جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الدواء.. فى القارة السمراء

الاجتماعات السنوية لـ«مجموعة بنك التنمية الإفريقى» لا تزال مستمرة فى مدينة شرم الشيخ، ومع تقييم استجابة دول القارة السمراء لتأثيرات وباء كورونا والأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائى، نظمت «المؤسسة الإفريقية للتكنولوجيا الصيدلانية»، على هامش الاجتماعات، جلسة نقاشية، شارك فيها خبراء ومسئولون من القطاع الصحى فى مصر والقارة والعالم، وطرحت خلالها بادماشرى جيل سامباث، كبيرة مستشارى رئيس المجموعة للأدوية والصحة، مبادرة لتسهيل تحديث قطاع الأدوية وتحفيز نقل التكنولوجيا لدول القارة.

المؤسسة، التى تم تأسيسها فى يونيو الماضى، تهدف إلى تعزيز الإنتاج الإقليمى من الأدوية والمنتجات الصيدلانية والمستحضرات الطبية، وتمكين دول القارة من الوصول إلى التقنيات اللازمة لصناعة ما تحتاجه منها، ليس فقط لأن وباء «كورونا المستجد» كشف عن ثغرات فى إنتاج الأدوية الأساسية فى القارة السمراء، ولكن أيضًا لأن دول القارة، قبل ظهور هذا الوباء بوقت طويل، كانت تستورد أكثر من ٧٠٪ من الأدوية، بتكلفة سنوية تقدر بـ١٤ مليار دولار، ما استوجب تغيير هذا الوضع، عبر نهج تعاونى وشامل.

دور «المؤسسة الإفريقية للتكنولوجيا الصيدلانية»، كما هو واضح، يتكامل مع «وكالة الدواء الإفريقية»، AMA، التى بدأ العمل على الاتفاقية المنشئة لها، سنة ٢٠١٩، وجرى الانتهاء من صياغتها النهائية، أى خلال سنة الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقى. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن أيامًا لم تمر على إقرار الاتفاقية، إلا وعرضت مصر استضافة مقر الوكالة، انطلاقًا من حرصها على النهوض بالصحة العامة فى القارة السمراء، وإيمانًا منها بأهمية هذه الوكالة كإطار تنظيمى للصناعات الدوائية فى دول القارة.

المهم، هو أن الجلسة النقاشية شارك فيها الدكتورة بيربل كوفلر، محافظ ألمانيا لدى بنك التنمية الإفريقى، والبروفيسور كريستيان هابى، كبير مستشارى الأدوية والصحة، مدير المركز الإفريقى للتميز فى جينوم الأمراض المعدية، و... و... والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، التى أكدت أن الأمن الصحى «لا يقل أهمية عن الأمن الغذائى». وانطلاقًا من حقيقة اعتماد إفريقيا إلى حد كبير على «دول الشمال» فى أمنها الصحى، أكد البروفيسور «هابى» ضرورة أن تتحول دول القارة من مستهلكة للمعرفة إلى منتجة لها.

فى كلمته الترحيبية، أكد أكينومى أديسينا، رئيس «مجموعة بنك التنمية الإفريقى» أن غالبية دول القارة، فى بداية وباء كورونا، لم تكن لديها القدرة على إنتاج أشياء أساسية. ثم أشار إلى أن أكثر من مليار شخص فى إفريقيا لم يكونوا قد حصلوا على الجرعة الأولى من اللقاح، بينما كانت الدول المتقدمة لديها إمكانية الوصول إلى الجرعتين الثانية والثالثة. وعليه، شدد «أديسينا» على أن هذه المؤسسة تمثل التزامًا جماعيًا نحو الاكتفاء الذاتى فى قطاع الأدوية، وتعهدًا بأن قارتنا ستحصل على التقنيات اللازمة لإنتاج احتياجاتها.

تصادف، أن تتزامن تلك الجلسة مع انعقاد الاجتماع السادس والسبعين للجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية، فى مدينة «جنيف» السويسرية، الذى تحدث فيه الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان، عن الدروس المستفادة من وباء كورونا، والخطوات التى اتخذتها مصر لتقليل الاعتماد على الواردات الخارجية، والوصول إلى استجابة أفضل للتحديات الصحية فى المستقبل. ومن هناك، من جنيف، شارك وزير الصحة، أيضًا، مع الدكتور تامر عصام، رئيس هيئة الدواء المصرية، والدكتورة سيلفيا ماسيبو، وزيرة الصحة بدولة زامبيا، فى اجتماع افتراضى، جرى خلاله بحث سبل التعاون بين البلدين فى كل المجالات ذات الصلة بالأدوية والمستحضرات الطبية، وأعربت فيه «ماسيبو» عن تطلع بلادها إلى التعاون مع مصر فى هذه المجالات، وترحيبها بدخول شركات الأدوية المصرية إلى السوق الزامبية.

.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن هناك تكليفات رئاسية للحكومة، وهيئة الدواء المصرية، وكل الجهات المعنية، بأولوية فتح آفاق جديدة للتعاون مع العمق الإفريقى، وتيسير إجراءات نفاذ وإتاحة الأدوية والمستحضرات الطبية المصرية للسوق الإفريقية، والتعاون البناء مع مختلف الدول الشقيقة الراغبة فى الاستفادة من التجربة المصرية فى مجال الرقابة على المستحضرات الطبية.