا ذلك فهم خاسرون ولا شك! لقد حسم المصريون اختياراتهم ووضعوا فى قلوبهم من اختاروا منذ زمنٍ بعيد!